العوامل السياسية المؤثرة علي نشر الاخبار

هناك عدة عوامل سياسية تعمل من داخل المؤسسة الصحفية وتؤثر فى توجيه المواد الإخبارية واختيارها وانتقائها وصلاحيتها. للنشر، ومن هذه العوامل:
أولا-السياسة التحريرية للجريدة:
يقصد بالسياسة لتحريرية للجريدة مجموعة المبادئ والقواعد والخطوط العريضة التى تتحكم فى الأسلوب أو الطريقة التى يقدم بها المضمون الصحفى، وتكون فى الغالب غير مكتوبة، بل مفهومة ضمنا من جانب أفراد الجهاز التحريرى، وتظهر فى سلوكهم وممارستهم للعمل الصحفى اليومى، وهى تخضع لقدر من المرونة تختلف درجتها من صحيفة لأخرى ومن موقف لآخر ومن فترة لأخرى داخل الصحيفة نفسها( ) وتكون عملية صنع السياسة التحريرية للجريدة مسئولية هيئتها التحريرية، حيث تقوم هيئة التحرير فى اجتماع عام بتحديد الخطوط العامة لهذه السياسة التحريرية، ولا يمكن إجراء أية تغيرات فى السياسة التحريرية إلا من خلال اجتماع آخر يشترك فيه جميع أعضاء هيئة التحرير( ).
وفى العادة يتم تقرير سياسة تحرير الجريدة عند تأسيسها، وتحديد طابعها الصحفى، ثم يتم الحفاظ على هذه السياسية أو تغيرها بمرور الوقت نتيجة لتغير الظروف الاجتماعية والحياة السياسية التى تعد الجريدة جزءاً منها( ).للتعرف علي المزيد عن السياسة التحريرية راجع موضوع السياسة التحريرية في الصحف اليومية علي صفحات هذه المدونة

ثانيا-الاتجاهات السياسية للصحفيين
يمكن تعريف الثقافة السياسية بأنها نمط من الاتجاهات والتوجهات الخاصة بالإفراد تجاه السياسة، والأمر الذى يعطى معنى للأفعال السياسية، ويشمل ذلك التوجهات الخاصة بالمعرفة وعلاقتها بالأهداف والمعتقدات السياسية( ). وتلعب الميول والاتجاهات السياسية دوراً مهماً فى منظومة القيم الإخبارية للصحفيين، ونوعية المضمون الذين يسعون لتأكيده، وطرق اختيارهم له، ولزوايا المعالجة واتجاهاتها. وقد تدفع خبرة المحرر الشخصية وبيئته، وانتماءه السياسى إلى تبنية لخيارات معينة عن سواها فى العمل الصحفى، بل ويعتبر البعض الميول السياسية هى ثانى العوامل من حيث القدرة على التأثير على خيارات الصحفيين للأخبار بعد الانحياز الثقافى( ).
وفى دراسة اشتملت على 240 صحفى يعملون لحساب أكثر أسواق الإعلام تأثيراً فى أمريكا، ويقيمون فى الأصل فى الولايات الصناعية الشمالية، وجد فيما يتعلق بالأمور السياسية أن 54% من عينة الدراسة يعتبرون أنفسهم يساريين، بينما 19% فقط يعتبرون أنفسهم من المحافظين وهم السياسيون المعتدلون الذين تجعلهم وجهات نظرهم فى مركز وسط بين اليمين واليسار( ).
وفى دراسة قومية ضخمة على الصحفى الأمريكى عام 1982 ودراسة مماثلة عام 1992 اشتملت على أرجاء الدولة كلها واستخدمت مقابلات تليفونية مدتها 45 دقيقة مع 1410 صحفى تم اختيارهم عشوائيا توصلت هذه الدراسة إلى أن هناك زيادة فى أعداد الصحفيين المنضمين للحزب الديمقراطي خصوصاً من بين النساء والصحفيين فى سن ما قبل الرشد. وأن 44 % من الصحفيين قالوا أنهم ديمقراطيين ومناصرين للديمقراطية، وأن 16% منهم مستقلين أى غير حزبيين( ).
وفى دراسة أجريت على الصحفيين المصريين حول الرقابة الذاتية فى العمل الصحفى من خلال توجيه العبارة التالية:
أنّ الرقابة الذاتية التى تقوم على أساس التوجهات العامة للدولة رقابة ذاتية سلبية باعتبارها صدى لتأثير الجهات الرقابية فى الدولة.. فكانت إجاباتهم بنسبة 64.3 % مؤيده لكونها رقابة ذاتية سلبية( ).
