نظرة في العنف ضد المرأة
شريف هزاع شريف
العنف بشكل عام قضية معقدة وشائكة ، وهو امر معروف في مجتمعنا الشرقي حيث للعنف مظاهر واساليب بدأ من الاسرة حتى العنف العسكري المتمثل بالحروب واخيرا وجود الجيش الامريكي في العراق يشكل عنفا هو الاخر لكنه هذه المرة قد وقع علينا ، ربما القيم التي توارثنها فيها العنف الاسري والعنف ضد المرأة وا الطفل على اعتبار نها ( قانون الهي) !!! لكنها في الحقيقة احد اشكال الدفاع عن النفس واحد اشكال التعبير ، هو امر يستح منا الوقوف طويلا .
هذا لايعني اننا نعتبر المرأة الغربية سيدة الموقف في بلادها وانها تتمتع بالحرية والاستقلال الذاتي علما انها اليوم تحاول قدر المستطاع ان تجعل لنفسها مكانة اجتماعية جديدة فلقد ورثت أوربا مظالم القانون الروماني للمرأة فاعتبرتها ضمن الصبيان والمجانين، ولما اتجهت أوربا نحو تطبيق مبدأ المساواة لم تستطع التخلص من هذه العقدة، فظلت تمنح المرأة نصف أجر الرجل كما تمنعها من التصرف في أموالها حتى يوافق زوجها، وأجبرتها على أن تتسمى باسم عائلة زوجها، لهذا صدر قرار الأمم المتحدة 3010/ 74 بإنهاء هذا التمييز بين الجنسين فلقد ورثت القوانين الأوربية عن القانون الروماني التمييز الصارخ بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وأيضا تمنع هذه القوانين المرأة من التصرف في أموالها الخاصة حتى تثبت أن هذا المال ليس موهوبا منها لزوجها عند الزواج وليس من الأموال المشتركة بين الزوجين.
والجدير بالذكر " أن الشريعة الإسلامية لا تقر التفرقة بين الرجل والمرأة في الأجر عن العمل، ولا تقر أن تفقد المرأة اسم عائلتها وتسمى باسم زوجها، كما لا تقر حرمان المتزوجة من التصرف في أموالها " ([1]).
ولكن توجب الشريعة بعض الفوارق بين الرجل والمرأة، ترجع في أغلبها إلى الفوارق الطبيعية بينهما في الخلقة والتكوين، وفي الأعباء والالتزامات.
ولهذا توجد فوارق في الميراث وفي الزواج حيث يحرم الإسلام الزواج من المشركات ويجيز الزواج من الكتابيات، أي بنات النصارى واليهود، ولا يجيز أن تتزوج المسلمة بغير المسلم.
في نظر الغربيين يعتبر هذا الامر احد اشكال التميز ضد المرأة وهذا بنظرهم احد اشكال العنف لذا يأملون ان تغير بعض الدول الاسلامية القوانين التي ترثها من الشريعة الاسلامية وهو امر محير فعلا !!! هذا الامر يشكل بنظرنا احد اشكال العنف لانها تدخل في اخص الخصوصيات الفردية او علاقة الانسان بالخالق وهو امر تكفلت به منظمة حقوق الانسان التي اعتبرت ان الدين احد المظاهر التي يجب عدم التدخل بها .
وعلى هذا فإن قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة والواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا تمس أحكام الشريعة الإسلامية السالف ذكرها، وإن ادعى أحد بوجود تعارض جدلا بين الإعلان العالمي وأحكام الشريعة الإسلامية، فإن هذا الإعلان ليس إلا اجتهادا بشريا قيدته الدول الكبرى بقيود لتحافظ على الفوارق التي تضمنتها القوانين الأوربية، والتي هي أيضا اجتهاد خاطئ من البشر ومن ثم لم تصدق على الميثاق الخاص بالتنمية ولا على الميثاق الخاص بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام في حق الأطفال." ([2])
ان العنف بشكل عام هو شكل من اشكال التعبير ضد الغير او الاحتجاج على فعل ما او عمل معين او مساس بالسيادة ، فيمكن اعتبار الحل العسكري نوعا من انواع العنف ضد الاخر كما يمكن اعتبار العنف ضد المرأة جريمة حرب يحاسب عليها ، والعنف ضد المرأة يمكن تعريفه كما ورد في وثيقة حقوق الانسان في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين / الصين عام 1995 إذ جاء فيه " العنف ضد النساء هو أي عنف مرتبط بنوع الجنس ، يؤدي على الأرجح إلى وقوع ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة ، بما في ذلك التهديد بمثل تلك الأفعال ، والحرمان من الحرية قسراً أو تعسفاً ، سواء حدث ذلك في مكان عام أو في الحيـاة الخاصــة " وهذا الامر لا يختلف عن ما ورد في وثيقة حقوق الانسان في المادة الأولى من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون أول عام 1993.
