مواضيع اليوم

العلمانية من الإسلام

kamal kasem

2011-09-08 10:10:32

0


قد يستغرب الكثير من القراء لهذا العنوان، وسيتساءلون حتما هل يفصل الإسلام الدين عن الدولة؟ كما هو تعريف العلمانية المختزل من قبل الإسلاميين، وسيرددون في أنفسهم إن الدين الإسلامي (وكأنه دين محمدي فقط لا دين الأنبياء جميعا) جمع بين الدنيا والآخرة، أي بين الدنيا والسياسة والآخرة وأحكام الدين.

نقول للقارئ الكريم قبل أن نخوض معه في تحليل العلمانية في الإسلام يجب عليه أن يعرف ماذا تعني العلمانية في مفهومها الشامل لا المختزل من قبل المعارضين لمنهجها الفكري من الإسلاميين وهم من يهمنا نقض تعريفهم المغلوط المغرض الذي يقول أن العلمانية هي ((فصل الدين عن الدولة)) بهذا التعريف الساذج؛ لأننا في صدد تعريف العلمانية الإسلامية التي ينفونها عنها بصفتهم حامين الحمى أي حمى الإسلام، وهذا ما يرفضه الإسلام ويرفضونه هم أيضا عند النظر في تأيديهم المنقطع النظير للثورة ضد أسر الإقطاع ورجال الكنيسة ورفضهم الكهنوت الذي للأسف الشديد تلبسه فقهاء الإسلام بعد النكسة التي مني بها الإسلام من أثر إلغاء حكم الجماعة على يد معاوية، إن نهوض مفهوم العلمانية إبان الصحوة التنويرية في أوربا هو الأمر الذي يمثل الإسلام في طرحه العام تجاه التحرر من القيود والتسلط في الفهم والقراءة وامتلاك الحقيقة المطلقة، وهو ذاته الأمر الذي يحاربه من ينتمون للإسلاميين خشية سلبهم السلطة والحاكمية التي أرجعت العالم الإسلامي إلى عصور الظلمات التي كانت تعيش فيها أوربا قبل اكتشافها لروح الإسلام العملي بين البشر المتمثل في ما اصطلح عليه اليوم بالعلمانية دون التطبيق لروح الإسلام الخلقي بين العبد وربه، وهو اصطلاح منقوص من الناحية التعريفية حيث أن العلمانية هي مزيج من تطبيق روح الإسلام العملي والخلقي لا الإنفراد بإحداهم كما هو الحال في الغرب اليوم.

تعرف العلمانية كما قلنا من قبل عند الإسلاميين بأنها فصل الدين عن الدولة، وهذا هو التعريف المغرض، أما تعريفها الذي يبين شمولها يقول: ((مفهوم سياسي اجتماعي نشأ إبان عصور التنوير والنهضة في أوروبا.عارض ظاهرة سيطرة الكنيسة على الدولة وهيمنتها على المجتمع وتنظيمها على أساس الانتماءات الدينية والطائفية ورأى أن من شأن الدين أن يعنى بتنظيم العلاقة بين البشر وربهم ونادى بفصل الدين عن الدولة وبتنظيم العلاقات الاجتماعية على أسس إنسانية تقوم على معاملة الفرد على أنه مواطن ذو حقوق وواجبات وبالتالي إخضاع المؤسسات والحياة السياسية لإرادة البشر وممارستهم لحقوقهم وفق ما يرون وما يحقق مصالحهم وسعادتهم الإنسانية)). هذا تعريف العلمانية كما جاء في موسوعة السياسة.

فأنا أسأل أين فصل الدين عن الدولة؟ فقد جاء في تعريفها أنها مفهوم سياسي اجتماعي لا ديني، أي (كيان دولة) عارض سيطرة الكنيسة الحاكمة باسم الرب، أي عارض الظلم والجور والتسلط والاستبداد والاستئثار والاضطهاد، وهذه الصفات يرفضها الإسلام بالنصوص لأهل النصوص وبالعقول لأهل العقول، وللأسف الشديد هذه الصفات التي تعارضها العلمانية هي السائدة في المجتمع الحاكم الإسلامي نتيجة مفهوم التراث الإسلامي لحاكمية السلطان (دولة الإسلام)، أما الهيمنة أي هيمنة رجال الدين فهي بلا شك واضحة وملموسة في الحياة العامة والخاصة في مجتمعنا العربي والإسلامي ومن يستطيع أن ينكر هذا؟! فما هو بين العبد وربه أصبح بين العبد وربه مرورا بموافقة زبانية الحكام وفقهائهم، وما هو بين العبد والعبد في النظر والاختيار يهيمن عليه من بيده مقاليد الحكم والحديد والنار، أما التنظيم على أساس الانتماءات الدينية والطائفية فهذا بين للجميع فهؤلاء الشيعة والسنة والصوفية والقومية العربية والكردية و...الخ وتاريخنا الإسلامي خير شاهد على مأساة الأقليات الدينية والطائفية.

أما رأي العلمانية وهو رأي الإسلام _ لا دولة الإسلام التي لا وجود له في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله _ بلا شك أن تكون العلاقة الدينية بين المرء وربه لا بين العبد والحاكم أو الفقيه وربه، والنصوص القرآنية شاهد على ذلك، ولكن الإسلاميين أبو إلا أن تكون لهم الكلمة الفصل دون غيرهم فيما قال الله حسب فهمهم وتأويلهم أو جمودهم على النصوص من غير نظر ولا تفكير، مستوحين الأحقية في هذا ممن سبقهم في القول تقليدا لا بحثا وتمحيصا، معتبرين من سواهم لا يفقه شيء إلا إذا وافقهم أما المخالف لهم فلا يعتد بقوله، بل الألقاب من الكافر إلى الفاسق مرورا بالمبتدع ستكون من نصيبه التي قد تجرؤ أحد الأتباع أو المقلدين الجهال بتنفيذ فتوى لمقلد جاهل بإهدار دمه، وما ذلك إلا لإرضاء رغبات آلهة الأرض المنصبة في دواوين السلاطين والمساجد والمنابر والإعلام مطبقين في ذلك مفهوم التوحيد الفهمي لكتاب الله تعالى، وبذلك شاركوه فيما انفرد به من الصفات سبحان وتعالى.


أما زيادة العبارة القائلة ((فصل الدين عن الدولة)) في تعريف العلمانية فهي في حقيقة الأمر دفعت دفعا في هذا التعريف ليضمن فقهاء ومفكرو النظام الحاكم عدم سلبهم سلطاتهم التي تعطيهم حق الاستبداد والاستئثار والاضطهاد للشعوب المحكومة بالحديد والنار باسم الدين والدفاع عنه، وإن أحسنا الظن بمن عرف هذا التعريف نقول أنه قصد بفصل الدين عن الدولة أي فصل سلطة رجال الدين بدينهم المصطنع المحرف والمفصل طبقا لحاجاتهم المتنوعة كما في الكنيسة والمسجد ففي الإسلام يقف رجال الدين خلف وأمام الحاكم بأمر الله الحاكم المسلم ليشرعوا له بما توفر له من أدوات التحريف وهي الحديث النبوي أو السنة كما شاع بين المسلمين كل ما يخالف الكتاب المبين نصا ومفهوما وإشارة بدعوى النسخ والحق في التشريع، وفي حالة المسيحية يقف رجال الدين خلف وأمام النظام الإقطاعي _ السائد في العالم الإسلامي اليوم بعد أن جاء الإسلام ليحرر العرب من العبودية والاستبداد والذل والهوان والجاهلية الأولى _ الذي تربطه برجال الدين (الكنيسة) علاقة بقاء يكون مصيرها الزوال إن جرد منها، شأنه في ذلك شأن ما عليه الإسلام ورجال دينه اليوم.

أما كون العلمانية تدعو إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية على أسس إنسانية تقوم على معاملة الفرد على أنه مواطن ذو حقوق وواجبات وبالتالي إخضاع المؤسسات والحياة السياسية لإرادة البشر وممارستهم لحقوقهم وفق ما يرون وما يحقق مصالحهم وسعادتهم الإنسانية، فأين مخالفة الدين في هذا؟ وهل الدين إلا حرية الاختيار؟!! أليس للمسلم حقوق وواجبات؟ في الحقيقة الجواب على هذا من الواقع المعاش يكون كالتالي: الحقوق والواجبات عليه تجاه الله وخليفته في الأرض عبر وكالة شرعية انتزعها له فقهاؤه ليحكم بأمره فيما يخص العباد من أمور دينهم التي بينهم وبين ربهم وفي تفسير حكمه كما يرى فقهاؤه ورجال دينه، ولكن هل له من الحقوق والواجبات من قبل الحكومات؟!، الجواب ببساطة لا، على الأقل في العالم الثالث والعالم الإسلامي خاصة والعربي بأخص الخصوص، وهو العالم الذي حظي بما لم تحظ به الأمم السابقة من كمال قبل تحريفه في التطبيق لا المضمون وثبات التحرر من القيود كما في الإسلام.

أما الحياة السياسية فهي لا تخص العامة من الناس لأن الله قد اصطفى -حسب ظنهم وربما يقينهم الموروث- من عباده من يقوم بهذا، ضاربين عرض الحائط النصوص القرآنية وسيرة النبي وصحبه التي لا تخالف العقل والكتاب المبين إذا أن كثير من كتب السيرة بها من الحشو مالا يطيقه العقل والكتاب. بل إن الخوض في السياسة يعتبر من الكبائر عن بعض المسلمين، أضف إلى ذلك التعتيم المطبق على العلوم السياسية من قبل أعلام المسلمين الذين برعوا في كل العلوم وخاصة تلك التي اقتبسوا منها من كتب اليونان، فلا نراهم أولوا اهتمام لكتاب سقراط ((السياسة)) ولا كتاب ((أفلاطون))، وتركوا المكتبة الإسلامية خالية من هذه العلوم، ثم يأتي من لا يعقل ويقول أن العلمانية فصل الدين عن السياسية، وهنا يجب السؤال من الذي فصل الناس عن السياسة الحاملين لهذا الدين الاختياري؟ أما أن الدين لا يحشر في شيء إلا ليكون السبيل إلى كرسي السلطة والملك العضود؟!!!.

قالوا أن الإسلام بني على خمس الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج. ونحن نقول أن الإسلام أكمل وأشمل مما يدور بين العبد وربه، فالإنسان مستخلف في الأرض لإعمارها فكيف يكون الإعمار بالإسلام وكل الإسلام يخضع لهذه الأركان الخمس التي مكانها المحراب للمتعبد الرسمي والأرض بأسرها للمسلم العادي؟!! هناك أمور ثلاثة غيبها ملوك وسلاطين المسلمين وأصبحت من الأمور المنسية، بل وأصبحت من الأمور المحظورة دينيا بفعل تأصيل المفكرين الذين غيبوا عن الساحة السياسية في العالم الإسلامي نتيجة الخوف والاضطهاد ألا وهي على الترتيب في أولويتها العدل والحرية والمساواة.

فما سبق الرد عليه كان على ما اصطلحوا على تعريفه، أما تفصيل القول في تعريفهم القائل بفصل الدين عن الدولة من وجهة نظر الإسلام فهي كما يلي:
تعريف الدولة:


إن من مكونات أي دولة خمسة عناصر بدونها لا تكون الدولة:


1. الأرض، وحدودها الجغرافية.
2. الشعب، بمختلف أعراقه ودياناته وثقافاته.
3. الدستور، الذي يختاره الشعب، ديني قابل للتقنين، أو وضعي على أسس عقلية عرفية اجتماعية.
4. الجيش، الذي يحمي البلاد من أعدائها الخارجيين، على غرار الجيش السويسري، وهو الجيش الشرعي للشعب لا الحكام.
5. الحكومة المنتخبة، ديمقراطيا، شوريا، أي جماعيا ذكورا وإناثا كبارا و صغارا.

تعريف الدين:
الدين هو رسالة السماء لأهل الأرض، ليعلموا حكم الله فيما ارتضاه لهم وهي أحكام غير دائمة، لأن الدوام من صفات الله، وهي تخضع للتطور التاريخي والاجتماعي والمعرفي والثقافي للإنسان، كما أن الدين أيضا ينظم العلاقات الاجتماعية بين الناس من طلاق وزواج ومواريث...الخ ويكفل حق المستضعفين في الأرض، ويعلمهم الصلة التي يجب أن تكون بين العباد لا العبيد وربهم من صلاة وزكاة وحج ...الخ.

ما يربط به الإسلاميون بين الدين والدولة هو الدستور، فيقولون (دستورنا كتاب الله) دون الأخذ بالاعتبار الحاجة في تفصيل القول في هذه المقولة التي سلطت الحكام على شعوبها باسم الدين فجردتهم من حق المشاركة في السياسة من ترشيح وانتخاب والحرية الدينية من إنشاء مساجد أو كنائس...الخ وأعطت الحكام الحق الإلهي بتنصيب أنفسهم خلفاء لله والحكم فيهم كما أراهم الله مستغلين في ذلك ما فصله لهم فقهاؤهم من تقسم الإسلام إلى فقه عبادات وفقه معاملات.