وهذا يؤكد عدم رغبة الصحفيين فى توجيههم سياسياً من الدولة، ويحاولون إثبات استقلالية توجهاتهم السياسية التى تدفعهم - كما قدمنا - إلى تبنى خيارات معينة عن سواها فى العمل الصحفى.

هناك عدة عوامل سياسية تعمل من خارج المؤسسة الصحفية وتؤثر بشكل كبير على اختيار وانتقاء ونشر المواد الإخبارية فى الصحف اليومية، ومن أبرز هذه العوامل ضغوط السلطة، والسياسات الاتصالية للدولة، وضغوط المصادر الإخبارية.
وفيما يلى عرض مفصل لهذا العوامل:
1-ضغوط السلطة:
إذا كانت الدساتير فى حد ذاتها لا تستخدم لتقييد حرية الصحافة، فإن قوانين الصحافة قد وضعت لكى تتناول بالتحديد الحقوق والقيود المفروضة للصحافة، فعلى امتداد العالم كله فإن القوانين الصحافية قد فرضت من قبل الحكومة كقواعد مباشرة إرشادية حيث على الصحافة أن تلتزم بهذه القواعد نصا وروحاً وأن تنفذها بالكامل. وتعد هذه القوانين والقواعد الإرشادية من أشد الضغوط فى هذا المجال تقييداً لحرية الصحافة( ).
والواقع أنّ الالتزامات القانونية سواءاً أخذت شكل الوقاية أو الردع ترد فى قوانين المطبوعات أو الصحافة وقوانين العقوبات وغيرها من التشريعات التى تنظم عمل وسائل الإعلام، وتأخذ هذه القيود أشكالا من أهمها قوانين الرقابة، وتأخذ هذه الرقابة صوراً متعددة منها رقابة سابقة على النشر، ورقابة بعد النشر وقبل التوزيع، ورقابة بعد التوزيع( ).
والرقابة السابقة على النشر تعنى وجود رقيب مقيم فى المنشأة الصحفية يمارس عمله تبعاً لوزارات الداخلية أو الدفاع أو الثقافة أو الإعلام، فهو يقرأ كل مادة صحفية قبل النشر ويجيز أو لا يجيز نشرها وقد يحذف بعض الفقرات أو الأجزاء من المواد الإخبارية أو غيرها حتى يسمح بنشرها، والرقابة بعد النشر وقبل التوزيع يقصد بها منع الصحيفة من توزيع عدد يحتوى على مادة صحفية غير مطلوب وصولها للقراء، والرقابة بعد التوزيع يقصد بها جمع أعداد الصحيفة من السوق ومنعها من التداول( ).
ولا تتطلب أى من الدول الديمقراطية أى شكل من أشكال الموافقة الحكومية لإصدار جريدة أو دورية، ففى النمسا تعفى الصحف والدوريات من شرط الحصول على ترخيص، وتفرض كل من فرنسا وأسبانيا وبريطانيا شروطاً للتسجيل، ولكن السلطات لا تملك حق رفض التسجيل، ولا تستخدم هذه الشروط كشكل من أشكال الرقابة( ).
وفى والوطن العربى كشف التحليل الذى قامت به الدكتورة ليلى عبد المجيد أن أغلبية الدول العربية التى قامت بدراسة تشريعاتها الإعلامية تشترط ضرورة الحصول على ترخيص مسبق لإصدار صحيفة وذلك بنسبة 91.7% ( إحدى عشر دولة من اثنتى عشر دولة تمت دراسة تشريعاتها الإعلامية) ( ).
وتشير التجارب التاريخية العالمية والمحلية إلى أن القوانين المنظمة للعمل الصحفى لم توجد إلا لحماية مصالح الهيئات الحاكمة فى مواجهة الصحافة والصحفيين، ويلاحظ أن الصياغة القانونية لكافة التشريعات الإعلامية وعلى الأخص ما يتعلق بالصحافة تحرص على محاصرة وتقييد الحقوق التى تنص عليها من خلال العبارات المطاطة والإفراط فى السلطات التقديرية التى تخولها للقائمين على الأمور الذين يملكون الحق فى سحب امتياز أى صحيفة أو مصادرتها دون إبداء الأسباب( ).
فالصحافة تحت هذه الدائرة من القوانين تعد المسئولة الوحيدة عن طبيعة المادة المنشورة، وتصبح هذه القوانين مقيدة لحرية الصحافة عندما يتم تفسير بعض العبارات على أنها محرضة ضد النظام أو على أنها نوع من القذف والإيذاء، أو بأنها لا أخلاقية حيث تحدث هذه الذرائع دائما وغالبا فى ظل القوانين السائدة( ).