ويتضمن مفهوم العنف ضد المرأة العنف الجسدي والعنف النفسي ، فالعنف الجسدي هو الـذي يقع في إطار العــائلــة بما فيه الضرب والإيذاء والإساءة الجنسية للأطفال الإناث في الأسرة ، والعنف الذي يعرف عندنا بـ ( المهر ) او ( السياك) والإغتصاب في إطار الزوجية وختان الإناث وغيره من الممارسات التقليدية الضارة بالمرأة والعنف من أفراد في العائلة غير الزوج والعنف المتصل بالإستغلال هو عنف جسدي ونفسي في وقت واحد .
العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في الإطار العام في كالإغتصاب والإساءة الجنسية والتحرش والتخويف الجنسيين في العمل والجامعات والمؤسسات التعليمية والعامة وسواها ، العامة وأي مكان آخر والإتجار بالمرأة والرق والدعارة القسرية والإستغلال .
العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه حيثما وقع
وتعتبر بعض الممارسات من قبيل العنف ضد المرأة كإجهاض الأجنة الإناث وإختيار جنس الطفل قبل الولادة .
وتعتبر معاناة النساء اللاجئات والمهاجرات من قبيل العنف ضد المرأة كما يعتبر إقصاء النساء وإستبعادهن عن مراكز السلطة الإجتماعية الإقتصادية والسياسية عنفاً ضد المرأة كما حدث في البرلمان الكويتي حيث تريد المرأة الدخول في العملية السياسية وهو امر تراه ضروريا وحق من حقوقها ، وهناك علاقة جدلية بين القوانين الاوربية والشرائع السماوية او الدينية التي لها مقاييس اخرى غير مقاييس القوانين والمواثيق والدساتير فحقوق الإنسان الواردة في القوانين الأوربية ، جعلها الإسلام ضرورات إنسانية لا سبيل لحياة الإنسان بدونها، ومن ثم فإن الحفاظ عليها لا يقتصر على كونه حقا فقط يمكن التنازل عنه بل هو واجب يأثم من فرط فيه فردا أو جماعة ، لكن " التساؤل حول تأثير تطبيق الشريعة الإسلامية على حقوق الإنسان تلك التي يفخر بها الأوربيون باعتبارهم مصدرها القانوني. والجواب عن هذا التساؤل يرتبط بالمقارنة بين حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية وفي هذه القوانين الأوربية." "لهذا أكد الفقهاء أن غاية الشريعة الإسلامية أن تحفظ على الناس خمسة أمور سميت بالضرورات الخمس وهي حفظ العقل والنفس والنسل والدين والمال. " ([3])
على الرغم من أن حقوق الإنسان في الإسلام لم يفرد لها وثيقة خاصة، إلا أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد ركزا على الحقوق التي كانت مهدرة في الأمم الأخرى، والنصوص والوثائق في ذلك لا نكاد نحصيها لكثرتها، ونكتفي بلمحات عن ذلك في البنود التالية:
1 - وردت نحو أربعين آية في القرآن الكريم عن الإكراه والكراهية منها أكثر من عشر آيات تنهى عن الإكراه، وذلك لضمان حرية الفكر والاعتقاد وحرية الضمير، 2 - كفل الإسلام العدل والعدالة ورفع الظلم، ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء ولا بين المسلم وغير المسلم، أو بين الكبير والصغير، وحسبنا أن القرآن الكريم قد تعرض للظلم وللظالمين في نحو ثلاثمائة وعشرين آية، وأمر بالعدل في أربع وخمسين آية تنوعت بين العدل والقسط والقسطاس.
