العلمانية إشكالية الفكرة
العلمانية وإن كانت تعني فصل الدين عن الدولة إلا أنها لا تعني فصل المجتمع عن معتقداته بأي طريقةِ كانت، هي أسلوب إدارة للدولة ومؤسساتها وهي أداة غايتها تحقيق المواطنة لكافة أفراد المجتمع بغض النظر عن الانتماءات الضيقة، هذه هي العلمانية التي لا تعرف المجتمعات العربية ومجتمعات البلدان النامية طريقها وإن عرفت طريقها فهي تعني الدعارة والشذوذ والبعد عن العقيدة وبالتالي لا يمكن القبول بها كأسلوب تنظيمي يقضي على تراكمات الماضي ويزيل احتقان الكراهية والتعصب والازدراء..
لا يمكن للمجتمعات أن تستقر من دون ليبرالية اجتماعية ولا يمكن للدول أن تستقر كدول ذات سيادة على نطاق جغرافي معين بلا اسلوب إداري حضاري يأخذ في اعتباره حق المواطنة للجميع والعدالة الاجتماعية والتنمية والمساواة بين أفراد ذلك المجتمع وفق قواعد ومواد متفق عليها تسمى بالدستور أو بالنظام العام لإدارة الدولة، في العهد الإسلامي وتحديداً في بداياته ومع الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة بدأت مرحلة ولادة مفهوم الدولة كمفهوم لم تعرفه العرب من قبل، دولة تقوم على أسس مدنية ذات أغلبية تدين بدين واحد لا تحمل الآخرين على الديانة بذلك الدين الجديد بالقوة، فكانت وثيقة المدينة تتويجاً لتلك المباديء بالإضافة إلى العهد مع نصارى نجران والتحالف مع مكونات المجتمع المديني آنذاك، لولا تلك الحكمة المحمدية والتي تعد بمثابة المدرسة في التنظيم السياسي لم يكن ليتحقق الاستقرار والانتشار خصوصاً وأن الدعوة الإسلامية تتعرض للهجوم من قبل قريش والعرب لم يعتادوا على وجود قوانين مكتوبة لا يمكن انتهاكها بأي شكل من الأشكال فهناك حاكم يعد مرجعاً ومصدراَ للسلطات، التنظيمات السياسية لا يمكنها أن تخضع لفترة طويلة للايديولوجيا الدينية فخضوعها مؤقت لا يدوم بسبب متغيرات الزمان والمكان وتلك سنة كونية لا يمكن تجاوزها أو تحديها، التنظيم السياسي قد يستمد من الدين بعض الأحكام وبعض التنظيمات لكنه لا يضع كل شيء باسم الدين فهناك الحياة المدنية المتغيرة وهنا يحتكم التنظيم إلى متطلبات الواقع وصوت العقل، لو تأملنا في حال الأنظمة التي استخدمت الأيديولوجيا الدينية كنظام سياسي للحكم والسلطة لوجدناها تعرضت اما للسقوط كماهو حال طالبان بأفغانستان أو أنها تختنق اقتصادياً وتعيش حالة من الاحتقان السياسي والغضب الاجتماعي كما هو الحال في إيران، ولو نظرنا وتعمقنا في التاريخ القديم لوجدنا أن جميع الأنظمة السياسية التي قامت على الدين كقوة ذات بعد سياسي لا روحي سقطت واندثرت ولم تدم طويلاً كالدولة العثمانية والعباسية والاموية الخ، العلة ليست في الدين بل في محاولات استخدامه وتوظيفة سياسياً وهذه هي الإشكالية التي انخذع بسببها البسطاء وتحولت بعض الأجساد إلى أشلاء في سبيل إقامة نظام الخلافة الإسلامية..
لا بديل عن العلمانية كتنظيم سياسي حديث يدعمها ليبرالية اجتماعية عنوانها عش حياتك ودع غيرك يعيش كما يُريد في إطار القانون الذي لا يحابي أحداً مهما كانت خلفيته العقائدية أو العرقية فاالعلمانية تقوم على الدين لله والوطن للجميع والسيادة للقانون فقط.
التعليقات (0)