وتقول الدكتورة جيهان المكاوى أن هناك تناسب دقيق بين ماضى الأمة فى الحرية من جهة وبين حالتها الراهنة ووضعها السياسى القائم من جهة أخرى. لذلك فإن الحكومة التى تفرض الرقابة إنما تضاعف مسئولياتها تجاه المجتمع، ويتأتى ذلك نتيجة أن شرط المسئولية التامة هو حرية التصرف . فإذا لم تتمتع الصحافة بالقدر الكافى من حرية التصرف فهى فى حل من تحمل هذه التبعة( ).
لذلك يجب التأكيد على حق الصحافة فى أن تنقد أى موقع من مواقع العمل وتتناول تصرفات الحكومة بالتعليق والنقد وتسلط رقابتها على الأجهزة التنفيذية دون أن ينظر إلى ذلك على أنه يعنى اتهام الوزير المسئول ودون أن ينظر للنقد على أنه تجريح شخصى( ).
وتحدد الدكتورة ليلى عبد المجيد مبررات ضغوط السلطة على الصحافة وفرض الرقابة عليها فى الآتي( ):
1-فرض الرقابة على المضمون بدعوى أن الأفكار التى يطرحها زائفة وباطلة أو خطيرة.
2-إدعاء فئة من المجتمع تمثل الصفوة لنفسها الوصاية على بقية الفئات فى المجتمع بدعوى أنها تفهم أكثر من الآخرين.
3-فرض الرقابة على الأفكار التى تنتهك حرمة الآداب العامة وتخدش الحياء.
4-فرض الرقابة على الأخبار والصور والبيانات التى ترى السلطة أنها سرية وإفشائها يضر بالأمن القومى.
وبالإضافة إلى الضغوط السياسية التى تفرضها الحكومات على العمل الصحفى فإن هناك ضغوط أشد خطورة على حرية الصحافة وهى الضغوط الاقتصادية ويوجد هذا النوع بشكل رئيسى فى بلدان العالم الثالث، وتشمل الضغوط الاقتصادية تقديم الرشاوى والهبات للصحف والصحفيين، وكذلك محاباة المطبوعات شبه الحكومية، ونشر إعلانات الحكومة فى الصحف الموالية لها ومنعها عن الصحف المعارضة لها( ).
وتمتد الضغوط الاقتصادية لتشمل الدول الرأسمالية والعالم المتقدم، ففى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تتحكم فى وسائل الإعلام مؤسسات عملاقة متداخلة مع صناعات كبيرة أخرى ومع بعض البنوك الدولية( ).
ومن الضغوط الاقتصادية على الصحف ووسائل الإعلام فرص الضرائب، ووضع القوانين التى تنظم مالية المؤسسات الصحفية والإعلامية مما يستوجب خضوع الشئون المالية فى تلك المؤسسات للرقابة( ). وهناك أيضا السياسات المالية للحكومة وتسعيرها للخدمات التى تستعين بها الصحافة فى أداء عملها . ويتوقف ذلك فى جانب منه على نظرة الحكومة للصحافة وهل هى مجرد مشروع تجارى وصناعى عادى أم مشروع له أغراض اجتماعية وثقافية إلى جانب أغراضه الاقتصادية( ).
2-السياسات الاتصالية للدولة
يقصد بسياسات الاتصال Communication Policies مجموعة المبادئ والقواعد والأسس أو الخطوط العريضة والتوجهات والأساليب التى توضع لتوجيه نظام الاتصال، أى عمليات تنظيم وإدارة وتقييم هذا النظام، وسياسات الاتصال عادة ما تكون بعيدة المدى وتتناول الأمور الأساسية، وتنبع من الأيديولوجيا السياسية والظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع والقيم الشائعة فيه( ).
وإذا كانت السياسة هى فن الممكن فإن سياسات الإعلام هى أفضل الممكن فى مجتمع معين،لتحقيق أهداف معينة، بالوسائل المتاحة لربط النشاط الإعلامى بالأهداف القومية للمجتمع( ). وللسياسات الاتصالية متطلبات تتمثل فى المنطلقات الآتية( ).
-ضرورة انطلاق وسائل الاتصال من فلسفة واضحة تحدد أهداف العملية الإعلامية وتكون ترجمة لاستراتيجية عامة للمجتمع.
-تحديد أهداف استراتيجية ناجحة للتنمية تعتمد على مقومات أساسية وتعمل وسائل الاتصال على تحقيقها.
وقد أكدت المتابعة الاستقرائية للممارسات السياسية الإعلامية فى مختلف الأنظمة المعاصرة أن السلطة السياسية، وتتضمن الحكومة التى تتحكم بصورة متفاوتة فى زمام السياسات الاتصالية والإعلامية كجزء من الوظيفة السيادية للدولة، لا تضع الجمهور على قائمة اهتماماتها إلا فى الحالات الحرجة التى يتعرض فيها النظام السياسى لمشكلات أو أزمات تهدد استمراريته واستقراره( ).
وترى الدكتورة ليلى عبد المجيد أن هناك عدة معايير تحددها السياسة الاتصالية للدولة وهذه المعايير هى( ):
أولا: معايير تحدد الوظائف الاجتماعية للنظام الاتصالى ومضمون رسائله.
ثانيا: معايير تتصل بتدفق الرسائل الاتصالية داخل النظام الاتصالى ومدى السماح بمشاركة الجمهور فى الاتصال.
ثالثا: معايير الرقابة على النظام الاتصالى ومدى السماح للأقليات بالتعبير عن آرائها.
رابعا: معايير تتصل بتدفق المعلومات من وإلى البلد والقيم المراد توجيهها للدول الأخرى والتى تنعكس فى برامج التبادل والتوزيع الدولى.
خامسا: حراسة البوابة Gate Keeping وكيفية اتخاذ قرارات النشر أو الإذاعة أو ما يسمح أولا يسمح به وطريقة تقديم المعلومات وعرضها.
ومن خلال هذه المعايير فإن السياسة الاتصالية للدولة تؤثر بشكل كبير على اختيار وانتقاء ونشر المواد الإخبارية فى الصحف اليومية التى تصدر فى إطارها وتنظم ممارساتها وتضع المعايير التى تحكم أنشطتها.
3-ضغوط المصادر الإخبارية:
الاستقلالية اعتبار مهم لدارس الإعلام وذلك فى تحديد حصة الدقة والمصداقية لموفري المعلومات، وفى أحيان كثيرة تكون متحيزة تلك الأخبار التى تضم أصحاب النفوذ المالى والسياسى، برغم امتلاكهم دعوة قوية للمصداقية والموضوعية فى تقاريرهم الإخبارية. وطبقا للقيم الإخبارية الغربية فإن مصادر المعلومات التى تكون حكومية أو موجهة سياسياً لا تعتبر جديرة بالثقة للعمل مثل المصادر غير المتحيزة، وأنهم غير مؤهلين للعمل كمصادر مؤثرة لانتقاد وفحص أعمال الحكومة( ).
والتحدى الذى يواجه المراسل عند قيامه بدور الوسيط هو تحد ذو شقين فيجب عليه أولا أن يقاوم بشدة الإغراء الذى يتعرض له بأن يصير جزءاً من الأحداث الجارية على حساب مسئوليته تجاه الجمهور، وثانيا: يجب عليه أن يدرك أن اختياره لمصادر الأخبار قد يشكل مضمون المشكلة التى يتعرض لها فى عمله الأخبارى( ). وهكذا يلعب توجه الصحفى نحو المصدر تأثيره فى اختيار ونشر الأخبار وتوجيهها أيضا.
على أن "باس" Bass فى دراسته لتدفق الأخبار الداخلية لفت الانتباه إلى أن هذا التأثير يتلاشى لدى معالجوا الأخبار من محررين ومصححين ومترجمين، وهذا الرأي يصعب قبوله لأن الفصل بين النشاطين – جمع الأخبار وتحريرها – غير محقق فى الواقع الفعلى، وإنما تحكمه متغيرات عديدة ليس أقلها روتينية العمل ، والحاجة إلى النشر السريع، وملئ فراغات الجريدة والوفاء بسياسة تحرير الصحيفة. وفى سياق ذلك يظل تأثير توجه الصحفى نحو مصدر الخبر فاعلا وممتداً حتى النهاية( ).
وللحد من تأثير ضغوط المصادر الأخبارية فى توجيه المادة الصحفية يجب على المندوب أن يعدد مصادره وينوعها، فتعددية المصادر وتنوعها هى القاعدة التى يمكن إذا ما ابتعها المندوب الصحفى وحرص عليها أن يحصل على أكبر قدر ممكن من الحقائق، دون تشويه لهذه الحقائق، وأن لا يكون أداة فى أيدى مصادر تستخدمه فى تحقيق أهدافها( ).