مواضيع اليوم

العلمانية , الفيزازي , ونهد صديقتي

محمد مقصيدي

2011-12-09 10:08:46

0

يطالعنا الإسلاميون بين الحين والآخر بشطحات معرفية غريبة وتنظيرات أغرب من طلاسم السحر الأسود وحروف الدمياطي وهم يتناولون مواضيع من قبيل العلمانية والديموقراطية والعدالة والحرية والمؤسسات السياسية وغيرها ... حتى أنه يبدو لي أنهم يعتقدون أن الجذبة والحضرة كافية للوصول إلى جوهر هته المفاهيم والإحاطة بها
إن العلمانية يا صديقي الفيزازي تحتاج إلى وعي نظري وليس إلى قراءة سورة الفلق قبل النوم , تحتاج إلى تشريح موضوعي وليس إلى الحبة السوداء , وبطبيعة الحال , فأدبيات العلوم الإنسانية الأساسية من شك وفرضيات ومنطق وملاحظات وتدليل عقلي .. هي بالنسبة للعلمانية كالوضوء بالنسبة للصلاة . وربما يخفى على السيد الفيزازي أن التيمم لا يجوز هنا , وأن يمسح يديه على أول حجر يصادفه ويدلك لحيته ثلاث مرات لا يؤهله لفهم العلمانية
سأختصر مقالي حول المغالطات التي ساقها صديقنا في فهمه النبوي للعلمانية , وهذه الخرافات العلمية بمقاس العلوم الشرعية , ليس بالأمر الجديد في مجتمعات ترزح تحت الأمية والتخلف منذ قرون طويلة . وما دفعني لضرورة الرد هو مقاله الأخير الشيخ الفزازي للعلمانيين: لقد انتهيتم... وداعا، غير مأسوف عليكم , المنشور على جريدة هسبريس بتاريخ 6 دجنبر 2011 , الجريدة التي كنت أكتب عليها العمود الأسبوعي " بالأبيض والأسود " لطيلة سنة تقريبا , والتي حذف مديرها عمودي معتذرا لي بحجة أنه يتعرض لتهديدات الإرهابيين الإسلاميين وعقليتهم المتحجرة القادمة من القرون الوسطى , لذلك أذكرك صديقي أننا لم نبدأ بعد , حتى ننتهي , وأننا للتو نضع أقدامنا بقوة على أرض صلبة
في عجالة أسوق للفيزازي أخطاءه الكثيرة
أولا : يفتي قائلا أن الأنظمة التي سقطت هي أنظمة علمانية تحارب الإسلام , وسبحان إله الفيزازي أنه لم يعرج على الأنظمة التي لم تسقط ويفتينا في حكم أنظمتها من المغرب إلى العربية السعودية حتى يضيء طريقنا بفقهه , أهذه أنظمة إسلامية أم علمانية . نحن نعرف منذ البداية الجوهرتين السياسيين الضروريتين في فكر الجماعات الإسلامية اللتين هما التقية والحاكمية لله , وعلى ضوءهما يمكننا أن نتلمس موقف الفزازي الضمني دون عناء . وإن كان يلعب على حبل المصالح السياسية ببراغماتية واضحة كما هو حال رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران , فإننا نذكره بأن ترتيبه لنا في خانة العداء للملك محمد السادس وإمارته للمؤمنين كلام مجاني ,فلا مشكلة شخصية لنا مع وجود الملكية في منظومة سياسية ديموقراطية تتوافق كل مكونات المجتمع على طبيعتها شريطة احترام حقوق الإنسان والحريات العامة , وهذا ليس بالعصي على الفهم في نماذج سياسية كثيرة كإنجلترا . بينما العكس تماما عند عائلة الإخوان المسلمين وعسس الخميني وورثة بنلادن , إذ يرون في الملكيات خروج عن أمر الله وسنة محمد ويحلمون بخلافة إسلامية لا توجد إلا في مخيلاتهم ... عموما , إن النظام المصري الذي تزعم أنه يدافع عن العلمانية هو النظام نفسه الذي حارب العلمانيين وغدى شوكة الإسلام السياسي , أليس هو النظام الذي طرد قديما عميد الأدب العربي طه حسين من كرسي الجامعة بتهمة الإلحاد ؟ أليس هو من حكم حديثا بتطليق الدكتورة نوال السعداوي من زوجها بحجة الكفر ؟ ثم , من جاء أصلا بحسني مبارك إلى الحكم ؟ أليس كان قرارا من الإخوان المسلمين بتصفية أنور السادات ؟؟ ثم ألم يكن العلماني الدكتور المرزوقي من ضحايا نظام الرئيس السابق بنعلي ؟ فلماذا جادت مخيلتك صديقي الفيزازي بالغنوشي فقط ؟ ثم , ألم تكن اللجان الشعبية الليبية تنفذ مئات الإعدامات السياسية بتهمة الزندقة وتلفيقها لكل معارضيها ؟؟ إن الانظمة المتهاوية هي أنظمة ديكتاتورية ذاق العلمانيون من حرارة آلتها القمعية أكثر مما ذاق الإسلاميون , إذ لا داعي من هذا الإستثمار الفج للثورات من أجل خدمة برنامج ظلامي سيقودنا إلى نسخة لأفغانستان جديدة . إن العلمانيين أول من وقف في الصفوف الأمامية في كل النضالات السياسية قبل الثورات وبعدها
ثانيا : يتحفنا السيد الفيزازي بأغنية النهضة الإسلامية والإنتصار على الأنظمة العلمانية , وسبحان إله الفيزازي مرة أخرى أنه لم يوحى إليه ما دام لا يرى , بأن ما حدث في ليبيا وتونس ومصر وغيرها , لم يكن ليحدث بدون تدخل الدول العلمانية الحقيقية كفرنسا و أمريكا الكافرتين في نظر شيخنا . إنه بدون ضغوط سياسية وعسكرية للدول العلمانية لكانت انظمة هذه الدول قد أبادت المعارضة عن بكرة أبيها . أليس في سوريا اليوم , استجداء من طرف المعارضة والشعب السوري لنصرة الغرب بهم قبل أن يدكهم الجيش بالأسلحة. اكانت هده الدول ستنجح ثوراتها دون تدخلات سياسية وعسكرية للعلمانيين الغرب ؟؟ فلتشكروا يا صديقي الفيزازي الله قليلا , ولتشكروا العلمانيين كثيرا على هذه التحولات التي تريدون أن تصنعوا منها نكسة وليس نصرا
ثالثا : بعظمة لسان الفيزازي رغم أن اللسان بلا عظم , يقول أن الإسلام يتضمن السياسة والإقتصاد وكل ما يدور في البال وما لا يدور " ربما حتى المدة الزمنية للقبلة بين الزوج وزوجته " , ويؤكد ذلك بأن النبي محمد كان القاضي الأعلى ,والقائد الأعلى للقوات الإسلامية , ورئيس الدولة ... وهذا بالضبط , ما نسميه الديكتاتورية في السياسة , يعني أن النبي محمدا كان ديكتاتورا كبيرا بالمعنى الحرفي للكلمة إذا اخضعناه للوعي السياسي في القرن الواحد والعشرين , لأنه من بديهيات الديمقراطية فصل السلط , لكن الفيزازي لا يريد لا فصل السلط ولا ديموقراطية ولا هم يحزنون , بل يريد إعادة النظام السياسي للقرن السادس ميلادي في عصرنا الراهن
رابعا : العلمانية في نظر فقيهنا مفهوم غربي ودخيل على الثقافة الإسلامية وكذلك هو خارج سياقها , لذلك لا حاجة لنا به . أليست الديموقراطية غريبة عن الثقافة الإسلامية , ولا علاقة للإسلام بالديموقراطية , ألا توجد في الإسلام الخلافة مدى الحياة كما حدث مع النبي محمد وخلفاءه وكل من جاء بعدهم , ولا تزال هذه الظاهرة سنة حميدة في هذا المنطقة المتخلفة من العالم , فلا وجود لتداول السلطة إلا عبر القتل كما حدث مع النبي محمد ومع الخلفاء الراشدين كلهم , وما يحدث الآن بالإنقلابات العسكرية , فمتى نظم النبي محمد أو الخلفاء الراشدين انتخابات شعبية رغم أن اليونانيين مبدعو الديموقراطية الجنينية التي تطورت في الغرب للوصول إلى شكلها الحالي كانوا قد قاموا بها قبل قرون من ولادة النبي محمد . أليس هنالك الشورى في الإسلام وليس الإنتخابات ؟ أليس هنالك أهل الحل والعقد من الفقهاء بدل الإرادة الشعبية ؟ أليس هنالك الخلافة مدى الحياة بدل تداول السلطة
خامسا : ألا يوجد في الإسلام الجواري الذين أحل الله اغتصابهن ؟ هذا ما يبحث عنه الشيخ عندما ألمح إلى أن العلمانيين يحرمون النساء الحلال ويحللون الخليلات . وأقولها لك صراحة صديقي الفيزازي : نعم , إن كنت تفهم العلمانية هكذا باختصار , لأن شيوخ الإسلام عامة يفهمون كل المصطلحات السياسية والإجتماعية والإقتصادية ويصنفونها حسب علاقتها بالجنس . يدورون ويدورون ويرجعون إلى نفس النقطة . نعم , بصراحة صديقي , أريد أن أقبل صديقتي في حديقة عامة في المغرب , وأن نمشي يدا في يد أمام البحر , وأن أحتفل معها بالحياة عاريين فوق سرير مدمن على موسيقى زياد الرحباني أو ذلك السكير جاك بريل . نعم , أريد ذلك , وخذ العلمانية هكذا , لا أقل ولا أكثر . ونعم أريد أن أحرم ما أحله الله في شريعتك من اغتصاب النساء بتعاليم القرون الوسطى تحت اسماء كثيرة . تارة الجواري , وملك اليمين , تارة , تفخيد الرضيعات
نقطة أخرى : حاولت أن افك طلاسم السيد الفيزازي , لكنني لم أفلح لحد الساعة في أن أفهم أجمل ألغازه عندما قال أن 1924 هو عهد سقوط الخلافة الإسلامية , أرجو من السيد صاحب هذه النكتة أن يتفضل علينا بالتفصيل حتى نضحك جميعا
كما أطمئن السيد الفيزازي على صحتنا , وأقول له أننا بألف خير , ولا ينقصنا سوى النظر في وجهكم العزيز دون لحية

محمد مقصيدي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !