شيركو شاهين
sherkoo.shahin@yahoo.com
لم تزل للأسف الشديد مظاهر الهمجية والجاهلية الحاكمة في العصور الغابرة عالقة ومترسخة في النفس البشرية وكأنها تأبى أن تنفض غبارها عنها، رغم حداثة الرداء الذي نرتديه.
و ظاهرة العنف عامة هي من ابرز هذه المظاهر التي تحمل هذا الطابع، وبخاصة العنف الموجه ضد المرأة. حيث تؤكد الاحصائيات وبما لايقبل الشك أن ما لايقل عن (60%) من النساء في العراق يتعرضن لاشكال مختلفة من التعنيف خلال العام الواحد.
وان العراق ليس بعيد عن هذه الإحصاءات فالعنف الوارد على النساء لا يختص فئة معينة او دول بثقافات خاصة أو جنس محدد، وإنما يشمل جميع الثقافات الدول المتقدمة فضلا عنما ماتسمى بالدول النامية أو دول العالم الثالث.
رأي الطب في هذا الخصوص
ولنيل تعريف شافي لمعنى العنف او التعنيف الذي ينال من المرأة، التقينا بالدكتور (رباب الحديثي)-اخصائية طب نفسي- فعلقت بهذا الشأن بالقول:-
العنف يعني الأخذ بالشدة والقوة، مما يتسبب في احداث اضرار مادية او معنوية او نفسية. وحسب هذا التعريف فان العنف يشمل السب والشتم والضرب والقتل والاعتداء.
وهو ناتج عن من يؤمنون أن العنف هو لغة التخاطب الأخيرة الممكنة استعمالها مع الآخرين حين يحس المرء بالعجز عن ايصال صوته بوسائل الحوار العادي، ولكنه مع المرأة يتصدر وتصبح حين ذاك اللغة الأولى للتخاطب معها،دالا بذلك على عدم وجود لغة اخرى للتحاور فيمسي العنف ان ذاك كابوساً يخيم على وجود الاسرة شلا حركتها ومعطلا لطاقاتها، ويحول السعادة الى أطلال فوق ارض الكآبة والحزن والخضوع.
رأي المرأة
واذا ما سألنا عن سبب العنف كظاهرة؟ فحينها تأتي الاجوبة تباعا من لسان المرأة ورايها فيه.
تقول السيدة (ام سناء) –موظفة- حول هذا الشأن: ان اسباب العنف برأي متعددة ومتشعبة وعلى سبيل المثال منها ما تتحمله المرأة نفسها وذلك لتقبلها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل لذلك، مما يزيد من الطرف الآخر تماديا وجرأ في ذلك أكثر.
اما السيدة (نادية خليل)-طالبة- فتقول: اعتقد ان من اهم اسبابه الامية بابسط الاسس التربوية وياتي بعدها الجهل وعدم معرفة اصول التعامل مع الآخر وعدم احترامه كتحصيل حاصل، وهذا الجهل قد يكون من الطرفين المرأة والمُعنِّف لها(زوج او أب او اخ).
تدني المستوى الثقافي للافراد هي اساس المشكلة حسب وجهة نظري، هذا ما بدات به السيدة (ام هناء)-معلمة- قولها، واسترسلت بعدها بالكلام: من جهة اخرى يأتي الاختلاف الثقافي الكبير بين الزوجين ليزيد الهوة اتساعا، وعلى الأخص إذا ما كانت الزوجة هي الأعلى من ناحية المستوى ثقافيا واجتماعيا وماديا، مما ينتج عنه توترا وعدم التوازن لدى الزوج كردة فعل له.
اما الانسة (بشرى علي)-استاذة جامعية- فتقول: تلعب الأسباب التربوية والتي غالبا ما تكون مبنية على أسس التربية العنيفة التي تربى عليها الفرد دورا هاما في هذا الظاهرة، اذ تجعله ضحية مما تولده لديه من شخصية ضعيفة وتائهة وغير واثقة من نفسها، فيستقوي حين ذاك على الأضعف منه ودائما ماتكون المرأة. او قد يكون الفرد شاهد عيان للعنف كالذي يرد على الأمهات من قبل الآباء بحيث يترعرع على عدم احترام المرأة وتقديرها واستصغارها.
اما السيدة (ام حميد)-موظفة- فتقول: العادات والتقاليد أساس الازمة هنا، فالافكار المتجذرة في ثقافات الكثيرين والمحملة في طياتها الرؤية التميزية للذكر على حساب الأنثى دافعة إلى تصغير وتضئيل الأنثى ودورها. ولا يخفى ما لوسائل الإعلام من دور لتساهم في تدعيم هذا التمييز وتقبل أنماط من العنف ضد المرأة في البرامج التي تبث حيث يتم استغلالها بشكل غير سليم.
اما السيدة (فائزة مندي) –ربة بيت- فتعبر عن رايها قائلة: اعتقد ان الحالة الاقتصادية تلعب دورا مهما في تفاقم هذه الظاهرة، حيث الخلل المادي الذي يواجهه لأسرة والمنعكس على المستوى المعيشي لها مؤدية الى توليد انواع من الضغوط تدفع رب الاسرة ليصب جام غضبه على المرأة وحتى الاطفال احيانا لايسلمون منها.
اي الحل اذا؟
بعد هذه الجولة بين رأي العلم وتعريفه لهذه الظاهرة ورأي المرأة في اسبابها، جاء الدور لنسأل سؤالا مهما هنا الا وهو– أين مكمن العلاج؟
هذا السؤال حملناه الأستاذة (دلين ازاد)-باحثة واخصائية في علم الاجتماع- للتعرب عن رأي علم الاجتماع فيه، فتحدثت في هذا الخصوص قائلة:-
أن ظاهرة العنف ضد المرأة ظاهرة قديمة منذ أن كانت العصر بعيدة، حين كانت المرأة تباع وتشترى، وتوأد في التراب وهي حية، فلا نتوقع أن يكون حل هذه الظاهرة أو علاجها بفترة قصيرة. وإنما لابد من ان يأتي جذريا وتدريجيا من أجل القضاء عليها أو الحيلولة إلى إنقاصها بأكبر قدر ممكن.
وذلك عبر الرجوع إلى القانون الإلهي والشريعة الإسلامية التي تعطي للمرأة كامل حقوقها وعزتها وكرامتها،ولنا في ذلك دلال قرآنية عديدة كقوله تعالى(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)(البقرة 228)، ،وتعميق روح المساوة بين الجنسين كقوله عز وجل (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء) (النساء1).
وعن دور القانون والاعلام والدين في هذا الخصوص؟ اجابات بالقول:-
ان دعم روح هذه القوانين الإسلامية من قبل السلطات القضائية سوف يعمل باتأكيد على دفع المراة للاحساس بالأمن والأمان الداخلي(على الاقل). الى جانب الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام المرئية والمقروئة والمسموعة في بث الثقافات المدنية القويمة في جميع المجتمعات موثرة بذلك سلبا وايجاب واعتقد ان نتائجها بعد ذاك واضحة للجميع، لذا من الضروري ان تصل سلبيات هذه الظاهرة الى وسائل الاعلام لتقوم بالتغطية اللازمة لذلك.
اما عن دور الدين فان يلعب في مجتمعاتنا دورا حساما لما عرف به المجتمع العراقي من اصالة تدينه وانتمائه المذهبية المتعددة، وذلك عن طريق إنشاء مؤسسات تقوم بجهود توجيهية في تعليم الاسر كيفية التعامل الصحيح مع بعضهما البعض ليكون مصداقا لوصايا المعصومين (ع) في حق المرأة، فعن رسول الله (ص): ((اتقوا الله عزوجل في النساء فإنهن عوان (أي أسيرات) بين أيديكم، أخذتموهن على أمانات الله))، وعنه (ص): (مازال جبرائيل يوصيني بالنساء حتى ظننت أنه سيحرّم طلاقهن).
وعن أمير المؤمنين (ع): (إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة) و(الاستهتار بالنساء حمق)، وعن الإمام زين العابدين(ع): ((وأما حق زوجتك فان تعلم أن الله عزوجل جعلها لك سكنا وأنسا، لأنها أسيرتك (فهي قد ربطت مصيرها بمصيرك.إذن فهي مثل الأسيرة لديك) ولابد أن تطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها)).
خلاصة القول:
وأخيرا.. وبعد هذه الرحلة الطويلة بين اغلب الفئات التي يمسها هذا الموضع بشكل مباشر، نقول ان مشوار علاج العنف لازال في بداياته حتى تتغير العقلية والرؤية العامة تجاه المرأة، وتصبح المرأة إنسانا ذو كيان، وذو اعتبار ثابت لايمكن في أي وقت التنازل عن حقوقه والتضحية عن مكتسباته.
وإن أهم التحديات التي تواجه وقاية المرأة من العنف وتهددها هو الفرق بين ما يقال وبين ما يمارس، فهناك كلام كثير يقال عن المرأة، لكن ما يمارس يختلف ويناقض ما يقال، فمن المهم إذن أن يتطابق القول والممارسة في معاملة المرأة.
نشر بتاريخ 30/4/2006
التعليقات (0)