مواضيع اليوم

العلم والفلسفة وفوضى التصور

فارس ماجدي

2010-04-28 07:52:49

0

لقد أفرز العلم سياقات جديدة وتصورات علمية رياضية حديثة لم تعد فلسفة القرار التقليدية بأبعادها ومقولاتها قادرة على استيعاب هذا المعقد الكبير الوافد من العلم والفكر الحديث . إن ظهور الكوانتم وتعقيداته الرياضية قد الغى مقولة الطبيعة البسيطة واللوغوس السابق على الإنسان وألغى القانون القديم كما ألغى التناغم والأنسجام والنظام في الطبيعة، وحل محل ذلك، المعقد الشديد التركيب، والرياضي الأحصائي ، وأظهر الكمبيوتر الكاوس الكبير والتشظي في طي الظاهرة، وفي داخل صفحات الكون اللامتناهي، الكون معقد بطريقة مذهلة، كما أن المتعضي معقد بالطريقة ذاتها ، كما أن النصوص الفلسفية والأدبية والعلمية اللغوية، التي هي اداة التعبير عن ذلك معقدة هي الأخرى، والسبيل الى فك رموزها أنما جاء حديثا عندما استحدثت لغة جديدة، الغت الصور الخيالية التقليدية البسيطة والمبسطة،واستعاضت عنها بالصور المتشظية القادرة على معالجت الاختلالات المرعبة التي حكمت تصور الإنسان وصاغت فكره القديم والحديث [ انظر الصور التي خلقها الكمبيوتر] لم يعد اذا البسيط والمتناغم هو الذي يحكم الكون تصورا ووجودا، إذ الكون اصبح شبكة معقدة من علاقات متداخلة بتاثيرات متبادلة خاضعة لفضاء احصائي رياضي عشوائي احتمالي ، لقد سقطت مقولة البسيط وظهر المتناتل والمتشظي والكاوسي في فضاء معقد ملئ بالإنهيارات والكوارث ، هذا على الصعيد الكوني، أما على الصعيد الفكري والفلسفي فقد ورثنا تراثا هائلا من النصوص والأفكار المتناقضة ، فالذي يغوص في هذه النصوص يجد المتناتل، والمعقد، والمتناقض، والمتضاد، ويرى شلالات هائلة من الفكار التي لا تخضع للعلم، ولا للمنطق الصحيح ولا للمعرفة الحقيقة ، إن دراسة هذه النصوص تظهر الكاوس المتشظي بطريقة كبيرة وتلقي الضوء على ما هو طيها من الاختلافات الظاهرة أحايانا والخفية أحيانا كثيرة، النص الفلسفي كظاهرة كونية فريدة لو أمعنا النظر فيه فسوف نذهل لرؤية الجواذب الغريبة التي تحكم بنيته ومنظوماته اللامستقرة في سياق من الفوضى المقننة والخلافات والإختلافات الكبيرة التي جاءت على شكل تيارات متقطعة من النبع اليوناني القدبم تحرك الفكر الإنساني وتحكم مساره ووجوده وتحدد شكل تطوره ونسيابه في التاريخ ، ولا تظهر الفلسفة في التاريخ عبر مسار لولبي صاعد نحو المطلق في الوجود بل على شكل تيار متناتل متقطع نكوصي هدام متشظي يبتلع الفكر ذاته ويعيد انتاجه ثم يعيد هدمه وهكذا دائما أنه يدمر ذاته باستمرار بعدمية لامعنى لها سوى العبث الفكري، الى أن جاءت القطيعة الأبستميولوجية تلك القطيعة المستحدثة والتي اعادة خلق وانبثاق النص الفلسفي غير التقليدي والقديم لقد انمحت الصورة القديمة الباهتة من مثل أفلاطون ومنطق ارسطو وكوجيتو ديكارت وسببية هيوم وديمومة برجسون وقصدية هوسرل ووجودية سارتر ومثالية بركلي وظاهرية كانط وجدل هيجل وتطورية سبنسر، هذه النصوص المتضادة المتناقضة التي لا تهدف للوصول الى الحقيقة بقدر التلاعب بفوضوية الذات والوجود والتراكمية المعرفية التواصلية للقيم الإنسانية غير عابئة بالمسار التطوري للتاريخ والقطيعة للمعرفة العلمية التي صاحبت انبثاق الوعي العلمي الجديد.
وظل البحث في النصوص الفلسفية في التواءاتها وانحناءاتها عمل صعب ويتطلب الدراسة والتنقيب والفرز والتصنيف لكل كلمة ولكل عبارة وجملة في اي نص من النصوص العديدة والكثيرة جدا ، إنها تطلب تحرير النص وتجريدة من ألوانه والاعيبه اللغوية ومن استعاراته واخايله ومسلماته، فدراسة النص الفلسفي هي عمليا نص فلسفي آخر، إذ التأويل والتفسير يؤسس نصا جديدا مغايرا وهكذا دواليك ، ولقد اتعبنا هذا البحث المجدي والنافع أحيانا وغير المجدي في أحيان كثيرة، لقد ظلت اللحظة التي نقبض فيها على الحقيقة بعيدة المنال والمطلب.
ما الذي قدمته الفلسفة لسعادة الإنسان وما الذي قدمه العلم ؟ سؤال على ما يبدو غريبا، لكنه يأتي هنا على وجه آخر في سياق التحليل الذي نذهب إليه، الفلسفة ضرورة للوجود لأنها الأساس الذي بنى عليه العقل بنيانه الشامخ، وليست ترفا فكريا هذه حقيقة لا مراء فيها ، لأنها فن خلق التصورات، لكن العلم لايتاتى على شكل التصور وإن جاء بوحي من التصور ذاته لأنه لا يأتي سابقا على التجربة، وكذلك المعادلات الرياضية تنتج تصورات قبلية رياضية لكنها بعدية في العلم الطبيعي، فالكتلتة السالبة التي استنتجها ديراك من معادلات شرودنجر ظلت تصورا رياضيا بحتا اي مشتقا بواسطة المعادلات الرياضية حتى أظهرت التجربة وجودها العيني المتحقق، فالكتلة السالبة هي كمية رياضية وتظل رقما يتحقق وجوده مخبريا أو في حقل العلم الطبيعي ، أما الفلسفة فهي في صميم فعل الخلق ذاته لكنه ليس خلقا من العدم إنه التصور هو الذي يكرر فعل الخلق المغاير، والتصور ليس استدلاليا ، ليس قضية على الإطلاق ، لأن القضية امتدادية تحدد بواسطة مراجعها ، والمرجع لايختص بالحدث وإنما بعلاقة مع حالة الأشياء الأجسام وكذلك مع شروط هذه العلاقة ، فليست التصورات هي موضوع العلم بل في الدوال التي تظهر كقضايا في منظومة استدلالية ، فالمفهوم العلمي لايحدد بواسطة تصورات لكن بدوال، والدالة هي التي تسمح للعلوم بالتفكير والتطور .
تحت هذه الشروط السابقة فإن الفرق الذي نود زحزحته هنا يتحدد في موقف كل من الفلسفة والعلم من الكاوس، هذا الكاوس الذي يتميز بالسرعة اللامتناهية والذي يحيل كل شئ الى فوضى .

كاتب أردني
مقيم في نيوزلاندا
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !