مواضيع اليوم

العواصف في الخارج وفي الداخل أيضا ! قصة مختصرة

سفيرة الاخلاق

2010-04-21 10:51:17

0

 

تقول : كنت أسير في أحد شوارع لندن وأمتع ناظري بالطبيعة الرائعة ، والتناسق والنظام المسيطرين على كل شئ من حولي ، كان الجو رائعا بالفعل ، وفجأة ومن غير سابق إنذار جاءت عاصفة مرعبة ، والكثير جدا من الغبار الأحمر ، ذاك الذي يجعل كل شئ من حولك ضبابيا محمرا ، لقد احمرت الدنيا بالفعل ، وامطرت السماء بغزارة ، هالني ما رأيت لعدة ثوان ثم بدأت أجري كما يفعل الآخرين تماما ، لم أكن أعلم إلى أين أتجه ، وأين يجب أن أختبئ قبل أن يحدث لي مكروه ، ففي هذه الأجواء لا أحد يعلم كم المخاطر المحدقة به ، يبدو أن الطريق قد خلا تماما من أي كائن حي سواي ، أنا وأنفاسي اللاهثة ، وجدتني أمام "كنسية" فدخلت على الفور وبلا تردد ، وأغلقت الباب بشدة ، كم أسعدني رؤية ثلاثة أشخاص بانتظاري ، امرأة ورجلين ، فابتسمت بارتباك ، وألقيت عليهم التحية المعتادة ، فردوا التحية وبلا تردد ، كان كل منا يتحدث عن شعوره الرهيب حيال هذا الطقس المفاجئ ، وبدأنا نثرثر وبلا توقف ، وكأننا نعرف بعضنا جيدا ، ليس من عادتي إدارة الحوارات مع الرجال وبجرأة كجرأتي في ذلك اليوم ، ولكن الموقف فرض على كل منا أن يتقرب إلى الآخرين تحسبا للطوارئ وسعيا لكسب الود والمعونة من الآخرين ، فنحن لا نعلم ما سيحدث لنا بعد ، فالرؤية بالخارج معدومة ، ولا من وسيلة اتصال نطمئن بها على أهلنا ، فجلسنا على مقاعد الكنيسة متقاربين نوعا ما ، وكان كل منا ينظر إلى الآخرين والشرود باد على محياه ، بدأ جون بالتعريف عن نفسه ، وقام بسؤال زميله عن اسمه ، فأجابه بأنه يدعى آرثر ، فبادرت وقلت لهم بلغتهم : إن اسمي هو سوسن ، وأخيرا تحدثت "زميلة العاصفة" بأن اسمها سوزان ، لم نكن نعلم بمدى حاجتنا الشديدة للثرثرة في شتى الموضوعات ، فقد كانت الثرثرة وسيلتنا الفعالة لقهر القلق الشديد الذي يعاني منه كل منا ، وهكذا كان حوارنا :
جون : إنها فرصة رائعة ان تنعارف هنا دون حسيب أو رقيب .
آرثر : إنك في الكنيسة يارجل .
جون : ألا يوجد ثمة شراب هنا ؟ "ضاحكا باستهتار"
سوزان : أظن أن وجودنا هنا هو لغاية أفضل من مجرد الإستمتاع .
جون : يبدو أن الوحي قد أتاك فجأة لتدركي الحكمة الإلهية من وجودنا هنا .
سوزان : يبدو أنك متوتر جدا وليس بوسعك سوى السخرية .
آرثر : مهلا يا جماعة ، إننا في ورطة قد وأقول "قد" لا ننجو منها .
سوسن : يجب أن نتكاتف كالإخوة لا أن نتشاجر
سوزان : ولا أن نفكر بالإستمتاع كما يقول الأخ جون
جون : أنا سعيد جدا لأنني هنا ، فقد كانت زوجتي بانتظاري وقد سئمت منها ومن انتظارها لي .
سوزان : يبدو أنها سعيدة الآن بغيابك وتفكر بالإستمتاع أيضا
وهنا صاح بها جون : سأقتلك إن حاولتي المساس بكرامتي
ضحكت سوزان ونظرت إلى سوسن وآرثر المذعورين
سوسن : لنحاول تغيير دفة الحديث ، ماذا تعمل يا آرثر ؟
آرثر : أملك مصنع أحذية ، وإذا غرق المصنع ستجدون أحذيتي تسبح في كل مكان
سوزان : أما أنا فأعيش وحيدة ، فقد ..
وهنا قاطعها جون بازدراء : أنا أيضا وحيد مثلك يا عزيزتي
نظرت إليه بغضب وأردفت : لم أكن على علاقة جيدة بوالدي بعد وفاة أمي الحبيبة ، وقد تزوجت مرة ولكنني لم أوفق أيضا وحصلت على الطلاق وارتحت من هموم الآخرين
سوسن : من الصعب أن تستقر الحياة مع وجود الكثير من وسائل تفكيك الأسر
جون : ماذا تقصدين بوسائل تفكيك الأسر ؟
سوسن : الملاهي الليلية والبارات والنساء العاريات وكل تلك الأمور تشد كل من الزوج والزوجة بعيدا عن الإخلاص والوفاء
آرثر : كلامك صحيح ، فلقد تعرضت لخيانة الكثيرات ممن تعرفت عليهن ، ولذا فأنا لا أرغب بالإرتباط الفعلي بأي امرأة ، مجرد علاقات عابرة
جون : مهلا مهلا يا مدام سوسن ، من أين أتيتي بهذا الفكر الغريب ، من أين أنتي بالضبط ؟
سوسن : أنا امرأة عربية مسلمة ، وهذا واضح تماما علي ، يبدو أنك قليل الثقافة لتعرف هذه الأمور البديهية .
جون : تقصدين هذه الخرقة التي على رأسك هي شعاركم أيها المسلمات ؟
سوسن : يجب أن أهديك بعض الكتب القيمة لأن الإسلام دين يطول شرحه ، فهو أفضل شئ عرفته منذ ولدت .
جون : دين يريد من الناس أن تعيش في ظلام وسجن أزلي ، دين يحرّم الإستمتاع والسعادة ، دين يقتل الأبرياء .
سوسن : كلا يا أستاذ جون ، فإن أساء بعض المتأسلمين التصرف باسم الدين فهم لا يمثلون الدين نفسه ، وهو برئ منهم ، فهل تمثل أنت المسيحية مثلا ؟؟؟ ثم إن ما تقوله عن حصر الحريات كلام مراهقين لا أكثر ، فالدين يخدم الأسرة ، الرجل والمرأة والأبناء ، ويحقق أعلى مستوى من الإستقرار والإشباع النفسي والعاطفي والمادي ، فهو يحرم الخيانة التي أبحتها أنت للتو لفسك وحرمتها على زوجتك .
جون : ستقولين لي يا "فيلسوفة العواصف" بأن المسلمين لا يخونون أبدا ، ولا يذهبون للملاهي الليلية ، ولا يسرقون ولا ..
سوسن : إن هذه الأمور تحث بلا ريب ، ولكن المسلم الملتزم بدينه وليس الغافل عنه يأبى مثل هذه التصرفات التي تسئ له ولصورة الدين عند الآخرين .
جون : أظن أن كلامك مجرد سفسطة ومثاليات لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع
سوسن : إن الجالس في الظلام باستمرار ، من الممكن أن ينسى أهمية النور وجماله ، وأنت والكثيرون تجلسون في الظلام ، ولا يمكنكم تصور حياة ذات قيمة ، فالحياة الرخيصة السهلة العشوائية متوفرة على الدوام .
آرثر : حوار شيق ، ولكن .. يبدو أن العاصفة قد هدأت ، وأحذيتي بانتظاري بالرغم من أنني أنست كثيرا بصحبتكم .
سوزان : أريد أن نكون على اتصال يا سوسن .
سوسن : حسن ، سأعطيك رقم جوالي .
جون : هل لي أن أحصل على رقم جوالك ؟ لا تسيئي الفهم ، أريد فقط أن أعرف المزيد عن دينكم .
سوسن : سأعطيك جوال زوجي إن أردت .
جون : إن لم يكن ثمة ما يغضبه .. فلا بأس
وعند هذه النقطة ودع كل منهم الآخر مسرورا بعودة الطقس لجماله وروعته المعتادة ..
وبدأ الناس يتجولون في شوارع لندن من جديد ، وعادت الحياة كما كانت قبل العاصفة ..
أما ما أثمر عنه ذلك الإجتماع الطارئ والطريف ، هو أن جون قد أصبح صديقا مقربا من السيد فادي زوج السيدة سوسن ، وقد أحب الإسلام يوما بعد يوم ، حتى اعتنقه هو وزوجته ربيكا ، وقد أقسم في نفسه أن يكون مخلصا لربيكا مدى الحياة ، لأنه أحب الإسلام حقا ، بخلاف كثير من المسلمين الذين لا يعرفون شيئا عن الوفاء والإخلاص ، أما عن سوزان فقد تزوجت من احد اقرباء الدكتور فادي ، وهي على علاقة جيدة بسوسن .
فما أجمل أن نساعد الآخرين على فهم الحياة ولكن بالعقل والهدوء والحكمة ، وليس بالصراخ والعنف والإرهاب .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !