العلم بالجنس.. ولا الجهل به
بقلم: خليل إبراهيم الفزيع
نشرت إحدى الصحف المحلية كاريكاتيرا لرجل ملثم يقول للصيدلي: اعطني حبتين "فياجرا" واستر على ما واجهت.
وجملة "استر على ما واجهت" تعبير شعبي يعني "أرجو ألا تفضحني" وذلك يدل على شدة الحذر في التعاطي مع الثقافة الجنسية، وكأن هذه الثقافة محرمة جملة وتفصيلا، مع أن الكثير من جوانبها يحتاج إلى الصراحة تجنبا للممارسات الخاطئة، الناتجة عن الجهل الذي افرزه الحرج الشديد حين الحديث عن قضايا الجنس.
نعم هذه قضايا حساسة إلى حد كبير، لكن هذا لا يعني تجاهلها، فهذا التجاهل يؤدي إلى أخطاء يمكن تلافيها بالثقافة الجنسية التي لابد أن يتولاها المختصون سواء من الأطباء أو غيرهم. وتزداد المسألة تعقيدا مع ازدياد هذه الموجات العارمة من ألوان الجنس المحرم التي تبثها الفضائيات، فالتعري الذي أصبح سمة بارزة لأغاني "الفيديو كليب" والكلمات الجنسية ا لمنفرة التي تصاحب الحوار في بعض المسرحيات، والتقديم الفج لقضايا الجنس في بعض البرامج، ناهيك عما يسمى بقنوات الصداقة - أو الصفاقة بمعنى أدق - التي تبعث على التقزز والاستهجان، يواجه ذلك كله عدم التحصين الأخلاقي لمواجهة هذه الموجات الجارفة من ألوان الجنس المحرم، كل هذه المؤشرات تنذر بالخطر، وتضع أولياء الأمور ورجال التربية والتعليم والمصلحين الاجتماعيين في حيرة من أمرهم.
هناك من يقول: إن الأطفال الآن أصبحوا يعرفون من أمور الجنس ما لا يعرفه الكبار، ولكن المقصود ليس المعرفة السطحية المبنية على معلومات غير صحيحة، بل المقصود هو التثقيف الجنسي المبني على العلم، وغير الملتبس بأي أفكار سيئة أو ممارسات شاذة، وهذا النوع من التثقيف سيحد حتما من تفشي تلك الأفكار السيئة أو الممارسات الشاذة، ويحمي الناشئين من التضليل الذي يقودهم إلى الانحراف نتيجة الجهل والخوف من خوض غمار الحديث عن الجنس ليصبح ذلك الشبح الذي يقض مضاجع بعض الناشئين، ويولد لديهم العقد النفسية أو الأمراض الجسدية بعد أن يقودهم للانحراف والعلاقات المحرمة. الثقافة الجنسية في إطارها الشرعي مطلوبة، وهذه حقيقة لابد أن يضعها من يعنيهم الأمر نصب أعينهم، فالناس عموما ليسوا بمعزل عن بعضهم، وما قد يمارس في الظلام لن تكون نتيجته إلا الندم، والجنس محور تفكير الكثيرين، وشغلهم الشاغل شاءوا ذلك أم أبوا، وهو سر بقاء الحياة بالتناسل بين الأحياء، في ظل القوانين الإلهية التي لا تعرف الخطأ ولا تعترف بالخطيئة.
أما الجانب الآخر للمسألة فهو العجز الجنسي، والتردد في الاعتراف به، اعتقادا بأن هذا الاعتراف مخجل ويسيء إلى الرجولة، مع أن علم الطب وعلم النفس قد نجحا في علاج معظم حالات العجز الجنسي، والاستعانة بالعلم أجدى من الخوف والخجل والتردد، أو اللجوء إلى المشعوذين والضاحكين على ذقون البسطاء من الناس، وقد يؤدي ذلك إلى خراب البيوت، أو المعاناة الدائمة، وبعد ذلك اللجوء إلى الصيدلية لطلب المنشطات الجنسية على استحياء، وهو دواء لا يصرف إلا بموافقة الأطباء، خوفا على المريض نفسه، والتصرفات الخاطئة في مواجهة العجز الجنسي تعود بنا إلى أهمية الثقافة الجنسية العلمية التي تقي الإنسان في جميع مراحل حياته من مزالق لها أول وليس لها آخر.
إن ثقافة جنسية علمية لابد أن تشاع على أيدي المختصين، وحين تطرح مثل هذه الأمور لابد من مواجهتها بصراحة، لا تجنح إلى ما يخدش الحياة، ولكنها تلتزم بثوابت الدين والآداب العامة.. مستعينة بالعلم في توضيح ما خفي من أمور الجنس، خاصة في ظل غياب الثقافة الجنسية في المناهج المدرسية أو حتى على مستوى الأسرة. مع أن العناية بالثقافة الجنسية هي تأسيس سيفيد مستقبلا لمواجهة أية حالة جنسية تحتاج إلى علاج اعتمادا على العلم وليس على الشعوذة والخرافات التي تتفشى في المجتمع عبر أجياله المتتالية.
التعليقات (0)