مواضيع اليوم

العلمانية ليست ما يراها مغوتي

زين الدين الكعبي

2010-08-22 18:49:31

0

 

 

في أحد المواضيع اللتي طرحها المدون المتألق السيد محمد مغوتي ، واللذي كان بعنوان "عندما ينقلب السحر على الساحر" . أشتعل نقاش أيلافي دخل فيه عدة مدونين أفاضل حول العلمانية .

وقد بدأ هذا النقاش بعد رد كتبته على الموضوع يبين دور العلمانية في تسليع البشر وأيجاد معايير أخلاقية فاسدة نظرا لجعلها من الأنسان مصدرا للتقنين يشرع ما يشاء وفق رؤيته العقلية فقط ، دون الأعتبار لأي خطوط حمراء وضعها الله بأعتباره القوة الأعدل والأعقل على الأطلاق  واللتي لا يمكن مقارنتها بأي شيء في هذا الكون . مدللا على ذلك بلعبة مصارعة الثيران اللتي كانت محور موضوع السيد مغوتي .

حيث جاء في معرض ردي على الموضوع .

" هذه اللعبة الوحشية المنتشرة في اسبانيا والبرتغال والمكسيك والكثير من دول امريكا الجنوبية.. وكذلك العاب دموية اخرى مثل مصارعة الحيوانات مع بعضها كالديكة والكلاب والمنتشرة في دول اسيا كلها تقريبا .هي العاب تبرز أكثر الصفات الحيوانية عند البشر .. وحتى في مجتمعات تمتنع عن توجيه ملياراتها اللتي تصرفها على كلابها وقططها الى جياع افريقيا واسيا اللذين بانت ضلوعهم من كثرة الجوع ويموت منهم العشرات كل يوم بسبب امراض الجفاف ونقص التغذية بحجة حقوق الحيوان ، نجد مثل هذه الالعاب الوحشية وقد اصبحت العاب شعبية .. هذه هي العلمانية اللتي تسلع كل شيء من الانسان وانتهاء بالقتل الوحشي مثل قتل هذه الثيران . فما دام العمل اللا انساني يدر نقود ويصبح صناعة فلتذهب الانسانية الى الجحيم ... هل تعلم سيدي العزيز ان الأسلام يامر بقصر الصلاة في حالة السفر . الا سفر المحرمات ومنها السفر بقصد التلهي بالصيد . اي سفر الشخص غير المحتاج الى طعام للصيد تلهيا وترويحا عن النفس او رياضة كما يقال هذه الايام .. ففي حالة هذا السفر فان الاسلام يامر المسلم بان يتم صلاته باعتبار ان هذا صيد محرم لا انساني وعبثي لا تبرره ضرورة الجوع اللتي تبيح قتل الحيوان لتوفير الطعام الضروي للبقاء على قيد الحياة ... تحياتي وشكري على الموضوع "

وبعد أصرار السيد مغوتي على أن الموضوع اللذي طرحه "واللذي كان عبارة عن تعليق على صورة لماتادور أسباني تعرض لنطحة ثور أدت الى جروح بالغة في وجهه" ليس له علاقة بتسليع العلمانية للبشر والأخلاق ، أستسلم أخيرا الى ألحاحي على علاقة الموضوع بالعلمانية . وقام مشكورا بمسايرتي على مضض ، ليرد علي بالرد التالي .

" كنا بصدد صورة، فأصبحنا نناقش العلمانية. لا بأس يا أخ زين الدين. العلمانية الغربية تتأسس على قاعدتين أساسيتين هما الحرية والقانون المدني. والعلم طبعا هو التجلي الموضوعي للعلمانية. لكن في ما يتعلق ببعض العادات والتقاليد التي تراها منافية لما جاءت به العلمانية فهذا أمر فيه نقاش. و كون المبدأ الأساسي هو الحرية فان كل شخص مسؤول عن أفعاله وتصرفاته. ثم ان مصارعة الثيران التي نحن بصددها تلقى معارضة من أوساط غربية كثيرة، كما هو الشأن في كل المواضيع. والعلمانية فكر وثقافة وليست أسلوبا لمصادرة العادات أو التقاليد. و الدليل أن المسلمين في الغرب يؤدون واجباتهم الدينية بكل حرية بغض النظر عن اللغط الذي تثيره بعض القوانين التي لا تمس جوهر حرية العبادة. لذلك قلت في الرد السابق أن اقحام العلمانية هنا هو في غير محله. وماتحدثت عنه بشأن التحكم الاقتصادي هو أمر صحيح لكن هذا ليس من العلمانية بل هو من الرأسمالية التي تجد في حرية المبادئ العلمانية ضالتها، وتكشف عن وجهها القبيح. لكن الرأسمالية قديمة قدم الانسان. انها ميل فطري نحو حب التملك والسيطرة. أما الفكر العلماني فهو عقيدة سياسية تأسست في مرحلة حديثة من التاريخ كما تعلم. مع تحياتي" .

ولكن وبعد عدة ردود متبادلة بيني وبين السيد مغوتي طلبت منه توضيحا كاملا عن رؤيته وفهمه للعلمانية . وقد أستجاب السيد مغوتي مشكورا لطلبي بعد فترة . ألا اني وبسبب أنشغالي التام في الفترة السابقة لم يتسنى لي الرد على موضوعه القيم اللذي كتبه عن العلمانية والمعنون " بالعلمانية كما أفهمها " وانا هنا سأدلي بدلوي في الموضوع راجيا من السيد مغوتي ان يعذرني على التأخير .

في موضعه القيم " العلمانية كما أفهمها " لخص السيد مغوتي رؤيته للعلمانية . وسأعرض هنا الخطوط العريضة لما طرحه تاركا التفصيل للقاريء ليطلع عليه في الموضوع الأصلي (رابط1) .

" ان وجه المشكلة في العلمانية يتحدد في التعريف الجاري لها: وهوفصل الدين عن الدولة ".

"أن الخيار الاستراتيجي للعلمانية المتجلي في فصل السياسة عن الدين، والذي يتخذ منه الخطاب الديني نقطة الضعف التي يوجه اليها سهام التكفير والرفض، لا يعني بأي حال من الأحوال فصل الدين عن المجتمع، وقد برهنت التجربة الغربية أن امكانية فصل السلطة السياسية عن الدين واردة، وقد نجحت في ذلك فعلا. أما فصل الدين عن المجتمع فهو وهم لا يمكن تحقيقه. وحضور الدين في العالم الاسلامي لا يمكن مقارنته بما حدث للخطاب الكنسي في أوربا. و هنا بالضبط تحين لحظة استبدال الايديولوجيا بالميتودولوجيا. فالعلمانية أسلوب في الحياة، وهي حركة فكرية تتأسس على العقل والعقلانية و تتخذ من العلم منهجها الأساسي ومن العالم والانسان مركز اهتمامها" .

أذا فان السيد مغوتي يقول ان العلمانية هي ليست فصل الدين عن الحياة بل عن الدولة فقط .

وأن العلمانية هي أسلوب حياة وحركة فكرية فقط من الممكن أن تعيش جنبا الى جنب مع الدين .

وهي "أي العلمانية" عبارة عن عقيدة سياسية أكثر منها عقيدة حياتية مشابهة للدين" .

وفي العبارة الأخيرة يوجد هناك تناقض واضح للعيان يتمثل بعدم أعتبار العلمانية دينا جديدا "وهذا ما أعتقده أنا" بينما جميع الأديان لايمكن أعتبارها ألا أسلوب حياة متكامل كم هو وصف العلمانية عند السيد مغوتي وجميع المدافعين عن العلمانية .

ولكن الردود اللتي أتت من الكثير من الأخوة المدونين وغيرهم على موضوعي السيد مغوتي واللتي لم تكن مفاجئة لي أبدا لأنها تعكس تخبط العلمانيين العرب "والمسلمين" في معظلة أيجاد تعريف واضح للعلمانية ، كشفت عن حقيقة ما يذهب أليه مخالفي العلمانية ، وهو ما وضحته في ردودي على الموضوع .

وفي الحقيقة أنا ما طلبت من السيد مغوتي كتابة هذا الموضوع ألا لعلمي بأن الردود ستحمل أختلافات واضحة وعميقة بين العلمانيين أنفسهم وهذا ما توضح من شريحة السادة المدونين اللذين ردوا على الموضوع ، واللذين يمكن أعتبارهم شريحة حقيقية تمثل بنسبة عالية مجمل العلمانيين العرب "والمسلمين" .

لنقرأ أولا ردود السادة المدونين المعروفين بدفاعهم عن العلمانية على السيد مغوتي ثم ننتقل الى الخلاصة من هذه الردود .

الرد الأول جاء من السيد أزهر مهدي وزبدته

"العلمانية فصل الدين عن الدولة والدولة عن الدين والعلمانية ليست منظومة فكرية او اخلاقية او دينية او فلسفية ، هذه الممارسة متوارثة من زمن الكنيسة او ما تبقى من سلطتها في فترة قريبة ، مسالة ادخال العلمانية في الموضوع وان كانت موضوعية لكنها ليست حقيقية فكما قلنا العلمانية ليست دين او معتقد او فلسفة او ممارسة اخلاقية بل هي نظرية سياسية صرفة والحديث عن اخلاق العلمانية او مباديء العلمانية خطأ محض وقد يكون الاصح القول مباديء ليبرالية او حداثية او تقدمية او اي شيء من دون الحاجة الى اقحام هذا المصطلح اي العلمانية"

أما السيد نزار النهري فقد قال .

"العلمانية لا تتعارض مع الدين فقط اذا كانت نصوص الدين واحكامه لا تتعارض مع حقوق الاخرين والانسان اما عدا ذلك من النصوص فلا تقبل بها العلمانية وان كانت جوهر اي دين في الدنيا .. واعطي مثلا لهذا (استعباد الاسرى في الحروب فهذا تبيحه الاديان ولكن العلمانية منعته وجعلت قانونها اعلى من الدين) اما معتنقوا الاديان المتشددون فقط هم من يعارضون العلمانية لانهم يريدون ان يطبقوا الدين بحذافيره " .

وفي رد آخر للسيد نزار قال .

لعلمانية لا تعترف بالله ولا تعتبره فوق القوانين لذلك لا تعترف باي شيء صدر عنه فعلا او ادعى من ادعى انه صدر عنه اقتضى فقط التنويه" .

ولقد تلخص رد السيد مغوتي على هذين الرأيين للسيدن نزار ومهدي كالتالي .

" كلامك صحيح اذا أخذنا بعين الاعتبار المسارات التي اتخذتها العلمانية في الغرب في ظل دين( صكوك الغفران ) الذي يحمل الكثير من المغالطات والتناقضات. لذلك فتطبيق العلمانية بحذافيرها في الاسلام لا يمكن أن يتحقق. وقد سبق لي أن قلت في المقال: ان العلمانية لا تعني فصل الدين عن المجتمع. وهذا ما جعلني أنبه الى التمييز بين " الايديولوجيا " و " الميتودولوجيا " فنحن كمسلمين لا نحتاج ايديولوجية علمانية لأنها لن تشكل الا النقيض المتطرف للايديولوجيا الدينية. نحتاج الى عقلنة الممارسة الدينية نفسها. وهذا لا يتأتى الا بالأخذ بالعلمانية كمنهج في الحياة".

وهنا نرى أننا أمام ثلاث تعريفات للعلمانية أولها هو تعريف السيد أزهر مهدي والمتمثل بأن العلمانية هي فصل الدين عن الدولة فقط لاغير . وهي ليست منظومة فكرية او اخلاقية او دينية او فلسفية . وهذا عكس ما ذهب اليه السيد مغوتي

بينما يعرف  السيد نزار النهري العلمانية بأنها فصل الدين عن الحياة وحصره بالبيت ودور العبادة فقط .

وتعريف ثالث للسيد مغوتي هو بين البينين للتعريفين السابقين والمتمثل بعقلنة الممارسات الدينية لتتحول في النهاية الى ممارسة علمانية لاتلغي دور الدين في الحياة ولا تجعله مسيطرا عليها تماما .

والحقيقة أن تعريف السيد مغوتي للعلمانية هذا عصي جدا على الفهم عندي . خاصة وأنه في احد ردوده على السيد نزار يقول "  فالانسان هو محور الفكر العلماني الذي يجعل القوانين الوضعية هي ميثاق العمل بين الناس في الدنيا. وهذا لا يتعارض مع الدين الذي نقول دائما انه يزاوج بين الدنيا والآخرة. وما تتحدث عنه في التعليق أمر مرفوض من طرف العلمانية " .

فكيف يكون الأنسان هو مصدر التشريع في العلمانية، دون أن يصطدم ذلك بالتشريع الألهي . ودون أن يتمخض ذلك عن قوانين تكون شريعة متكاملة قد تتنافى مع أصول الدين في النهاية .