3 - أمر الإسلام بحفظ الحياة وتوفير أسباب الحياة للإنسان فأورد القرآن الكريم نحو ثمانين آية عن الحياة، ونحو سبعين آية عن القتل والقتال، منها قول الله تعالى من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا - المائدة/ 32.
كما أورد القرآن الكريم نحو عشرين آية عن الكرامة والتكريم منها قول الله تعالى ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا - الإسراء/ 70.
4 - أورد القرآن الكريم نحو مائة وخمسين آية عن الخلق والخلائق وعن المساواة في الخلقة، وفي ذلك نذكر قول الله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم وهو، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الناس سواسية كأسنان المشط .
5 - في حجة الوداع أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحقوق جميعا فقال فيما رواه البخاري ومسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. ([4])
وفي العراق يأمل الناشطون في مجال حقوق الإنسان في داخل العراق ، وحقوق المرأة على وجه الخصوص، في أن تساعد بعض المواد في الدستور العراقي في التقليل من الاذى الذي تعاني منه العديد من النساء العراقيات على أيدي أزواجهن. إذ تسمح مادة في قانون الأحوال الشخصية الحالي للازواج بضرب زوجاتهم لأسباب عديدة، بحيث تشمل سعي الزوج إلى "إصلاح" زوجته وضمان "انضباطها".
هؤلاء الناشطين قلقون من أن تحريم الاعتداء على المرأة داخل اطار الزوجية، والذي قد يكون بمثابة ورقة رابحة، قد يتعرض للانتهاك من خلال النص في مسودة الدستور ذاتها على أن الاسلام هو المصدر الاساسي للتشريع؛ إذ وفقا لبعض التفسيرات، قد يبيح تفسير بعض النصوص الشرعية اللجوء حتى إلى العنف العسكري في ظروف محددة!
لكن هناك بعض الناشطين والناشطات على صعيد حقوق المرأة المتفائلين بأن المادة التي تم تضمينها في الدستور العراقي الجديد، والتي تنص على أنه: "يجب أن يمنع الاذى الجسدي والعنف في العائلة والمدرسة والمجتمع" ([5])، سوف تضع نهاية لهذا الوضع.
هذا لايعني التغافل عن القانون لاسيما وان شعار الدولة التي يترأس وزرائها نوري المالكي رفعت شعار ( دولة القانون ) لكن المشرعين لم يتخلصوا بعد من المادة (41) في قانون الاحوال الشخصية حيث يلقى الدعم في المحاكم العراقية ، التي أصدرته وزارة العدل في العام 2002، وتنص هذه المادة على أن النساء اللواتي يتعرضن للضرب والاهانة لا يحق لهن طلب الطلاق او الانفصال عن ازواجهن لهذا السبب .
فايز بابا خان، رجل القانون والعضو في الجمعية الوطنية، يقول إن ما تضمنته مسودة الدستور تبطل بشكل آلي نص المادة 41 الذي يسمح للزوج بضرب زوجته: "ان مسودة الدستور تمنع العنف العائلي" ([6])، وطالما كان العنف العائلي مشكلة في العراق.
ان التشريع الجزائي العراقي تحت حكم صدام حسين يعفي من العقاب أولئك الرجال الذين يقدمون على قتل نساء قريبات لهم بذريعة الدفاع عن شرف العائلة. وهناك مادة أخرى تسمح للزوج بجلد زوجته لاهداف تربوية.
ويقول الخبير القانوني حامد عبد الوهاب، انه حتى القانون الذي وضع لحماية المرأه، مثل بند 413 الذي يسمح للنساء برفع دعاوى ضد أزواجهن، نادرا ما يستند عليه. ويقول فايزبابا خان : ان النساء لم يجرؤن على رفع دعاوى ضد أزواجهن([7]).
في العراق الجديد لايمكن ان تحل المشاكل الجذرية بشكل سطحي ، انا بحاجة الى ثقافة كبيرة وعلاج نفسي واستبطان لاخطأنا قبل كل شيء ، لان العلاج ليس مجرد قوانين تسن ، بل التزام اخلاقي وانساني واجتماعي كبير ونحن اليوم يجب ان نعيد النظر بانفسنا قبل كل شيء ...
التعليقات (0)