هل تعلم
الدولة الافريقية الوحيدة التى لم تستعمر هى ليبيريا
التاريخ الإسلامي مثله مثل تاريخ الأديان والأفكار والفلسفات السابقة ، فقد وجد فيه الإفراط والتفريط في الدين ، فظهرت حركات ومذاهب فيها إفراط ومغالاة إلى حد التعصب ، وظهرت حركات أخرى فرّطت في حق الدين وعملت على ترك أركانه وفرائضه.
ولكن الذي يلاحظ على كلا المنهجين أنهما إستعملا العنف والقتل والتدمير لنشر أفكارهما وتدعيم موقفهما.
1. الخوارج
والتاريخ الإسلامي يشير إلى أن أول حركة متطرفة ظهرت بين المسلمين كانت ( حركة الخوارج ) ، والتي تعد أخطر شقاق ظهر في حياة المسلمين أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعقب معركة صفين ، حين فارقه معظم من كانوا معه إستنكاراً لقبوله لمبدأ التحكيم مع معاوية رضي الله عنهما.
ويكاد أن يكون هناك التي ما يشبه الإجماع بين المؤرخين القدماء والمحدثين على أن الدوافع إلى حركت الخوارج على مسرح التاريخ كانت في أول أمرها سياسية بحته ثم تطورت فاختلط فيها الجانب السياسي بالجانب العقدي المتطرف إلى أن كانت موقعة النهروان.
ويصفهم ( يوليوس فلهوزن) : " بأنهم كانوا حزباً ثورياً يعتصم بالتقوى ، ولم ينشأوا عن عصبية العروبة بل عن الإسلام، وكانوا ينظرون إلى حذاق التقوى الإسلامية ، وهم القراء ، كما ينظر المتحمسون اليهود إلى الفريسيين .
وحين يطالع الباحث مصادر التاريخ عن الخوارج يجدهم بعد تطور مذهبهم وتعدد فرقهم مثلوا جانب الغلو والعنف والتطرف في التاريخ الإسلامي ، فهم متشددون في معاملة مخالفيهم ، حتى كان منهم لايرحم المرأة ولا الطفل الرضيع ولا الشيخ الفاني . ومع أنهم كانوا يظهرون بمظهر الزهادوالعباد، لكنهم كانوا لا يتورعون عن إرتكاب اشد الأعمال قسوة، ويتشدد كثير منهم في النظر إلى مخالفيهم من المسلمين فيعدونهم كفاراً، بل كانوا يعاملونهم بما هو أشد من معاملة الكفار ، ويقال إن واصل بن عطاء رأس المعتزلة وقع في أيديهم فادعى أنه مشرك مستجير ،ورأى أن هذا ينجيه منهم أكثر مما تنجيه دعواه أنه مسلم مخالف لهم.
ووصل الأمر بهم أنهم أوجبوا امتحان من قصد معسكرهم إذا إدعى أنه منهم ، وذلك بأن يدفع إليه أسير من مخالفيهم ويأمرونه بقتله ، فإن قتله صدقوه في دعواه أنه منهم ، وإن لم يقتله قالوا هذا منافق ومشرك فاقتلوه.
ويرى الأزارقة ـ وهم من فرق الخوارج ـ تكفير القعدة ، وهم الذين لم ينحازوا إليهم في قتالهم لأعدائهم حتى ولو كانوا منهم ، ولهذا فإن مرتكب الكبيرة عندهم كافر ( كفر ملة) يخرج به عن الإسلام جملة تاب أو لم يتب ، ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار.
والخوارج تاريخياً فرق كثيرة يحصيها بعضهم بعشرين فرقة (3)،يجمعهم القول حول خروجهم على علي رضي الله عنه ، ويفترقون بعد ذلك حتى يصل الخلاف فيما بينهم إلى أعلى مراحله حيث يكفر بعضهم بعضا.
وهو خلاف أفرزته الأهواء والضلالات بين هذه الفرق ، بحيث يمكن الحكم من غير أي تردد على الكثير منها بالمروق والكفر والخروج خروجاً كاملاً عن ملة الإسلام ، فقد نسب مثلاً إلى فرقة (العجاردة) وهي إحدى فرقهم قولهم بأن الهجرة فضيلة لا فريضة ، وينكرون أن تكون سورة يوسف من القرآن ، بزعم أنها قصة من القصص ، فلا يجوز أن تكون قصة العشق من القرآن
بل ويرون هم والميمونية بجواز نكاح بنات البنين وبنات البنات ، ويقولون : إن الله حرم البنات وبنات الأخوة وبنات الأخوات.
والحقيقة التي يجب أن لاتغيب هو أننا لو تحرينا المآخذ التي وجدها الخوارج على علي رضي الله عنه لوجدناها بسيطة، تافهة في حد ذاتها ، لاتستحق الثورة والقتال ، بل إنها ذابت بعد مواجهته لهم ، ومناقشته إياهم ، لاسيما بعد أن إنتهت مسألة التحكيم وقرر علي أن يرجع ثانية لقتال معاوية، فطلب إليهم وقد تجمعوا في النهروان ، أن يشتركوا معه في القتال ، بيد أنهم رفضوا ذلك ، متعذرين بحجة واهية وهي خوفهم من أن يعود ثانية للتحكيم، وهذا يدل على نزعة عنيفة للثورة، والخروج على النظام بأي ثمن .
وبسبب تعدد فرق الخوارج ،وتعدد مذاهبهم وآرائهم ، فكان طبيعياً وهم ينتسبون إلى الإسلام ، ويعترفون بالقرآن ـ أن تبحث كل فرقة منهم على أسس من القرآن الكريم ،تبنى عليها مبادئها وتعاليمها ، وأن تنظر إلى القرآن من خلال عقيدتها ، فما رأته في جانبها ـ ولو إدعاء ـ تمسكت به ، واعتمدت عليه، وما رأته في غير صالحها حاولت التخلص منه بصرفه وتأويله ، بحيث لايبقى متعارضاً مع آرائها وتعاليمها.
والذي يقرأ تاريخ الخوارج ، ويقرأ ما لهم من أفكار تفسيرية ، يرى أن المذهب قد سيطر على عقولهم ، وتحكم فيها ، فأصبحوا لاينظرون إلى القرآن إلا على ضوئه ، ولا يدركون شيئاً من معانيه ، إلا تحت تأثير سلطانه ، ولا يأخذون منه إلا بقدر ما ينصر مبادئهم ويدعوا إليها.
فالخوارج يجمعون على أن مرتكب الكبيرة كافر ، ومخلد في نار جهنم، وساقوا آدلة أخذوها من القرآن ، وبنوا عليها رأيهم في مرتكب الكبيرة، ومن هذه الادلة:
قوله تعالى " ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" قالوا: فجعل الله تارك الحج كافراً .
وقوله تعالى " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين إسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " قالوا : والفاسق لايجوز أن يكون ممن إبيضت وجوههم ، فوجب أن يكون ممن أسودت ، ووجب أن يسمى كافراً .
ومنها قولة تعالى " وجوه يومئذ مسفرة، ضاحكة مستبشرة ، ووجوه يومئذ عليها غبرة، ترهقها قترة ، أولئك هم الكفرة الفجرة " قالوا : والفاسق على وجه غبرة ، فوجب أن يكون من الكفرة الفجرة .
فالخوارج عندما يستدلون بالقرآن لايتعمقون في التأويل ، ولا يغوصون وراء المعاني الدقيقة ، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن أهداف القرآن وأسراره ، بل يقفون عند حرفية ألفاظه ، وينظرون إلى الآيات نظرة سطحية ، مما أوقعهم في التنطع والتعصب والتمسك بظواهر النصوص.
وأخيراً فالذي لاجدال فيه أن الخوارج كانت ظاهرة سياسية دينية مغالية ومتطرفة ، وأنهم لم يكونوا في مستوى من إجتهد فأخطأ ، أو تأول وضل ، فلما عرف الحق تاب إليه لكنه الغلو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم " من خرج من الطاعة وترك الجماعة فمات ، مات ميته جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية ، أو يدعو لعصبية ، أو ينصر عصبية فقتل قتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد فليس مني ولست منه ".
2. القرامطة :
والتاريخ الإسلامي يحدثنا عن حركة كانت نقيضاً للفرقة الأولى فالخوارج كان الغلو والتطرف واضحاً في أفكارهم وأحكامهم ، بينما القرامطة كانوا على الجانب الآخر فقد فرطوا في حق الإسلام من أركان وفرائض فأباحوا المحرمات وحرموا الحلال ، كل هذا بزعم أنهم متعصبون لآل البيت وأنهم على مذهب الشيعة الإسماعيلية الغلاة.
ورغم الإختلاف الفكري والعقائدي بين الخوارج والقرامطة إلا أن منهج العنف والقتل والتدمير كان مشتركاً بين الطرفين ، فقد إستباحوا قتل حجاج بيت الله الحرام بإعتبارهم كفاراً ، بزعم أنهم يعبدون أحجاراً وأصناماً، ولهذا إستباحوا أخذ الحجر الاسود من مكانه.
ومما يذكر أن القرامطة هي إحدى الحركات الشيعية الإسماعيلية المغالية ، والتي تحولت مع الزمن إلى مذاهب دينية تحت مبدأ نظرية ( آل البيت) بإمامة المسلمين ، واتخذوا من الولاء لآل البيت ذريعة للوصول إلى غايتهم، في حين أن هذا الولاء كان أداة لكل هؤلاء ولم يكن عقيدة حقيقية .
بل إن فرقة الإسماعيلية ومنهم القرامطة بالغوا في تقديس الأئمة إلى حد إعطائهم صفة الربوبية ، إذ جعلوهم يشاركون الله عز وجل في صفاته الخاصة به ، والذي ساعد أصحاب نظرية الإمامة على الترويج لها أنهم أقنعوا الجماهير بأن النبي محمد صلى الله علية وسلم بشرّ بظهور ( المهدي) ، الذي سيملأ الأرض عدلاً وإيماناً بعد أن يسيطر الظلم والكفر.
وهكذا أصبحت نظرية الإمامة ، بما إنطوت عليه من فكرة ( المهدي المنتظر)من أقوى الوسائل التي اعتمدها خصوم العرب والإسلام لإثارة الجماهير ضد السلطات الحاكمة واستقطاب هذه الجماهير حول تنظيماتهم السياسية التي لبست لباس الدين لخدمة مقاصدها الحزبية الخاصة ، ولكي تستطيع هذه التنظيمات إقناع الجماهير بصحة دعاياتها ، فإنها لجأت إلى تفسير القرآن الكريم عن طريق التأويل ففسر أصحاب نظرية الإمامة آيات القرآن بما يؤيد وجهة نظرهم معتمدين على تحررهم من النص الظاهر واعتمادهم على معناه الباطن ، وقد وجد هؤلاء في هذه الطريقة مايسمح لهم بأن يستنبطوا المعنى الذي يلائمهم على أوسع نطاق .
وقد ذهب الإسماعيليون ومنهم القرامطة إلى أن لكل شيء ( ظاهر محسوس) تأويلا باطنياً لايعرفه إلا الراسخون في العلم وهم الأئمة ، وبناء على ذلك فقد أوجبوا الإعتقاد بالظاهر والباطن ، وكفروا من يعتقد بالظاهر دون الباطن. ويبدو أن كل شيء عند الإسماعيلين والقرامطة يمكن أن يخضع لقانون التأويل ، فهو يتناول معظم آيات القرآن الكريم والأحاديث والشرائع والفرائض الدينية ، فمثلاً أولوا الحلال بأنه الواجب إظهاره وإعلانه ، والحرام الواجب ستره وكتمانه ، وأما الصلاة فهي صلة الداعي إلى دار السلام بصلة الأبوة، والزكاة إيصال الحكمة إلى المستحق ، والزنا إتصال المستجيب من غير شاهد ، والربا الرغبة في الإكثار وطلب الحطام وإفشاء الأسرار، والمسكر الحرام ما يصرف العقل عن التوجه إلى طلب معرفة الإمام. وهكذا ينتهي التأويل إلى طرح كل أركان الدين وإباحة محرماته، فالغرض النهائي عند الإسماعلين ومنهم القرامطة من التأويل، يقوم على ترجمة القرآن إلى لغة عقيدتهم، وكأن العقيدة الإسماعيلية هي في البدء مصاغة بمنأى عن القرآن والسنة.
ومما لاشك أن مثل هذه العقائد يمثل تجاوزاً خطيراً لكل العقائد والمفاهيم التي جاء بها الإسلام ، بل إنها في سعيها لنسف الظاهر وكشف الباطن ، تحاول أن تنسف الإسلام كدين ، وأن ترسي بدلاً منه المفاهيم الإلحادية الباطنية المشتملة على الإباحية المطلقة المنفلته من كل القيود والمحرمات والداعية إلى الفوضى الإجتماعية المطلقة.
وللدلالة على ذلك يحدثنا التاريخ عن أبي طاهر القرمطي عندما زحف على مكة، يريد قتل الحجاج وهدم الكعبة ، فدخل مكة هو وأصحابه ، وأخذوا يقتلون أهالها ، ومن كان فيها من الحجاج رجالاً ونساء وهم متعلقون بأستار الكعبة وردم بهم زمزم ، وفرش بهم المسجد وما يليه ، وقتل في سكك مكة وشعابها زهاء ثلاثين ألفاً ، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك ، واقام على هذه الحالة عدة أيام ، وقد نهبوا كل ما وصلت إليهم أيديهم من الأشياء الموجودة في داخل الكعبة ، وكان من جملة ما نهبوه الحجر الأسود ، حيث أخذوه إلى الاحساء ، وألقوه هناك .
هذا غيض من فيض مما فعله القرامطة في العالم الإسلامي من قتل وتدمير امتد من اليمن إلى البحرين وبلاد الشام ، وكله بدعوى إقامة الحق وإزالة الباطل.
3. حركة الحشاشين:
وإذا ما سرنا في التاريخ الإسلامي فترة زمنية أخرى ، فإننا نجد حركة دموية قامت على العنف والإرهاب عن طريق القتل والإغتيال ، وكان زعيم هذه الحركة أحد دعاة الإسماعيلية واسمه ( الحسن إبن الصباح) الذي إتخذ مبدأ القتل وسيلة لتحقيق أهدافه ، فكان عهده مصدر الفتن والإضطراب في كثير بقاع العالم الإسلامي ، وكان نظام الفدائيين الذي أبتدعه ابن الصباح ، من أهم الأمور التي يتميز بها عهده فقد كان يأمر أتباعه باغتيال كل من يقف في طريقه أو يخاصمه، حتى استطاع أن يملك قلعة (الموت) جنوب بحر قزوين ، وأن يؤسس بها دولة الحشاشين والتي عرفت في التاريخ بهذا الاسم.
وقد اتبع الحشاشون طرقاً غريبة للاستيلاء على عقول تابعيها ، عن طريق النظام الذي ابتدعه ابن الصباح في إقامة ( الجنان ) لأتباعه ( الفداوية).
وكما يروي السائح الإيطالي (ماركو بولو) الذي مرّ بهم في ذلك الوقت ، فإن تفاصيل ذلك ؛ أن يأخذ شيخ الجبل (الحسن بن صباح) الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والعشرين ، فينشئهم تنشئة خاصة ، ثم يأتي بهم و يخدرهم بمخدر خاص يقال إنه (الحشيشة)، ويدخلهم بعد ذلك في حدائق غناء مليئة بالملذات والكواعب الحسان، ويطلقهم فيها ليتمتعوا بكل ما احتوت ، ثم يعيدهم إلى حضرته، ويطلب إليهم بعدما يفيقون أن يغتالوا من يريده شيخ الجبل من أعدائه وجزاؤهم على ذلك الخلود في جنة الإمام التي ذاقوا نعيمها، لذا فقد تميز عهد الحشاشين بسفك الدماء والإرهاب ، حتى أصبح الناس يخشونهم، وخاصة الحكام والوزراء(1).
4. جماعة التكفير والهجرة:
إن معتقدات وأفكار الخوارج لم تنته بنهاية الخوارج ، بل ظهرت على مدار التاريخ الإسلامي، وإن أطلق أصحابها على أنفسهم أسماء جديدة، إلا أنه الأفكار والمعتقدات واحدة ، ومن الحركات التي استقت من فكر الخوارج (جماعة التكفير والهجرة) وهو الاسم المشهور عنهم، بينما لقبوا أنفسهم(بجماعة المسلمين).
ويعتبر (شكري مصطفى) مؤسس هذه الحركة ، والذي تولدت أفكاره ونمت داخل الزنازين والمعتقلات، بعد أن اعتقل بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين ، حيث قادّ جماعته داخل السجون وخارجها ، واعتبر نقسه مصلحاً عظيماً ، ومهدي الأمة المنتظر ، وأخذ أتباعه يروجون لفكره انه مهدي هذه الأمة المنتظر، ولن تستطيع السلطة قتله ، لأن الله سبحانه وتعالى سوف يحفظه ليجاهد ويرفع رايات النصر في بقاع العالم ، ومن اجل ذلك بايعوه أميراً للمؤمنين وقائداً لجماعة المسلمين.
وقد تميز شكري مصطفى بالعصبية وحدة المزاج، والميل إلى التشدد والغلو في جميع الأمور، مع شدة الاعتزاز والثقة بالنفس إلى درجة الغرور، وقد كان لهذا الأثر الكبير على أتباعه، وعلى صياغة أفكاره ومبادئه، حتى انتهى به الأمر إلى أن أعدم هو وزملاؤه من قادة هذه الجماعة في عام (1978) بتهمة اختطاف واغتيال الدكتور محمد حسين الذهبي.
وقد قامت جماعة التكفير والهجرة على مجموعة من المبادئ والأفكار مستقاة في معظمها من أفكار ومبادئ الخوارج، ومن أهم مبادئهم وأفكارهم :
أ- الحد الأدنى من الإسلام : ويريدون بذلك أن الإسلام يتمثل في جملة من الفرائض التي ينبغي أداؤها ، فمن لم يؤدها أو يقصر فبها أو ترك بعضاً منها فلا يعتبر مسلماً ، ومن قام بكل الفرائض ما عدا فريضة واحدة لا يعتبر مسلماً .
واستندوا في ذلك لبعض الأدلة التي لا سند لهم فيها ولا حجة ، ومن ذلك ما أسموه ( دليل القتال)، ويتلخص في أن الرسول صلى الله عليه وسلم باستقراء الأدلة لا يقاتل مسلماً، ومن ثم فإن كل من قاتله الرسول أو أذن في قتاله يعتبر خارجاً عن الإسلام .
واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من حمل علينا السلاح فليس منا)، بمعنى أنه ليس من جماعة المسلمين، وقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة )، وقالوا: أن هذا الحديث فيه دلالة على أن كل من قاتله الرسول صلى الله عليه وسلم أو أباح قتاله ولم يكن قاتلاً أو زانياً ، فهو على سبيل الحصر تارك لدينه خارج عن الملة ومفارق لجماعة المسلمين ، فإذا وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل أحداً عل ترك فريضة أو أكثر ، علمنا أن هذه الفريضة شرط في الإسلام ينتفي الإسلام بانتفائها، وقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل على الفرائض كما في قوله عليه الصلاة والسلام: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ).
وهذا الاستدلال وتوجيه النصوص بهذه الطريقة باطل ، لأنه ليس كل من قوتل أو أذن الشارع بقتاله خارج عن الإسلام بدليل قوله تعالى (وإن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بقت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله )(4) ، فالله تعالى أمر بقتال الفئة الباغية ولكن لم ينف عنها صفة الإيمان .
وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( فليس منا ) فلا يفهم منها التبرؤ ممن حمل السلاح بخروجه من الملة ، بل معناها أنه ليس من المطيعين ، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( المفارق للجماعة ) يتناول كل خارج عن الجماعة ببدعة ، وهناك العديد من الأمور التي وردت في السنة الأمر بقتال مرتكبها من غير أن يستلزم ذلك ضرورة خروجه من الملة، كما انه لا يلزم من إباحة المقاتلة في الحديث، إباحة القتل، فقد يحل قتال الرجل ولكن لا يحل قتله.
ب- قاعدة التبين : استندت جماعة التكفير على هذه القاعدة في تحديد أسس العلاقة بين جماعته وبين المجتمع الذي يعيشون فيه، وتتمثل هذه القاعدة في قولهم : إن المجتمع لا يحكم عليه بالإسلام حتى يتضح أن أفراده استوفوا فرائض الإسلام وأدوها ، ذلك أن الأفراد الذين هم خارج جماعة المسلمين لا يضمن أنهم يقيمون فرائض الإسلام كاملة، والتي تمثل الحد الأدنى للحكم بالإسلام على احد من الناس،وعلى ذلك فلا نستطيع أن نحكم لهم بالإسلام ، ومن ناحية أخرى لم نتبين منهم كفراً بوحاً يوجب طردهم من الإسلام ، وعليه فالحكم الشرعي في من هو خارج جماعة المسلمين التوقف فيهم حتى تبينهم ، والبينة هي لزومهم للجماعة ومبايعة إمامها أو من ينوب عنه ، فمن أجاب إليه كان مسلماً ، ومن رفضها كان كافراً .
وهذه الدعوى باطلة، فالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان يقبل الشخص في الإسلام بمجرد نطقه بالشهادتين ، ولو كانت البيعة ركناً من الإيمان لوجب أن يبين ذلك.
ج- قاعدة تعارض الفرائض : وتنص هذه القاعدة على أن الهدف الأول للمسلمين هو إقامة الحكومة الإسلامية أو الخلافة ، وفي سبيل تحقيق ذلك قد تقتضي الضرورة التخلي عن جزء من الحق إذا تعارض مع الهدف الأول للجماعة المسلمة ، خاصة في مرحلة الاستضعاف ، حيث تكون الحاجة الماسة لتلك القاعدة ، وحيث لا نكاد نقوم بفريضة إلا على حساب أخرى ، فلا بد من إجراء المفاضلة على الفرائض على أساس تقديم الأهم ، أو ما يحقق مصلحة الجماعة أو يدفع الأذى عنها ، وتبعاً لهذا أمروا أفراد جماعتهم بحلق اللحية ، إذ أنها تعيق الحركة وتعرض أمن الجماعة للخطر ، وتركوا إقامة الجمعة ، وقالوا إن من شروط الجمعة التمكين وأنهم في حال استضعاف ، وقد استدلوا لإثبات قاعدتهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين يوم الأحزاب بقوله ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة).
د- تكفير مرتكب الكبيرة : ترى جماعة التكفير والهجرة إلى أن ارتكاب الكبائر يخرج من الملة وتحكم على فاعله بالكفر ، وقالوا : إن كلمة كفر في الشريعة استخدمت للدلالة على نقيض الإيمان ، وهي تشتمل على كلمات الفسق والظلم والعصيان ، وأن هذه الكلمات الثلاث تدل على معنى واحد وهو الكفر الحقيقي ، والاختلاف بينهما يعود إلى الاختلاف في مداخل الكفر لا في حقيقته .
واعتمدوا على عدد من الأدلة، وقالوا إن سبب كفر الكافرين ودخولهم النار وخلودهم فيها وحرمانهم من الجنة ، هو ما كانوا يعملون وما كانوا يكسبون، وما كانوا يقترفون، وما كانوا يجترحون، كقوله تعالى ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها) وقوله تعالى ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ) وقوله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد).
والحقيقة أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة ، إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملة لكان مرتداً على كل حال ، ولا تجري عليه الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر ، وذلك لأن نصوص الكتاب والسنة تدل على أن الزاني والسارق والكاذب لا يقتل بل يقام عليه الحد فدلّ على انه ليس بمرتد.
هـ- دعوتهم إلى الأمية ومحاربة التعليم : فقد دعت جماعة التكفير والهجرة إلى الأمية وعدم التعليم زاعمين أنهم بذلك يتشبهون بذلك الجيل الأول الذي حمل الدعوة ، ولذلك دعوا إلى اعتزال المدارس والجامعات والوظائف والثقافات والعلوم ، وقد استدلوا لتبرير دعوتهم بقوله تعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ).
وادعى أميرهم شكري مصطفى أن هذه الآيات تفيد :
1. أن المسلم يجب أن يهجر المدارس والتعليم ليتحقق فيه وصف الأمية لأنه وصف الله لهذه الأمة.
2. إن صفة الأمية ليست قاصرة على عصر البعثة النبوية ، بل ممتدة إلى يومنا ، وهو المشار إليه في قوله تعالى ( وآخرين منهم لم يلحقوا بهم ) .
3. ويدعي أمير هذه الجماعة أن لديه علماً بتأويل جميع معاني القرآن ، بل وحروفه.
و- اعتزالهم المجتمع : ونظراً لهذا التصور، وجهت جماعة التكفير والهجرة أتباعها إلى هجرة المعاهد والمدارس والجامعات والوظائف الحكومية تحقيقاً لمفهومهم عن العلم والتعليم، وتطبيقاً لفكرتهم عن الهجرة وعزلة الناس ومفاصلة المجتمع ومؤسساته .
وبناء على ذلك قررت الجماعة أن تعتزل المجتمع ويسكن أفرادها قرى منعزلة في الصحراء بعيداً عن المجتمع الجاهلي الكافر ، كي يعبدوا الله وحده حتى تتيسر لهم الهجرة إلى ارض الله الواسعة فراراً من سلطان الجاهلية ، فلجأوا إلى الكهوف والجبال والمغارات وامتنعوا عن التزوج من أفراد المجتمع المسلم لكونه مشركاً . وقد استدلوا بقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (وأعتز لكم وما تدعون من دون الله)
ز- منهجهم في فهم الكتاب والسنة : تعتقد جماعة التكفير والهجرة بأن القرآن الكريم واضح في نفسه لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى توضيح ، ومن ثم يمكن أن تؤخذ منه الأحكام ومن السنة النبوية مباشرة ، دون الحاجة إلى كتب التفسير أو شرح الحديث النبوي الشريف، حيث قالوا : من اعتقد أن كلام الله ورسوله يحتاج على شرح فقد كفر ، لأنه اعتقد أن كلام البشر أبين وأوضح من كلام الله.
ل- طعنهم في الصحابة وردهم لأقوالهم : شنت جماعة التكفير والهجرة هجوماً عنيفاً على الصحابة محاولين إثبات أنهم ليسوا أهلاً للإقتداء بهم ، أو الأخذ عنهم، فالاختلاف بين الصحابة مدعاة إلى رد أقوالهم وعدم الإقتداء بهم .
م- ردهم للإجماع : أنكرت جماعة التكفير والهجرة الإجماع ، كما زعموا كفر من اعتقد حجيته ، لأن من أعتقده يكون قد اتخذ جمهور الناس آلهة وأرباباً من دون الله تعالى.
ن- حكم التقليد : كما شنت جماعة التكفير والهجرة هجوماً شديداً على التقليد ، بل هاجموا كل من أباح التقليد وأجازه ، واعتبروا أن أول كفر وقع في الملة كان عن طريق التقليد، وأعلن شكري مصطفى : أن جماعته قامت لتهدم الأصنام المعبودة من دون الله وأولها صنم الأئمة الأربعة المتبعين من دون الله.
وأخيراً وليس آخراً ، ينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا الأثر الاجتماعي الخطير لكل هذه التنظيمات والحركات ، فقد أوجدت عبر التاريخ الفوضى الاجتماعية، بحيث انعدمت الثقة بين أفراد المجتمع ، بل بين أفراد الأسرة الواحدة ، بسبب هذه الأفكار المتطرفة والمغالية، مما أحدث ولا يزال يحدث ارتباكا فكرياً خلف من ورائه انحلالاً اجتماعياً خطيراً ، ترك آثاره على تعامل الناس مع بعضهم البعض، وعلى تعامل أفراد الأسرة الواحدة أيضاً .
وقد ظهر هذا واضحاً في أيام الخوارج والقرامطة والحشاشين ، الذين سلبوا بأفكارهم بعض عقول الشباب المراهق غير الواعية بما يدور حولها ، بحيث أصبح هؤلاء أداة بل عقل ولا إرادة في يد زعماء هذه الحركات يحققون بها غاياتهم المريبة .
والمتتبع لأفكار وتعاليم جميع هذه الحركات يجد أنها اتخذت القرآن الكريم وسيلة لترويج أفكارها ، فالخوارج وجماعة التكفير والهجرة فسرت القرآن الكريم تفسيراً حرفياً مما أبعد هذه النصوص عن روحها ومعانيها الأصلية وأسباب نزولها، بينما فسرت حركت القرامطة والحشاشين القرآن الكريم تفسيراً باطنياً أبعده عن معانيه الأصلية وثوابته، مما أدى إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال.
ولعل النتيجة التي يخرج بها الباحث في عقائد وأفكار هذه الحركات ، أنها جميعاً مثل وجهي العملة كيفما تقلبه لا يتغير رغم اختلاف الوجه الأول عن الوجه الثاني ، فكلها تصب في وعاء واحد عنوانه التعصب في الإفراط والتفريط ، وهذا الدين العظيم لا يقبل كلا المنهجين ، لأنه دين لكل الناس ولكل الشعوب والأمم وكما قال عليه الصلاة والسلام ( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً بقى).
ومما لا شك فيه أن أفكار جماعة التكفير والهجرة تبنتها فيما بعد الكثير من الحركات المتظرفة والتي اتخذت مبدأ التكفير للمجتمعات الإسلامية الأصل الذي ابتدأت فيه، مما جعلها تستحل دماء المسلمين، وبسبب كل هذا وقعت جماعة التكفير والهجرة ومن جاء بعدها في أخطاء شنيعة تمثلت في فهم النصوص واستنباط الأحكام، مما أدى إلى الأخطاء في المنهج والعمل.
المراجع:
(1) الإباضية / د. صابر طعيمة ص 17
(2) الخوارج والشيعة / بوليوس فلهوزن ص41
(3) الفرق بين الفرق/ البغدادي – تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ص 63
(4) تاريخ الإسلام/ د. حسن إبراهيم حسن 1/389
(5) الفرق بين الفرق / البغدادي ص 83
(6) الملل والخل الشهرستاني 1/122،121
(7) تاريخ الإسلام / حسن إبراهيم حسن 1/390
(8) الملل والخل الشهر ستاني 1/128
(9) مقالات الإسلاميين / الأشعري ص96
(10) فرقة الأزارقة / محمد رضا الدجيلي ص 25
(11) التفسير والمفسرون / د. محمد حسن begin_of_the_skype_highlighting end_of_the_skype_highlighting الذهبي 2/305
(12) القرامطة / طه الوالي ص 8،7
(13) الحركات الباطنية / د. محمد الخطيب ص 130
(14) تاريخ ابن خلدون 4/11 ، ومن تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام / بندلي جوزي 139-142
(15) الفرق القديمة والمعاصرة في التاريخ الإسلامي / د. محمد محسن بخيت ص 377
(16) أخر(1) أنظر الفرق القديمة والمعاصرة / د. محمد حسين بخيت ص 383-410
وإلى اللقاء يوم غد مع مقال جديد
وإلى أن نلتقى لكم منى أطيب تحية
محاسب / طارق الجيزاوى
الاسكندرية فى الثلاثاء 13 يوليو2010
سرتنا زيارتكم
مع ارق امنياتى واطيب تحياتى وارجو دوام التواصل على الماسنجر الشخصى للمدون
Tarek_Gizawy@yahoo.com
التعليقات (0)