مثال على ذلك أذا قرر برلمان منتخب  زواج المثليين في بلد مسلم ، فهل سيعتبر ذلك النظام الديموقراطي العلماني غير مخالف للشريعة الأسلامية ؟ . وهل يمكن القول بأن الدين في هذه الحالة غير مفصول عن الحياة وليس عن السياسة فقط .الجواب للسؤالين هو نعم بالتأكيد .

ولكن ماذا لو أتخذنا من تعريف السيد مغوتي للعلمانية واللتي تبيح تدخل الدين في التقنين " وهذا يعني تدخل في السياسة أيضا ، شأنا أم أبينا " فهل سيمكننا أن نقول بعد ذلك عن هذا النظام أنه نظام علماني .

أعتقد أن رد السيد نزار التالي على السيد مغوتي قد حمل جوابا بلا عن السؤال اعلاه.

حيث يقول السيد نزار " ((فتطبيق العلمانية بحذافيرها في الاسلام لا يمكن أن يتحقق)) فلو اخذنا به فيجب ان نطلق تعبيرا آخر على هذا المنتج الذي تتحدث عنه .. استاذ محمد العلمانية ماركة مسجلة اما ان تؤخذ كما هي او ان يتبنى المجتمع نظرية اخرى سمها ما تسمها ولكن لا تسمها علمانية" . وهذا صحيح تماما برأي المتواضع أنا أيضا .

والمحصلة النهائية اللتي نتجت عن الموضوع اللذي كتبه السيد مغوتي هي وجود ضبابية وتشويش قد يكون متعمد على العلمانية وتعريفاتها . كما أن جميع التجارب الأنسانية قد أثبتت أن العلمانية هي فصل الدين عن الحياة وليس عن الدولة وهو أصح التعاريف للعلمانية برأيي المتواضع واللذي بينه السيد نزار النهري في تعريفه السابق .

وكما أن تشريعات مثل زواج المثليين وتقنين الدعارة ومنع الحجاب والسماح ببيع الخمور كلها تتعارض تعارضا صريحا مع الدين . وأن أي برلمان منتخب في أي دولة ديموقراطية علمانية مسلمة يشرع مثل هذه التشريعات بأعتبار ان الأنسان هو مصدر التشريع وليس القرآن"كما ورد في تعرف السيد مغوتي للعلمانية" ، فأن حصول ذلك يعني بالتأكيد فصل الدين عن الحياة وليس عن السياسة . وستصبح العلمانية في هذه الحالة أسلوب حياة مختلف تماما عن أسلوب الحياة اللذي بين حدوده القرآن بتشريعاته المختلفة والمسمى بالأسلام وليس عدم تعارض كما قال السيد أزهر مهدي .

وأن أي قفز فوق هذه الحقائق سيؤدي الى منتج جديد لايمت الى العلمانية بصلة "كما قال السيد نزار" ،قد يكون الليبرالية اللتي تسمح للدين والتقاليد بالتدخل في بناء الدولة على أن لايتعارض مع الديموقراطية الكاملة وحقوق الأنسان والمواطنة .

الحقيقة أن العلمانية هي ليست ما يراه السيد مغوتي . والى أن يكون هناك أجماع على تعريف العلمانية فاني سأظل على أعتقادي بأهمية بناء الدولة ذات الأغلبية المسلمة على أسس قرآنية .

وكما قلت لك عزيزي محمد من قبل . " اذا قلت ان العلمانية هي من العلم ، فساقول لك ان اول كلمة نزلت من القران هي اقرأ . واذا قلت ان العلمانية تتاسس على الحرية والقانون ، فسأقول لك ان الأسلام ما جاء الا ليحق شرع الله اللذي حرر الناس من قيود الجاهلية ومفاسدها ليؤسس مدنية ودولة قانون في المدينة المنورة لتصبح مثالا واساسا متينا يبنى عليه حضارات اعظم من كل ما وصل اليه الانسان الى الان لو انه استمر على تمسكه بهذا الشرع .. اي ان الاسلام هو اسلوب حياة كما هي الاديان الاخرى وكما هي العلمانية والاشتراكية والشيوعية وغيرها من الافكار .. وكلما قلت سنقول ".  

 

 

رابط (العلمانية كما أراها)

http://maghoutimed.elaphblog.com/posts.aspx?U=3377&A=52637

رابط (عندما ينقلب السحر على الساحر

http://maghoutimed.elaphblog.com/posts.aspx?U=3377&A=52295

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات