بقلم: محمد أبو علان
http://blog.amin.org/yafa1948
العنف الذي تتعرض له المرأة في المجتمع الفلسطيني، أو العنف الذي تعرض نفسها له هو نتاج لظروف اجتماعية معينة، وهذا العنف بات ظاهرة واسعة الانتشار وفق ما ينشر من إحصائيات وتقارير حول الموضوع، مع التأكيد على أن ما خفي قد يكون أعظم كون ليس جميع حالات العنف أو محاولات الانتحار التي تتعرض لها النساء تصل للشرطة أو المؤسسات والجمعيات المختصة في موضوع المرآة نتيجة العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع الفلسطيني.
إحصائيات جهاز الشرطة في الضفة الغربية أعلن عن تحقيقيه في (34) محاولة انتحار في الشهر الأول من العام 2010 معظمها من النساء، وفي نفس الشهر كان في الضفة الغربية وقطاع غزة (6) حالات قتل للنساء معظمها على خلفية قضايا شرف العائلة، وعدد حالات الانتحار تشهد تزايد في الأراضي الفلسطينية، ففي العام 2008 سجلت (260) محاولة انتحار نتج عنها (12) حالة وفاة، بينما في العام 2009 سجلت (308) محاولة انتحار نتج عنها (14) حالة وفاة، وقياساً على عدد محاولات الانتحار في العام 2009 فإن عدد حالات محاولة الانتحار في الشهر الأول من العام 2010 تجاوزت ما نسبته 10% مقارنة مع العام الماضي.
وفي إحصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2005 أشارت هذه الإحصائيات لتعرض 52.7% من النساء لعنف نفسي، و 25% لعنف جسدي لمرة واحدة على الأقل، وشملت هذه الدراسة النساء غير المتزوجات واللواتي يسكن مع الأسرة وأعمارهن (18) عام فما فوق.
في المقابل أشارت نفس الدراسة بخصوص النساء اللواتي سبق لهن الزواج أن 61.7 % منهن تعرضن لعنف نفسي ولو لمرة واحدة من قبل الزوج، و 23.3% تعرضن لعنف جسدي و 10.9% تعرضن لعنف جنسي.
مع كل إحصائية تصدر حول موضوع العنف ضد المرأة، وبعد كل جريمة قتل للنساء تنتفض بعض الأقلام وبعض الناشطات في شؤون المرأة ليوم أو ليومين ومن ثم تهدأ العاصفة انتظاراً لجريمة جديدة بحق المرأة الفلسطينية دون السير خطوات عملية على الأرض تحد من هذه الظاهرة.
هذا الموضوع يجب أن يكون العمل عليه في اتجاهين، الأول دراسة الأسباب والدوافع للعنف ضد المرأة، والاتجاه الثاني سبل الحل والعلاج لهذه القضية التي باتت ظاهرة واسعة الانتشار وفق المعطيات الإحصائية، والحلول التي يجب أن تطرح يفترض أن تكون نتيجة دراسات تحليلية للأسباب لا العمل على طرح حلول فلسفية ونظرية أكثر منها واقعية، كما أن هذه الحلول يجب أن تأخذ القيم الفكرية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني بعين الاعتبار.
الناشطات النسويات يحملن القانون المسئولية الأولى في هذا الموضوع، ويعتبرن غياب القانون الرادع هو العامل الأساسي المشجع على العنف ضد المرأة خاصة فيما يتعلق بقضايا الشرف، واعتبرن أن الحل يتمثل في "الإسراع في أقرار قانون عقوبات عصري جديد، يساوي بين النساء والرجال".
غياب القانون العصري لا شك أنه عامل أساسي في موضوع الحد من العنف ضد المرأة، ومشجع على عمليات قتل المرأة على خلفية شرف العائلة والتي قد تستغل أحياناً لقضايا وخلافات بعيدة عن هذا الموضوع.
إلا أن من يتحمل المسئولية عن هذا الغياب للقانون قبل السلطات التنفيذية والتشريعية في البلد هو المؤسسات والقيادات النسوية بالدرجة الأولى وذلك لعدم قيامهم بخطوات عملية ذات تأثير على المؤسسة الرسمية، وحصر المؤسسات النسوية لأنشطتها في ورش عمل ولقاءات نسوية في مواضيع قد لا تكون على رأس سلم أولويات قطاع المرأة الفلسطينية واحتياجتها بقدر ما هو على رأس أولويات المانحين بالدرجة الأولى.
المرأة الفلسطينية تشكل نصف المجتمع عددياً ولكن تأثيرها ووزنها لا يوازي هذا الكم العددي، والمرأة تشكل نصف عدد الناخبين الفلسطينيين تقريباً في الضفة الغربية وقطاع غزة لكن حجم تمثيلها في المؤسسات المنتخبة لا يتناسب مع هذا الحجم، وليس هذا فقط بل الحجم التمثيلي الحالي لها مفروض بقوة القانون لا بالجهد الذاتي للنساء.
انطلاقاً من هذا الواقع العمل يجب أن يكون باتجاه تعديل ميزان التأثير للمرأة من خلال العمل على برنامج شعبي عملي لا تنظيري يقوم على قاعدة توحد قطاع المرأة الفلسطينية كجسم واحد بغض النظر عن التوجهات السياسية والفكرية لهذا القطاع ومؤسساته وقياداته النسوية باتجاه تحسين واقع المرأة الفلسطينية.
وأول هذه الأنشطة العملية على كافة الأطر النسوية رفض المشاركة السياسية في المؤسسة الرسمية الفلسطينية قبل أن تقوم هذه المؤسسة بسن القوانين والأنظمة التي من شأنها المحافظة على المرأة وحقوقها ودورها في المجتمع الفلسطيني، وسن القوانين التي تحمي المرأة من الظلم والعنف التي تتعرض له في المجتمع.
ثاني هذه الأنشطة تحرك شعبي متواصل عبر تجنيد الرأي العام المحلي بكافة قطاعاته، وتجنيد الإعلام المحلي الفلسطيني لصالح إحقاق حقوق المرأة، ووقف العنف بكافة أشكاله ضدها وفي كل المواقع، وحض القوى السياسية الفلسطينية على أخذ دورها في هذا المجال كونها جزء من المؤسسة الرسمية باتجاه العمل والضغط لسن القوانين التي تحمي المرأة وتمنحها حقوقها.
التوعية والتثقيف للمرأة بحقوقها وواجبتها في المجتمع لكي تكون على معرفة بهذه الحقوق والواجبات كمقدمة للمطالبة بها والحفاظ عليها، فمن لا يعرف حقوقه لا يمكنه المطالبة بها، ولا يمكنه الدفاع عن المكاسب التي حققها.
ومن القضايا الهامة التي لا تقل عن أهمية ما سلف هو توفر قيادات نسائية حقيقية تمثل واقع المرأة الفلسطينية لا أن تكون قيادات القطاع النسوي من شخصيات سياسية واجتماعية جاءت من بيئة مخملية وفرضت على هذا القطاع إما لأسباب تنظيمية أو عشائرية كما هو حال عدد ليس بقليل من القيادات النسوية الحالية.
وعلى المرأة أن تخرج نفسها من ثوب الضحية لصالح الانتفاض لحقوقها، فمحاولة إلقاء سوء واقع المرأة والعنف الذي تتعرض أو تعرض نفسها له على كون المجتمع الفلسطيني هو مجتمع ذكوري لن يحقق الكثير من مطالبها، فظاهرة العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية وغير متعلقة بمجتمع دون غيره مما يعني أنها تستوجب حركة نضالية محلية منظمة ذات امتدادات عربية ودولية، وما يعزز ذلك هو أن تقارير الكثير من المؤسسات غير الحكومية تشير إلى أن امرأة من بين كل ثلاث نساء تتعرض للضرب أو الإهانة يومياً، كما أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية أن حوالي 70% من ضحايا جرائم القتل من النساء.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)