العلمانية مدخلاً لإشكالياتنا المستعصية
كمال غبريال
الحوار المتمدن - العدد: 3511 - 2011 / 10 / 9
المحور: ملف حول قيام الدولة الفلسطينية و القضية الكردية وحقوق الأقليات وحقها في تقرير المصير في العالم العربي
1 – أيهما أهم برأيك، بناء دولة مدنية على أساس المواطنة بدون تمييز قومي أو ديني واحترام حقوق جميع القوميات والأديان، أم بناء دول على أساس قومي و أثنية ، بغض النظر عن مضمون الحكم فيها؟
الدولة القومية والإثنية صارت الآن جزءاً من الماضي، ففي عصرنا الذي تسهل فيه حركة الأفراد، ويتدفق فيه البشر من مواقع الندرة والفقر إلى مراكز الوفرة والتقدم، لا يمكن قيام الدولة على أسس عنصرية، علاوة بالطبع على أن النقاء العنصري لأغلب الكيانات السياسية بالعالم هو مجرد أسطورة أو ادعاء، وبالتالي يكون الوطن ملك لمن يعيش عليه، والدولة كنظام في خدمة الجميع بلا تمييز بين الملاك على أي أسس عنصرية.
2- كيف ترى سبل حل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام عادل يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وفقا للمواثيق الدولية ومقررات الأمم المتحدة؟
سنكون على بداية الطريق لحل المشكلة الفلسطينية يوم تكون المشكلة في تصورنا ليست فقط ضمان الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وإنما لجميع البشر المتواجدين هنا والآن على هذه الأرض، ونتخلى بالتالي عن التصور الذي يقف حجر عثرة في سبيل التعايش والسلام، وهو أن الأمر صراع بين صاحب الأرض وبين سارقها. . لو بدأنا من النقطة الصحيحة، فسوف تجد الخلافات المادية طريقها للحل، كما وجدت جميع شعوب العالم حلولاً لمشاكلها مع بعضها البعض.
3 - كيف تقيّم الموقف الأمريكي والدول الغربية المناهض لإعلان دولة فلسطينية مستقلة بعد خطوة الزعيم الفلسطيني وتوجهه إلى الأمم المتحدة لتحقيق ذلك؟
تقييمي الشخصي أنهم قوم عمليون، يسعون لتحقيق نتائج على الأرض، وليس الهيام بالمطلقات كما العقلية العربية، هم يسعون ومعهم إسرائيل ذاتها لإقامة دولة فلسطينية، لكن كيف يتم تحقيق هذا على أرض الواقع، وبالصورة التي تؤسس لسلام حقيقي؟. . هذا هو التساؤل الجدير بالبحث، والتسرع بالقفز فوق هذا السؤال لن يؤدي لصالح لا الفلسطينيين ولا الإسرائيليين. . فليتفق الأفرقاء أولاً على ماهية هذه الدولة وعلاقتها بجارتها اللدودة، بعدها يكون السعي لتحقيق الاعتراف بكيان حقيقي أمراً منطقياً ومقبولاً من الجميع.
4- ــ ما هي برأيك الأسباب الرئيسية للموقف السلبي من قبل الدول الكبرى تجاه إقامة دولة كردية مستقلة، تجمع أطرافها الأربع في دول الشرق الأوسط ، وهو مطلب شعبي كردي وحق من حقوقهِ ، ولماذا يتم تشبيه الحالة الكردية على أنها إسرائيل ثانية من قبل بعض الأوساط الفكرية والقومية في العالم العربي ؟
رأيي الشخصي أن الحل النهائي والحاسم للمشكلة الكردية هو تكوين دولة كردية تشمل كل أكراد المنطقة، ففي هذا الحل صالح الجميع، أي صالح الأكراد وصالح الدول التي تضمهم، وتعاني الأمرين من مشاكل مزمنة لا يبدو لها نهاية إلا بدولة خاصة بالأكراد.
موقف الدول الكبرى هنا أيضاً موقف عملي، يحسب حساب الهدف أو الحل وثمنه الباهظ، نظراً للعقلية الفاشية التي تحكم الدول والشعوب بالمنطقة، وهو ذات موقف هؤلاء من إسرائيل وجنوب السودان.
لا أرى بالطبع غضاضة في تشبيه القوميين العرب للقضية الكردية بإسرائيل، فالأمر بالفعل متشابه، بل وأتعجب أن يكون للأكراد الباحثين عن حريتهم واستقلالهم موقفاً سلبياً من أقرانهم اليهود في إسرائيل!!
5- هل يمكن للتغیّرات الراهنة في المنطقة - الانتفاضات والمظاهرات الأخيرة – من أن تؤدي إلى خلق آفاق جديدة أرحب للقومیّات السائدة کي تستوعب الحقوق القومیّة للأقليات غير العربية مثل الأكراد، إلي حدّ الانفصال وإنشاء دولهم المستقلة ؟
هذا ما نأمله وهو كما نتصور مصير مسيرة التاريخ الإنساني، لكننا لا نستطيع القول بقرب حدوث هذا في المستقبل المنظور، فالربيع العربي حافل بالأعاصير الفاشية العروبية والدينية، وبالتالي من قبيل التسرع بالتفاؤل تقرير أنه سيحمل عاجلاً الخير للأقليات أو الأغلبيات، لكننا بهذا الحراك نتجه بالفعل نحو مستقبل تأخرنا كثيراً عن التحرك نحوه.
6- هل تعتقدون بأنّ المرحلة القادمة ،بعد الربيع العربي، ستصبح مرحلة التفاهم والتطبیع وحلّ النزاعات بین الشعوب السائدة والمضطهدة ،أم سندخل مرحلة جدیدة من الخلافات وإشعال فتیل النعرات القومیة والتناحر الإثني ؟
أمامنا مرحلة عصيبة وتفاعلات مجتمعية ساخنة، وقد تصاحبها صدامات مأساوية، لكن الحرية والتحرر من ظلماتنا له ثمن علينا أن ندفعه إذا أردنا الخلاص من حالة الركود أو الموات الممتدة لقرون طويلة. . أياً كان القادم القريب، فإن المستقبل البعيد سيكون بالتأكيد أفضل.
7 - ما موقفك من إجراء عملیة استفتاء بإشراف الأمم المتّحدة حول تقریر المصیر للأقليات القومية في العالم العربي مثل الصحراء الغربية وجنوب السودان ويشمل أقليات أخرى في المستقبل، مع العلم أنّ حق تقریر المصیر لکلّ شعب حقّ دیمقراطي وإنساني وشرعي و يضمنه بند من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ عام ١٩٤٨؟
هذا بالتأكيد رائع ومطلوب، خاصة مع نضوج الأوضاع على الأرض، فتحرر أقلية يلزمه إما وعي الأغلبية، وهو شرط لا يمكن توافره في شرقنا، أو ضعف الكيان السياسي بحيث تكون تكلفة الانفصال في نطاق المحتمل. . لا الأمم المتحدة ولا القوى الكبرى يمكن أن تدخل في صراع رهيب باهظ الثمن من أجل مبادئ وحقوق إنسان، إذا لا بد أن يتوافق تفعيل حقوق الإنسان مع إمكانيات وحقائق الواقع.
8- ماهي المعوقات التي تواجه قيام دولة كردية ، و كيانات قومية خاصة بالأقليات الأخرى كالأمازيغ و أهالي الصحراء الغربية؟
واضح أن العائق الأكبر الثقافة الفاشية السائدة بالمنطقة، يليها أو يترتب عليها طبيعة الأنظمة الحاكمة، التي من الطبيعي أن تتسم أيضاً بالفاشية، لكن هناك نقطة هامة أحب أن أذكرها هنا، وهي أن الكيانات الجديدة المستقلة لا يكفي أن تكون ملبية لرغبة قومية لدى أقلية، إذ يلزم أن تمتلك مقومات دولة، لتكون هذه الكيانات قادرة على البقاء والحياة وتوفير متطلبات الناس الحياتية، وإلا كانت العملية مجرد تشظ بلا طائل، بل قد يفاقم معاناة الشعوب.
أنا شخصياً أقدم المصلحة الإنسانية على سائر الاعتبارات، مصلحة كل فرد، بل وكل كائن حي بما فيها الحيوانات والنباتات في البيئة.
تحياتي
كمال غبريال
التعليقات (0)