وقد ركزت السلطة الحاكمة في الممالك الإسلامية - لا الدول التي لا صلة لها بالدين- لاحظ الفرق، على شق الفقه التعبدي للدين، وهو كما سبق وأن أشرنا أنه علاقة صلة بين العبد وربه، ليس لأحد المروج والدرج فيها، لتغيب عن الفرد المسلم حقه في الاستقلال والإرادة فيما بينه وبين ربه الأمر الذي كان له الأثر الكبير في بنية العقل المسلم تجاه الحاكم الذي سلم له حقه في إدارة الدولة فضلا عن حقه فيما بينه وبين ربه.

أما فقه المعاملات والذي يعد من أهم مقومات التعامل في الدولة والفرد وهو أمر قد همش تهميشا خطيرا من قبل الحكام، لكي لا يكون للناس علم بما لهم تجاه الدولة، ويشغلوهم بمسائل الحيض والغسل ولمس المرأة والصلاة والمكروه والمستحب من الدين، بل الأمر الأخطر من هذا، إذ أن هذا الفقه بشقيه أصبحا تابعين للسلطان بنصوص وضعوها وأخرى حرفوها عن معناه الأصلي فأصبح القضاء الذي يشمل ضمن مظلته هذه الأمور تابعا للسلطان الحكام بأمر الله تعالى، بعيدا عن الاستقلالية في الحكم والقرار والتشريع والاجتهاد، مجردا إياه من الحق في مقاضاته أو أحد أعيانه أو خدامه، خلافا لما كان عليه القضاء من استقلالية في صدر الإسلام.

ونستنتج من هذا أن القضاء في الإسلام كان مستقل استقلالا شاملا بدليل كونه الممثل الوحيد للدستور، الذي يحمي حقوق المواطن، الذي هو أحد مكونات الدولة وليس من مكونات الحكومة التي هي أحد مكونات الدولة كما سبق و أن بينا. فالقول بأن العلمانية تفصل الدين عن الدولة تعريف غير دقيق، ففي المثال الإسلامي القرآن هو الدستور والدستور له مشرعون يقننون له ويرسمون طريقه المستنبط على الوفاق بين القائمين على هذه المؤسسة الدستورية، وهي ليست منفصلة عن مكونات الدولة ولكنها مستقلة عن إدارة أحد المحركين للدولة ألا وهي الحكومة المنتخبة ديموقراطيا، فالذين يصرون على أن العلمانية تفصل بين الدين والدولة ليهيجوا مشاعر المسلمين الغافلين، يريدون أن تكون الحكومة (السلطة التنفيذية) مسيطرة على الدستور (السلطة التشريعية) وفي حالة الإسلام القرآن غير التعبدي الذي يضم تحت مظلته الأركان الثلاثة العدل و الحرية و المساواة المغيبة من قبل الحكام والسلاطين المنتمين للإسلام، في حين أن الإسلام ونصوصه لا يسيطر أحد على معطيات كتابه المقدس في ما يخص الدسترة إلا بالاتفاق بين المتخصصين المنتخبين من قبل الشعب الذي يتكون من شرائح متعددة الديانات واللغات والثقافات استطاع الإسلام بعالميته احتواهم بما يحمله من أركان هي محل قبول ورضاء الجميع لأن مصدره الخالق العليم بخلقه أجمعين. فهل نقبل العلمانية (لا الغربية القائمة على رأس المال) وإنما مفهم العلمانية الإسلامية التي اقتبس منها الغرب مفهومها ولكن حرفها ليخدم مصالح رأس المال على حساب القيم وحق الجماعة، التي جاء الإسلام و الكتاب يدافع عنهما ودفع سيطرة الأشخاص على معطيات الكتاب التي هي رحمة للناس أجمعين، أما نرد ما يمليه الشخص الواحد الواهم بكرسي العرش أنه إله الأرض والناس على عواطف المسلمين من التمسك بكتاب الله الذي يسيطر عليه ويؤله كيفما يشاء حسب حاجاته ورغباته بأذنابه من فقهاء السوء؟!!، والتاريخ خير شاهد و الحاضر ليس ببعيد.

إن مكونات الدولة التي سبق و أن ذكرناه يعمل كل منها في سمائه وفضائه المخصص له فالحدود الجغرافية محفوظة دوليا ويحافظ عليها الجيش (الذي هو من أبناء الشعب لا زبانيته) الذي يتبع سياسة الحكومة المنتخبة ديموقراطيا (أي الشعب) فيما لا يخالف الدستور الإلهي الذي فضل الإنسان على سائر خلقه والدستور الوضعي الذي قنن وحفظ الحقوق والواجبات للجميع، لا كما هو الحال في كثير من الممالك العربية والإسلامية وبعض من أصابهم داء الملك والسيطرة من تسليط الجيوش والعسكر لخدمة حفنة من الناس المستبدين بالسلطة عنوة وقهرا والمسخرين لثروات البلاد المستأثر بها لتموين هذا العصابات الدولية التي ولأوهها للدرهم والدينار من الذهب والفضة لا لله والشعب والدستور.


أما الشعب فيعمل ويتعايش مع بعضه البعض على أساس المواطنة التي تكفل مساواة الحقوق واختلاف في الواجبات نسبياً بين أفراد الشعب رجالا ونساء كبارا وصغارا عاقلا أو ا لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى عند الله أما عند البشر فحقهم مكفول في العمل والدين - الذي ليس من مكونات الدولة- والمذهب والفكر والثقافة واللغة...الخ بما نص عليه الدستور الإلهي والوضعي المفقود في عالمنا الإسلامي والمتواجد في بلاد من ينعتم بعض المسلمين بالكفار، أما الدستور فهو ما يختاره الناس طوعا مسلمهم و مسيحيهم ويهوديهم ...الخ إما من أصل ديني يتفقون عليه أو من أصل عقلي وكلا الأمرين أمرهما ومردهما إلى الله ولكن الخيار يكون للشعب الذي سيسأل يوما عما أختار وفعل، فمن غير المعقول أن يسمح الله تعالى للإنسان بالخيار في الدخول في الإيمان أو الكفر دون أن يعطيه الخيار في قبول النظام الذي يعيش فيه والدستور الذي يطبق عليه، فإذا رفض الإسلام بالخيار فكيف يطبق أحكامه عليه؟ إذا ما الدين إلا دين دون دولة، وبهذا المنهج الإسلامي البسيط يضمن الجميع حقهم في التشريع المدني بعيدا عن إملاءات القياصرة والأكاسرة والسلاطين والباباوات المعممة التي تستخدم الأحكام القرآنية أو الإنجيلية أو التوراتية في تيسير أمورها فرد سلطتها على الناس باسم الدين.

أما الحكومة المنتخبة فهي لا تتعدي كونها مجلس إدارة يدير مصالح الشعب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بما تمليه عليهم وعودهم ومشروعاتهم التي قدموها للناخب أثناء حملتهم الانتخابية، مع حراسة الدستور وعدم انتهاكه للبديهيات من الأمور مثل العدالة والحرية والمساواة من جانب الحكومة. أما أن تحاول الحكومة أن تسيطر على مكونات الدولة باسم الدين (الجهاد) بأن تسعى لتوسيع حدودها على حساب حدود الدول الأخرى أو أن تحجر على الشعب حرية الفكر والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وحرية الكلمة والصحافة الحرة والعدالة الاجتماعية بجميع أنواعها والمساواة في توزيع الثروة بين المواطنين لا لحساب الطبقات والأسماء والقبائل والأقارب كما هو الحال في وطننا العربي والإسلامي، أو أن تفرض دستور بعينه يخالف رأي الأكثرية باسم الدين المسيس بالعقيدة أو المذهب أو الطائفة أو العائلة أو أن يعطل الدستور القائم باسم الشعب بدعوى الحفاظ على الدولة وهو ما يعرف بقانون الطوارئ أو الأحكام العرفية، فما هذا إلا الظلم بعينه للشعب بأسره، أو أن يسخر نواة المجتمع الدفاعي للهجوم على الشعب ومقدرات الأمة بأسباب لا يقبلها إلا من خاف على نفسه وولده من سطوت رجال القبضة الحديدية والدين الموالين للحكومة أو بالأحرى الحكومة نفسها، فكل هذا لا يصح أن نقبله باسم الدين، إذ الدين خلافه بالكلية وسنفصل المقال في هذا لاحقا.

إن فلسفة العلمانية تتجسد في حماية ما يختاره الناس في التحاكم إليه بغض النظر عن محتويات ومصدر هذا التحاكم أهو ديني أم وضعي، بعيدا عن الخداع بما روج له من أفيون الشعوب واللعب بمشاعرهم وعواطفهم الدينية خدمة لسياستهم السلطوية الاستبدادية.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !