هذا ليس سبا كما يتبادر إلى الذهن من أول وهلة، وإنما هو وصف لحقيقة الشيء، فالمتتبع لكلمة مغفل في اللغة العربية يجدها مشتقة من مادة غفل، ومعناها كما ورد في لسان العرب (غَفَلَ عنه يَغْفُلُ غُفولاً وغَفْلةً وأَغْفَلَه عنه غيرُه وأَغْفَلَه: تركَه وسها عنه) والمُغَفَّلُ الذي لا فِطْنة له.
والغُفْل: المُقيّد الذي أُغْفِل فلا يرجى خيرُه ولا يخشى شرّه، والجمع أَغْفال.
والأَغْفالُ: المَواتُ.
وإذا أسقطنا المعنى اللغوي كما مر على حقيقة العلمانيين العرب نجد التطابق واضحا، فهم قد أقحموا أنفسهم في بحث أمور ليسوا من أصحابها، وغفلوا وسهوا عما يجب البحث وإعمال الفكر والعقل فيه، أي أنهم سهوا وتركوا ما لهم إلى مالا حظ لهم فيه، ومن هنا كانت الغفلة وكان الخبط في إصدار الأحكام والنظر للأمور بغير حقيقتها؛ وبهذا قد صاروا مغفلين، أي لا فطنة لهم، والذي لا فطنة له يقلب الأمور ويغير الأحكام ويهرف بما لا يعرف ويردد كلام الآخرين كالببغاء الذي يقلد الأصوات والكلمات دون أن يدرك معناها .
أو أنهم صاروا كالغفل، أي المقيد الذي أغفل، قيدوا عقولهم، وأعملوا أهواءهم ونزواتهم في نصوص مقدسة وأحكام لا تقبل الشك لأنها من الأصول والثوابت التي لا مجال لإعمال العقل فيها.
والغريب أنهم يطلقون اجتهاداتهم الخاطئة تحت راية دعوى الحرية العقلية، والتحرر من سطوة رجال الدين، وترك العنان لكل من هب ودب يفسر نصوص الدين طبقا لأهوائه ونزواته القاصرة لا طبقا للأصول والقواعد المتبعة في تفسير النصوص واستنباط الأحكام، كأن الدين كلأ مستباح للعقول الضالة، وإذا تكلم رجل الدين في أمر من أمور السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أشهروا في وجهه سيف التخصص، وقالوا: انك تعديت ميدانك إلى ميدان آخر، وأقحمت الدين فيما لا صلة له به.
فلماذا إذا تقحمون أنفسكم فيما لا طاقة لكم به، ولا تقدر عقولكم القاصرة ونفوسكم المريضة على إدراكه؟
يا سادة إن الاجتهاد في الدين واستنباط الأحكام ليس حكرا على أحد - كما تقولون- أي لا يختص به لون دون لون، ولا جنس دون جنس، ولا نوع دون نوع، لكن لكل علم وسائله وأدواته، ولكل ميدان رجاله وخصائصه، فإذا استطعتم تحصيل الوسائل وإدراك الأدوات ومعرفة الميدان، فمرحبا بكم مجتهدين مخلصين بالضوابط التي وضعها أهل هذا العلم والمستمدة من الكتاب والسنة، وإلا فلا...
ثم لماذا تقصرون الدعوة إلى تحرر العقل وإعمال الفكر على نصوص الدين فقط؟ لماذا لا تعملون العقل في الماديات ومظاهر الطبيعة؟ إن كنتم أصحاب عقول مبدعة؛ فتسهموا في تقدم بلادكم، لم نسمع عن اختراع قام به أحدكم، لم نسمع عن فكرة صالحة قدمتموها للبشرية؛ تسعد بها، أو تخطو بها خطوات إلى الأمام.
أين مشاريع الإصلاح النهضوية المتكاملة في كل جوانب الحياة؟ أين الممارسات العملية للإصلاح ومواجهة الاستبداد؟ لماذا لا هم لكم إلا الدين ورجاله؟ كأنه عدو بغيض إلى نفوسكم، لا تتركون مناسبة أو محفلا إلا وأغمدتم سيوفكم المسمومة فيه!!
العقل يا سادة له دائرة يعمل بها؛ فأعملوه في دائرته، لا تخرجوه عن دائرته؛ فتفسدوا وتفسدوا، العقل يعمل في عالم الشهادة.. يخترع ويبتكر ما تتقدم به البشرية وتعيش به حياة الرخاء والسعادة، العقل يعمل في دائرة استنباط الأحكام الفرعية من النصوص بمؤهلات لستم لها بأهل؛ بعجزكم عن مواصلة الدراسة في هذا الميدان، أما عالم الغيب فلماذا تقحمون فيه أنفسكم؟ وهو صعب المنال على أشد الناس ذكاء فضلا عنكم..
إنه الغيب الذي يتميز - بالإيمان به- المؤمن من غيره.. سنين طويلة مرت وأجيالكم تتوافد على حياتنا، تنادون بنقد المقدسات والشك في الثوابت، فماذا جنيتم؟ هل جنيتم إلا الخيبة والحسرة؟ وهل تقدمت البلاد بكم خطوة؟ هل أسعدتم شعوبنا؟ وهل قدمتم لهم ما يكفل لهم السعادة؟ أين مخترعاتكم؟ أين إسهاماتكم؟
ستقولون إن الغرب تقدم عندما نبذ الدين، وشك في الثوابت والمقدسات، وثار على المألوف، إنكم بذلك تتعامون عن الحقيقة، وتخدعون الناس وأنفسكم، وأنتم تعلمون أن الأخذ بقانون السببية، وتحرير العقل من خرافاتهم التي كان رجال الكنيسة يطلقون عليها ظلما وعدوانا مقدسات، وهى لا تعدوا أن تكون تفسيرات باطلة لمعتقدات أتى عليها التشويه والتزوير والتحريف عبر عصور عديدة وأزمنة مديدة، حتى تركها مسخا مشوها ،يطلقون عليه دينا، يتلاعب به رجال ادعوا لأنفسهم القداسة واحتكار الحقيقة ..تعلمون أن تحرير العقل من ذلك كله هو السبب في تقدمهم.
الإسلام ليس فيه شيء من هذا، فهو دين العقل والمعرفة، فأول كلمة نزلت من كتابه اقرأ، وآيات الدعوة إلى إعمال العقل لا تحصى، لكن أشك أن أحدا منكم قد قرأ القرآن، وإن قرأه فبروح التشكيك والتزوير واقتطاع الكلمات من سياقها وعدم الرجوع إلى أهل التفسير على طريقة " ولا تقربوا الصلاة "، كما فعل سيد القمنى...
أفيقوا أيها المغفلون قبل فوات الأوان !!
التعليقات (0)