العناصر الأساسية في تحقق حقوق المرأة في الأسرة والمجتمع
سماحة آية الله العظمى الشيخ جوادي الآملي: من اجل تحقق حقوق المرأة العينية والخارجية في الأُسرة والمجتمع، لابد من اجتماع عدّة عناصر أساسية، الأول: إثبات أصل الحقّ وشؤوناته بالدليل العقلي أو النقلي المعتبر، الذي يعد حجة على أساس أصول الفقه، وتدوينه بهذه الصورة...
سماحة الأستاذ: من اجل تحقق حقوق المرأة العينية والخارجية في الأُسرة والمجتمع، لابد من اجتماع عدّة عناصر أساسية:
الأوّل: إثبات أصل الحقّ وشؤوناته بالدليل العقلي أو النقلي المعتبر، الذي يكون حجة على أساس أصول الفقه، وتدوينه بصورة مواد وملاحظات حقوقية، وإقراره في المحافل القانونية الرسمية.
الثاني: إنّ العمل بهذه الحقوق يكون ثابت في حال عدم مزاحمته لحقوق الزوج، أو أن يكون بتوافق الطرفين في متن العقد، أو في عقد مشروع لازم آخر، أو في ضمن تعهد ابتدائي ومستقل بناءً على لزوم الوفاء بالشروط الابتدائية وعدم احتياج طرحها في ضمن عقد لازم آخر، وأيضاً لابد من رعاية الأهم والمهم بلحاظ مصلحة الأُسرة والمجتمع، وتوضيح محدويتمهما.
الثالث: ضمان إجراء الحقوق الثابتة المشتركة والمختصة بالمرأة والرجل من دون تضييع، لأنّ الحقوق لا ضمان لتنفيذها، فإنّها تذهب وتصبح من جملة سجل الخواطر الماضية، ولنفس عادات المجتمع وثقافة الناس أصل في كتابة هذه الحقوق؛ لذا لا ينبغي إغفال العوامل التي تحيي هذه الحقوق وإجرائها في واقع الحياة المعاشة، لأنّ الإحياء العلمي لحقوق المرأة في الكتب الدينية والحقوقية، وأيضاً تعليمها في المجالات الدراسية، وثمرتها أن لا تبقى في اطار الألفاظ وعالم الذهن، ومثل هذه الأساليب المنهي عنها لا تكون في مرضاة الله عز وجل الذي يكون هو المثبت والمعين لحقوق عباده.
ومن هذه الجهة لا يوجد طريق أمام القوة المشرعة والمنفذة إلا طريق الرقابة والقضاء الصحيح، ولا يوجد شيء يضمن هذا الامر غير القوة القضائية، وإلا سيكون نظرية محضة لا توصل المجتمع الى المثل الأعلى.
الرابع: لأنّ أساس الأسرة طبق هداية الله سبحانه وتعالى{ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } يكون بهذين الفضيلتين، اللتين هما يعدان من العناصر الأساسية في الأخلاق، فما لم تحل المودة والمحبة العقلية محل المودة والمحبة الجنسية والروحية الغريزية، وما لم تقم العلاقة الطبيعية واشتياق ما وراء الطبيعة والحس في محلها، وما لم تقم المحبة والمودة العقليية بدل الميل المادي ، والجاذبة الجنسية في حريمها الخاص، لا يمكن بأي شكل من الأشكال الاستناد إلى القضاء.
فمن جانب يكون الرجل والمرأة مشتركين بالفطرة، ومن جانب آخر فهم لا يدركون أنّ لكل صنف منهما خصائصه الخاصة به، وأنّها مكملة للآخر، وهذا البنيان المرصوص الذي أراده الإسلام لم يُبنَ لهما، ولذا فإن نصيب الأخلاق في الأسرة وكذلك أيضاً في المجتمع سوف لا يكون أقل من نصيب الحقوق.
ففي رابطة الأخلاق والحقوق يمكن ان يقال بأنّه إذا كان هناك إبهام في مجال القانون من جهة المادة أو الملاحظة، وفقدان وتعارض المواد، وما شابه ذلك، فإنّ للأخلاق مسؤولية جبران النقص المذكور. فلو لم تكن الأصول الأخلاقية والفضائل النفسانية حاكمة في الأسرة والمجتع، فإنّ كل شخص سوف يُفسر القانون برأيه وطبق هواه ويحرفه عن مساره، وعليه فلا يتيسر نصب مراقب في كل مكان لكل أحد، وعليه فإذا كان المراقب فاقد للأخلاق فسوف لا يكون ضامن لتحقيق الحقوق، لأنّ الشخص الذي لا يمكنه حفظ جوهر دينه من تصرف الأهواء وتغلب الهوى وسرقة الشهوة والغضب، ولا يمكنه الحفاظ على قلبه من حملات الشياطين الباطنية، وعليه فلا يمكنه بأي شكل حفظ حقوق الآخرين.
ولأنّ رعاية الأصول الأخلاقية من أهم العوامل في ضمان حقوق الأفراد، فالإسلام متعادل في توصيته للرجل والمرأة دون أن يكون هناك تغليب في توصيته الأخلاقية لجانب الرجل أكثر من جانب المرأة، وعليه يجب في تحليل وتفسير الأخلاق ملاحظة خصائص كل صنف من المرأة والرجل، حتى لا يتوهم بأنّ الإسلام جعل المرأة تافهة بالنسبة للرجل، وكذلك لا يتوهم بأن الإسلام قد حمل العادات الجاهلية في لباس الأخلاق على المرأة.
ثمّ إنّ الاختلاف بين المرأة والرجل كاختلاف سائر الأصناف من الرجل مع الرجل، والنساء مع النساء، وعليه يكون النظام الأحسن قائم على أساس العدل والانصاف بينهما لا على أساس الظلم والجهل، هذا أولاً.
وثانياًً وأن لا يكون على أساس تغليب جانب على الآخر، وهذا المعنى يمكن استظهاره من الآية (32) من سورة الزخرف، قال تعالى: {هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} فالآية تقول اهم يقسمون رحمت ربك؟! ونحن قسمنا بينهم معيشتهم، ورفعنا بعضهم في الدرجات على البعض الآخر، حتى يحتاج ويتعاون بعضهم مع الآخر ، فهذه الآية لا تجعل المعيار في التقييم هو الجانب المادي، بل هي تنفي ذلك.
للمزيد راجع : http://www.esraco.org
التعليقات (0)