أكد الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية العميد المتقاعد أمين حطيط أنّ لا حرب إسرائيلية جديدة في الأفق المنظور، مشيراً إلى أنّ إسرائيل اتخذت قرار الحرب في اللحظة التي أوقفت فيها "الأعمال الحربية" في آب 2006 لكنها عاجزة عن تنفيذه لأنها لا تزال عاجزة عن بناء الظروف المناسبة والملائمة للنصر في هذه الحرب.
وفي حديث خاص لموقع "المنار" الالكتروني في الذكرى الخامسة لحرب تموز وانتصار المقاومة، لفت العميد حطيط إلى أنّ حرب تموز كانت بحق التغيير الاستراتيجي الأهم والأكبر منذ العام 1948، موضحاً أنّ العام 1948 جسّد القوة التي صنعت إسرائيل لكنّ العام 2006، معطوفاً على العام 2000، فضح هذه القوة في عجزها ورسم علامات استفهام كبيرة حول بقاء إسرائيل وقدرتها على الصمود.
وفيما رأى العميد حطيط أنّ المناقشة في موضوع سلاح المقاومة عمل عقيم لا جدوى منه، أعرب عن اعتقاده بأنّ الفريق الآخر هو في وضع المحبَط الذي لا يجد عملاً لتعويم نفسه سياسياً إلا ما يرضي إسرائيل وأميركا.
ورأى حطيط أنّ المحكمة نشأت بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل حماية إسرائيل عبر الكيد للعدو الذي أسقط استراتيجية إسرائيل في القتال، أي المقاومة. وأشار إلى أنّ كلّ المكائد التي تُنصَب والأفخاخ التي توضَع للايقاع بالمقاومة تنسجم مع هذه الفكرة.
إسرائيل عاجزة عن الدخول بحرب تنتصر فيها
العميد أمين حطيط، الذي تحدّث لموقع المنار عشية مهرجان الكرامة والانتصار الذي يحييه حزب الله في الذكرى السنوية الخامسة لحرب تموز 2006 وفاءً لتضحيات المقاومين البواسل وتعظيماً لحضور الشعب الأبي المجاهد والمناضل، قدّم قراءة استراتيجية للواقع العام في المنطقة والمتغيّرات التي طرأت عليه بين تموز 2006 وتموز 2011.
وانطلق العميد حطيط في قراءته هذه من مسألة الحرب بذاتها، حيث لفت إلى أنّ إسرائيل كانت تمتلك كلياً، قبل العام 2006، قرار الحرب وكانت في كلّ مرة تريد تحقيق منفعة ما أو فرض ضغط معيّن أو توجيه الأحداث في المنطقة باتجاه محدّد تأتي بجيشها إلى الميدان وهي مطمئنة بأنها ستحقق الهدف الذي تصبو إليه. ولكنّه أشار إلى أنّ ما انتهى إليه الصراع في العام 2006 أفقد إسرائيل هذه الأفضلية، ملاحظاً أنّ إسرائيل خسرت القدرة على الانتصار في الحرب ميدانياً، كما خسرت أيضاً الوسائل والقدرات اللازمة لابقاء مجتمعها خارج أتون الحرب، وهذا جعلها تخسر القرار الحر في الذهاب إلى الحرب أو السلم. وخلص حطيط إلى أن إسرائيل تبدو اليوم مالكة لقوّة ما ولكنّها عاجزة عن الدخول في حرب تنتصر فيها.
وفي سياق قراءته للمتغيّرات التي أحدثتها حرب تموز، لفت العميد حطيط إلى أنّ إسرائيل كانت تستطيع في السابق أن تتصرف سياسياً ودبلوماسياً كما تريد حتى في مسألة اغتصاب الحقوق، مذكّراً بأنّ إسرائيل كانت في السابق، وبمجرّد التهويل بمسألة الحرب، تمنع قرارات عربية كبرى على غرار الاستفادة من المياه. لكنّه شدّد على أنّ الوضع تغيّر اليوم، مستشهداً على ذلك بقضية المنطقة الاقتصادية اللبنانية والتنقيب عن النفط، موضحاً أنّ لبنان عندما يشدّ على حقوقه فهو لا ينطلق فقط من مبدأ القانون الدولي الذي لم يتغيّر ولكنّه يستند إلى قوته المادية التي تشكّل المقاومة المنتصرة جزءاً رئيسياً فيها. وخلص إلى أنّ إسرائيل كانت ترهب الآخر لأنها كانت تمتلك قوة الردع العسكري ولكنّ وجود المقاومة قلب الاتجاه، فباتت إسرائيل هي التي تخشى ردة فعل المقاومة.
علامات استفهام حول بقاء إسرائيل وصمودها
العميد حطيط تحدّث عن عنصر ثالث على هذا الخط، لافتاً إلى أنّ إسرائيل كانت قبل العام 2006 تنفذ استراتيجية الغرب بحيث أن من يخضع بالدبلوماسية يُحاوَر ومن لم يخضع تتوجه له إسرائيل بالنار التدميرية. واستند حطيط في فكرته هذه إلى تطورات الملف النووي الايراني، حيث أشار إلى أنّ إسرائيل لو لم تخسر هذه الحرب لما كان الغرب صبر كلّ هذا الصبر ولما كانت إيران استطاعت أن تتصرّف بهدوء وهي مطمئنة أنّ الخيار العسكري سيرتدّ على إسرائيل والغرب خطراً وشراً. وشدّد على أنّ إسرائيل هذه لم ولن تتجرأ رغم كل ما قيل ويقال على مهاجمة المشروع النووي السلمي الايراني لأنّها تعرف أنّ الثمن الذي ستدفعه يفوق بكثير ما تتصوّره. وخلص في هذا السياق إلى أنّ امتلاك القوة المعادية لاسرائيل للقدرات العسكرية هي التي مكّنت هذه القوة، في إشارة إلى المقاومة، من حماية مصالحها الاقتصادية المشروعة، كما مكّنتها أيضاً من حماية ذاتيتها البنيوية من حيث السيادة والقرار المستقل.
وفي سياق قراءته للواقع الاستراتيجي أيضاً، لفت حطيط إلى مسألة إدارة الحكم في بعض البلدان، حتى تلك التي حاولت أن تدخل إلى ملفّ الشرق الأوسط من باب الترويج لاحتضانها القضية الفلسطينية. ولفت إلى أنّ إسرائيل كانت حذرة تجاه هذه الدول لأنها لا تستطيع أن تقبل بتحوّل استراتيجي من هذا النوع كما لا تستطيع أن ترفص هذا التغيير لأنها لم تعد واثقة بقدرتها العسكرية، وهنا المأزق الحقيقي.
وانطلاقاً من كلّ ما سبق، رأى العميد حطيط أنّ حرب تموز 2006 كانت بحق التغيير الاستراتيجي الأهم والأكبر منذ العام 1948. وأوضح أنّ العام 1948 جسّد القوة التي صنعت إسرائيل وهذه القوة استمرّت متصاعدة لكنّ المقاومة، في العام 2006 معطوفاً على العام 2000، فضحت هذه القوة في عجزها ورسمت علامات استفهام كبيرة حول بقاء إسرائيل وقدرتها على الصمود.
لا حرب في الأفق المنظور
ورداً على سؤال عن التسريبات المتداولة عن حرب جديدة في الأفق في ضوء كلّ هذه المعطيات، ميّز العميدحطيط في السلوك الاسرائيلي بين أمرين وهما القرار بالحرب وتنفيذ هذا القرار. ولفت إلى أنّ الحرب ضرورة إسرائيلية استراتيجية لا تستطيع إسرائيل أن تدير الظهر لها. وأكد أنّ إسرائيل اتخذت القرار بالحرب التي بها تستطيع استعادة الهيبة التي فقدتها منذ لحظة "وقف الأعمال الحربية" في آب 2006، مذكّراً بأنّ إسرائيل رفضت عبارة "وقف إطلاق النار" في القرار 1701 حتى لا تسجّل في تاريخها أنّها أوقفت حرباً وهي مهزومة، وبالتالي فهي أرادت أن توحي بأنّ أي لجوء للميدان مجدّد سيُعتبَر استئنافاً للحرب السابقة وليس حرباً جديدة بالمنطق العسكري.
وأشار العميد حطيط إلى أنّ إسرائيل تعتبر أنّ كلّ ما تقوم به مبني على قاعدة أنّ الحرب ستُستأنَف في اللحظة التي تتمكن فيها من الانتصار. واعتبر أنّ هذه اللحظة محكومة بثلاثة عناصر هي امتلاكها القدرة الميدانية، امتلاكها القدرة الدفاعية وامتلاكها القدرات السياسية والدبلوماسية التي تمكّنها من جعل العالم والمحيط يتقبّل انتصارها ولا ينتزعه منها. وأوضح أنّ العدوان ينبغي أن يواجَه بشكل يمنع المعتدي من استثمار نتائج عدوانه سياسياً، لافتاً انطلاقاً من ذلك إلى أنّ إسرائيل بحاجة لمحيط خاص يمكّنها من الاستثمار السياسي لعدوانها.
وفيما سأل حطيط أين هي إسرائيل من كل هذه العناصر الآن، لفت إلى أنها على الصعيد الميداني أعادت تنظيم جيشها وأجرت المناورات وأعادت النظر بكثير من القدرات ولكن ذلك ووجه بتراكم عنصر القوة لدى المقاومة لحدّ أطلقت معه الأخيرة ما يسمى الهجوم المضاد استراتيجياً بعد أن كان في السابق يُعتمد مبدأ الحرب على أرض الخصم، مشيراً إلى أنّ حزب الله وصل للحد الذي يهدد فيه بمسألة القدرة على الدخول للأرض المحتلة في فلسطين وفق معادلة "دخول مقابل دخول"، وهو ما لم تكن إسرائيل تتخيّله. وعلى الصعيد الدفاعي، لفت حطيط إلى أنّ إسرائيل أجرت خمس مناورات هامة وشاملة لكنها لم تستطع أن تحقق المطلوب الدفاعي للمجتمع الصهيوني. أما بالنسبة لجعل العالم يتقبل نتائج حربها واستثماره سياسياً، فأعرب حطيط عن اعتقاده بأنّ البيئة العالمية، بعد التحول الطارئ في مجلس الأمن، بدأ يرسم علامات استفهام جدية وأدخل العالم في ما يمكن تسميته بالضبابية الرمادية.
وانطلق العميد حطيط من هذه القراءة الاستراتيجية ليخلص إلى أنّ العناصر الثلاثة لا توحي بطمأنينة تدّعيها إسرائيل، وبالتالي فإنّ إسرائيل التي اتخذت قرار الحرب عاجزة عن بناء الظروف المناسبة والملائمة للنصر، ولذلك فلن يكون هناك حرب في المدى المنظور.
مناقشة السلاح عمل عقيم لا جدوى منه
ورداً على سؤال عن السجالات الداخلية حول سلاح المقاومة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الوطن والأمّة، لفت العميد حطيط إلى أنّ لبنان بات الآن في وضع لا يتيح له مجرد النقاش حول سلاح المقاومة وجوداً وضرورة لأنّ الأكثرية الشعبية ترى بأمّ العين أن لا شيء يحمي لبنان إلا هذا السلاح المنسّق مع الجيش اللبناني، وبالتالي فإنّ هذه الأغلبية الشعبية وكذلك النيابية باتت على قناعة مطلقة بأنّ السلاح ليس موضوع نقاش.
ورأى العميد حطيط أنّ الفريق الآخر هو في وضع المحبَط الذي لا يجد عملاً لتعويم نفسه سياسياً إلا ما يرضي إسرائيل وأميركا، ملاحظاً أنّ هذا الفريق يتقرّب إلى إسرائيل وأميركا من باب التصويب على سلاح المقاومة علّ الغرب يتدخل ويعوّمه سياسياً. لكنه أعرب عن اعتقاده بأنّ أميركا غير مهتمة بهذا الفريق الذي جرّبته على مدى خمس سنوات والذي عجز عن تلبية طموحاتها، حيث كان دائماً يطلب منها أن تصبر عليه لكنه كان ينتقل من إخفاق لاخفاق سنة تلو السنة.
وشدّد حطيط على أنّ موضوع السلاح ومناقشته عمل عقيم لا جدوى منه، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ الذي يمكن أن يُناقَش هو كيفية انخراط كلّ الشعب اللبناني بمشروع المقاومة لحماية لبنان عبر استراتيجية دفاعية تحدّد لكلّ قطاع دوره في أي مواجهة. وأوضح حطيط أن أيّ استراتيجية دفاعية لا تعني القطاع العسكري فقط بل كل القطاعات الحيوية الأخرى، وبشكل خاص القطاع الاقتصادي والمالي الذي ينبغي أن يكون موجّهاً بشكل يحمي الوطن ويكون على مناعة هامة، وكذلك القطاع السياسي والدبلوماسي إضافة إلى القطاع الاجتماعي الذي يركّز على ثقافة المقاومة. وإذ لفت إلى أنّ العمل المنسق في استراتيجية وطنية دفاعية ينبغي أن يُشرك الجميع كل في موقعه، قال: "عندما نتحدث عن الشعب، ينبغي أن نقرأه في مختلف المجالات من الاقتصادي إلى الاجتماعي والثقافي والسياسي والتنظيمي فعندما نقول بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، هذا لا يعني أنّ الشعب كله سيحمل السلاح وسينزل إلى أرض المعركة بل أنّ كلّ شريحة من المجتمع سيكون عليها عمل تؤديه".
المحكمة ستبذل المستحيل لارباك المقاومة
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت إسرائيل قد لجأت إلى المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري لاستهداف حزب الله وتعويض إخفاقها في النيل من المقاومة على الصعيد العسكري، لفت العميد حطيط إلى أنّ إسرائيل أصلاً كانت منتجاً للأمم المتحدة خلال السنوات الأولى من قيامها، موضحاً أنّ أول وأهم وأخطر قرار اتخذته هذه المنظمة الدولية في حياتها هو قرار إنشاء دولة على أرض الغير، في إشارة إلى الكيان الصهيوني. ورأى حطيط أنّ المنظمة الراعية لاسرائيل تستمرّ في رعايتها حتى اليوم، خصوصاً أنّ إسرائيل هي أدبياً الابنة الوحيدة لهذه المنظمة كونها لم تنشئ غيرها.
وفيما رأى أنّ كلّ سياسة الأمم المتحدة ينبغي أن تُقرَأ من باب حماية إسرائيل، لفت حطيط إلى أنّ المحكمة نشأت بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل حماية إسرائيل عبر الكيد للعدو الذي أسقط استراتيجية إسرائيل في القتال، أي المقاومة. وأشار إلى أنّ كلّ المكائد التي تُنصَب والأفخاخ التي توضَع للايقاع بالمقاومة تنسجم مع هذه الفكرة. وقال: "عندما أطلقنا على المحكمة وصف الكتيبة القضائية الاسرائيلية لم نكن ننطلق من فراغ بل من وقائع".
وأكد العميد حطيط أنّ المحكمة ستقوم بما بوسعها من أجل إرباك المقاومة وتخوينها حتى لو أدّى هذا الأمر إلى إصدار عشرات القرارات الاتهامية التي يُدرج فيها كلّ شخص يُعرَف بفاعليته في الصراع مع إسرائيل، حتى لو وصل عدد المتهمين إلى 500 رجل كما تشير بعض التسريبات. ورأى حطيط أن تطبيق القانون لا يهمّ من يقفون وراء هذه المحكمة على الاطلاق، موضحاً أنّ القرارات الاتهامية المتعددة وعلى دفعات هي في الأصل ضدّ القانون الجنائي ولا تتناسب معه. وخلص إلى أنّهم يستعملون المحكمة كأداة لاستهداف المقاومة وإراحة إسرائيل ولا شكّ في ذلك.
التعليقات (0)