العلمانية والليبرالية والإسلام
تٌشكل العلمانية والليبرالية وعلاقتها بالإسلام مٌعضلة تواجه الفكر والتنوير وتنال من العقلانية بشكلٍ مٌباشر , العلمانية نشأت تاريخياً بسبب تسلط رجال الدين على الناس ووقوف السلطة السياسية بجانب رجال الدين الموقعين عن الرب الذين حولوا حياة الناس لجحيمٍ لا يٌطاق انتهى وزال بثورةٍ شعبية على سٌلطة الكنيسة واستبداد الساسة , الليبرالية نشأت من اجل الفرد وحريته وكرامته فهي منظومة متكاملة من الأفكار التي تضع الفرد بمكانته الإنسانية التي يستحقها ويرتضيها تلك المنظومة رأسها الاقتصاد وذيلها المتغيرات الاجتماعية ووسطها السياسة المٌحرك الرئيسي لكل مٌتغير قديماً وحديثاً , هناك فوارق بين العلمانية والليبرالية لكنها لا تٌشكل حجر عثرة فالمجتمع العلماني مجتمع ليبرالي والمجتمع الليبرالي مجتمع علماني وفق القاعدة المثالية ما لله لله وما لقصير لقيصر!
العلاقة بين العلمانية والليبرالية والإسلام علاقة تضاد فالعلمانية والليبرالية كحركتي وعي ثقافي وفكري وسياسي واجتماعي تقف ضد تسييس وادلجة الإسلام وتقف ضد أدلجة المجتمعات وتقف ضد الاستبداد الذي يتعرض له الإنسان مهما كانت المبررات , سبب تأزم العلاقة بين تلك الحركتين الإنسانيتين وبين الإسلام يعود في المقام الأول للفهم الخاطيء لمعاني وقيم ومٌثل تلك الحركتين فالإسلام لم يقف ضدها بل من يحمل الإسلام من الوعاظ ورجالات الدين هم سبب التأزم فهم يرون في تلك الحركتين خطورة عظمى على القيم والمٌعتقدات وكأن القيم والمٌعتقدات هشة لا أسس متينة لها , أيضاً سبب تأزم العلاقة وهذا سببٌ ثانوي هو وقوف أدعياء العلمانية والليبرالية بوجه الحريات الفردية والشخصية فالخلاف يتحول عند الأدعياء لتطرف وحرب مفتوحة فهم لا يؤمنون بحق الآخرين في التعبير والاختيار طالما بقوا ضمن دائرة المخالفين وهذه صورة من صور التطرف الذي لم يعد حكراً على تيار بعينة أو جماعة بعينها , المجتمعات المطمئنة هي تلك التي تسودها العدالة والمساواة ويعلو فيها كعب الحريات الشخصية ويٌصبح حق الاختيار متاحاً للجميع بلا استثناء , العلمانية والليبرالية في حقيقتها لا تقف ضد المعتقدات ولا تٌبيح المحرمات كما يعتقد البعض لأنها وببساطة تقف على الحياد وتترك للفرد حرية الاختيار وفق ما يمليه عليه ضميره ووعيه الإنساني , العلمانية والليبرالية ليستا ضد أحد وليستا مع أحد فهي الأرض الخصبة للحياد والدولة التي تتبنى العلمانية أو الليبرالية تقف على الحياد ويقتصر عملها على الإدارة وتنظيم الشأن العام وحماية حقوق وحريات الأفراد وفق القانون المجمع عليه شعبياً وهنا تظهر وظيفة الدولة الحديثة " الإدارة والتنظيم " فلا أيديولوجيا طاغية ولا أيديولوجيا تتبناها الدولة والنظام السياسي الحاكم , كثرت النقاشات حول العلمانية والليبرالية وانتشرت المؤلفات والكٌتيبات المضادة لذلك النوع من الفكر الإنساني المٌتحضر والعلة في مجملها فكرية بدوافعِ سياسية ؟ وهذه معضلة المجتمعات العربية التي تسير وفق إرادة السياسي ومن سار بركبه من قوى الضغط الاجتماعي وعلى رأسها رجالات الدين الذين لا يخشون في الله لومة لائم كما يقول المتعصب لأرائهم !
مجتمعاتنا العربية بحاجة لوعي حقيقي وجاد وبحاجة لجرعات تنوير تٌضيء لها الطريق فبقائها بدائرة الايديولوجيا الضيقة القومية أو الدينية أو العشائرية أو أياً كانت يعني بقاءها بدائرة التخلف ومحاربة المناهج الإنسانية السوية التي لولا العقل ما وجدت على أرض الواقع فتفكروا في ذلك يا أولي الألباب لعلكم من مشاكلكم تتخلصون ؟
التعليقات (0)