مواضيع اليوم

العلمانية والدين ... حين نحاول الالتفاف

طارق عويدان

2009-06-01 19:05:25

0

العلمانية والدين ... حين نحاول الالتفاف

لن أخفي بداية أنني بحثت كثيرا عن النقطة التي يمكن أن أبدأ بها لطرح الإشكالية التي تتقاذفها أفكاري منذ زمن ليس بالبعيد , وقد اخترت أن أبدأ من الفكرة الأساسية لهذه الإشكالية رغم أنها ستضعنا مباشرة في خط المواجهة.

سأسمي الفكرة هنا الالتفاف من أجل تحقيق أيديولوجيا معينة .

عندما بدأت البحث في أطروحتي في هذه الدولة "فرنسا" كانت العلمانية من المسائل الأساسية التي يجب أت أتناولها بالدراسة وذلك لعلاقتها الجوهرية بموضوع الأطروحة , ولايخفى عنا ما أحدثه ويحدثه دائما موضوع كالعلمانية . ونجد أنه على الرغم من مضي ما يناهز المئة عام على صدور القانون الخاص بالعلمانية في فرنسا عام 1905 إلا أن تطبيق هذا القانون ما زال يشغل الرأي العام على مختلف الأصعدة ولا سيما التعليمي , ولذلك شهدنا صدور قانون آخر عام 2004  متعلق بمنع وضع الرموز الدينية الواضحة للعيان في الأروقة التعليمية حتى المرحلة الثانوية في المدارس الفرنسية.

طبعا أدرك مسامعنا جميعا ما أثاره هذا القانون من جدل على جميع المستويات وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي بالنسبة لفرنسا , وطبعا الجدل الأساسي كان مرتبط حول أن هذا القانون يشمل حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس على اعتباره وفق القانون واحد من الرموز الدينية الواضحة للعيان ( كالصليب والقبة وكل ما يتعلق بماهو ديني).

لن أتطرق هنا حول الإشكالية المتعلقة بمشروعية اعتبار ارتداء الحجاب موازي لارتداء الصليب أو القبة أو غيرها , فذلك موضوع متشعب يستوجب طرحه منفردا. ما يهمني هنا غطاء هذا القانون المتمثل بالعلمانية على اعتبار أن الدولة الفرنسية تقوم على مبادئها وتنادي بتطبيقها.

ربما يحضر البعض التساؤل حول أين تكمن الإشكالية إذن طالما أننا لن نعالج القانون الخاص بالرموز الدينية , في الحقيقة الإشكالية تكمن في اتخاذ العلماينة مطية لتحقيق بعض ما يسعى إليه البعض من خلال الالتفاف على ما تعنيه العلمانية كمصطلح .

لابد هنا من الوقوف على المسمى بحد ذاته أي العلمانية وأود الإشارة إلى أن هذه المفردة عانت دائما من كاهل الترجمة حيث لايوجد لها مرادف حرفي في أي لغة على الإطلاق غير الفرنسية طبعا طالما أنها من صنيعة الفرنسيين أنفسهم , لذلك نجد لها مرادفا بالعربية إما علمانية كما هي أو فصل الدين عن الدولة أو اللادينية, مع العلم أن المصطلح نفسه تمت صناعته لاحقا وابتدأ الموضوع بطرح فكرة فصل الدين عن الدولة, والكلمة غير قابلة للترجمة حتى إلى الإنجليزية والألمانية أو غيرها.

للخروج من هذا المأزق لابد إذن من توضيح ما تعنيه العلمانية على مقاييس علماء الغرب اللادينية حيث أنها "نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين ", و انطلاقا من اعتبار أن العلمانية ممارسة سياسية , فهي تستهدف تفكيك العلاقة القائمة بين الديني، والسياسي، في الممارسة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وفي مجمل الممارسات القائمة في الواقع، وعلى مستوى الفكر، وفي أفق الوصول إلى قيام دولة لا علاقة لها بالدين. وهو ما يؤكد الطابع السياسي للعلمانية. "محمد حنفي"

وفيما يتعلق بالعلاقة بين كل من العلمانية والدين , فعلاقتها بالدين قائمة على أساس اعتبار الأخير شأنا فرديا، لا علاقة له لا بالأمور الاقتصادية ولا بالاجتماعية، ولا بالثقافية، ولا بالمدنية، ولا بالسياسية. والعلمانية لا يمكنها أن تدخل في تناقض مع الدين كشأن فردي، وكحق من حقوق الفرد، التي لها علاقة بحرية المعتقدات، ومهما كانت هذه المعتقدات، بل إن العلمانية تحرص على تسييد هذه الحرية، التي تضمن لكل فرد أن يعتقد ما يشاء، ما دام ذلك يخصه.

لن أسترسل أكثر في شأن تعريف العلمانية فمعظمنا يعلم كثرة التعريفات ويعي أنها تصب دائما في الإطار ذاته الذي ذكرناه , وحول هذه النقطة المتمثلة بالعلاقة بين العلمانية والدين يتمحور نقاشنا, وربما نستطيع توسيع افق الفكرة من خلال توضيح العلاقة بحقوق الإنسان , فالعلمانية، وحقوق الإنسان، وجهان لعملة واحدة على المستوى النظري، وعلى مستوى الممارسة اليومية. وإذا كانت هناك خصوصية للعلمانية، فإن هذه الخصوصية تتمثل في كونها ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى، والطابع السياسي نفسه يتجلى من خلال العمل على فرض احترام الحقوق السياسية.ولذلك، فالعلمانية هي الوجه الكاشف عن علاقة السياسي بالحقوقي، كما يتجلى ذلك من خلال المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان العامة، والخاصة.

فاحترام حقوق الإنسان المختلفة قرار سياسي، قبل أي شيء آخر، وهذا القرار السياسي لا يتم إلا في إطار دولة تسعى إلى أن تكون دولة للحق، والقانون، التي تقوم على أساس دستور ديمقراطي. ودولة من هذا النوع، لا يمكن أن تكون إلا دولة علمانية. والدولة العلمانية لابد أن تكون محترمة لحقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية, والمدنية، والسياسية. وإلا فإنها ليست كذلك. وبالعودة لدولة مثل فرنسا وتحديدا حول القانون المتعلق بمنع وضع الرموز الدينية الواضحة للعيان نرى التناقض يبدو جليا بين مبادئ العلمانية وهذا القانون.

فعندما تعني العلمانية ضمان حرية المعتقد , لا يمكن لها في نفس الوقت أن تصادر حق ممارسة المعتقد . كيف يمكن أن أمنح الفرد حقه في اعتناق المسيحية وبنفس الوقت ألغي حقه في ارتداء قلادة تحمل الصليب ؟! هنا يكمن الالتفاف في تطبيق العلمانية , وبوبيرو نفسه وهو مفكر فرنسي مختص بشؤون العلمانية وكان عضو بالهيئة التي ناقشت صدور قانون 2004 عبر وبوضوح عن هذا التناقض الذي يكتنفه المصطلح وآلية القانون المتعلق.

إذن في هذا الإطار تتحول العلمانية إلى مطية لتحقيق مآرب محددة في فضاء الرؤية المجتمعية العامة , فرغم توجه الدولة الفرنسية في مساراتها الحياة الاجتماعية والسياسية والتربوية على إيقاعات التصورات العلمانية , إلا أن هذا القانون أوقعها في فخ التناقض الثنائي الغير مبرر. فحيث أن الحرية الدينية مصانة بالدستور ورغم أن الدولة العلمانية لا تعترف بأي عقيدة دينية ولكنها مع ذلك تضمن حرية الممارسات العامة وهذا يشمل الحرية الدينية. وهنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن واجب الدولة "العلمانية" هو ضمان الحريات العامة، وهذا المبدأ بذاته يشكل أحد أركان العلمانية وهو يتناقض مع ما جاء في نص القانون الذي صدر باسم "العلمانية" والمتعلق بالرموز الدينية .

لقد حاولت أن اطرح الإشكالية المتعلقة بالعلمانية في هذا الإطار وربما تستحضرني في الوقت ذاته الإشكالية المشابهة والتي تتعلق بالدين , ما أريد الإشارة له هو الإشكالية المتعلقة بالتفافنا على كل منهما من أجل تحقيق مآرب محددة , ولكم عانى الدين من أولئك الذين استخدموه لتحقيق أهداف محددة باسمه وها هي العلمانية تعاني من الإشكال نفسه.

لا أدين هنا العلمانية كفكر فهي إن طبقت دون التفاف ربما ترقى بالإنسانية وتحقق ما أريد لها إن كان فعلا أريد لها أن تحققه بحيادية , ولكني أيضا لاأدين الدين لأنه إن طبق كما أراده الله لارتقينا بالبشرية إلى الأسمى ولعلنا حينها ما كنا بحاجة للبحث عن أيديولوجيا لفصله عن نواحي الحياة الأخرى , المشكلة فيمن يطبق وليس في الدين نفسه أو في العلمانية نفسها , ولا أطمع أن تحل هذه الإشكالية , إنما أطرحها من باب حق النقاش وطرح الأفكار على اعتبار أنني أؤمن بحق الاعتراف بالآخر وحق الاختلاف الذي يمنحني حق طرح ما أفكر به .





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !