العلماء ليسوا أنبياء.. ولكن
فضاء الكلمة
بقلم : خليل إبراهيم الفزيع
علماء الأمة المستنيرون، هم في مقدمة حملة مشاعل التنوير، وحماة الفضيلة، ومنارات التائهين في خضمّ أمواج الجهل والحيرة، والهداة المهتدين بكتاب الله وسنة نبيه، وأول المرابطين على ثغور العقيدة للدفاع عنها والتصدي للتيارات الفاسدة الوافدة من وراء الحدود، وأكثر المجددين لما غفل عنه الناس من أمور دينهم، وأبرز المتصدّين لكل الخرافات والشعوذات والعادات الغريبة المنتشرة بين المسلمين، وأقوى المجابهين للتطرف والغلو والإرهاب واقتلاع جذوره من نفوس من غُرّر بهم فضلوا الطريق.
هذا هو شأن العلماء المستنيرين على امتداد تاريخ الأمة، وهم في كل اجتهاداتهم بشر، قد يخطئون وقد يصيبون لأنهم.. ليسوا أنبياء معصومين من الخطأ، إنهم يجتهدون واجتهاد أحدهم ليس ملزما لغيره ما لم يحظ بإجماع علماء الأمة، فالإجماع هو أحد مصادر التشريع، لكن اجتهاد فرد بفتوى لا يعني بالضرورة قبولها والتسليم بها واستغلالها لهذا الهدف أو ذاك، والمجتهد له أجر إن أخطأ وأجران إن أصاب، دون أن يقلل الخطأ من احترام المجتهد أو يستغل للإساءة إليه.. نعم العلماء ليسوا أنبياء لكن احترامهم وتقديرهم والاعتراف بفضلهم على الأمة من أوجب الواجبات .
ما يحزّ في النفس ويوحي بأن هناك خللا واضحا في علاقة المسلمين بأئمتهم، هو استغلال بعض المناسبات للهجوم على العلماء وتسفيه آرائهم، فما أن يعلن أحد العلماء فتوى يرى من وجهة نظره أنها صحيحة اعتمادا على ما عرفه أو اطلع عليه من مصادر التشريع، حتى يبدأ المعارضون له في استنفار قواهم للهجوم عليه وعلى فتواه، واستعمال كل الأسلحة الكتابية والخطابية المقروءة والمسموعة، المشروعة وغير المشرعة..
للنيل من مكانته العلمية، ونسف كل تاريخه الطويل في خدمة الإسلام والمسلمين، وكأن الهدف هو التربص بالعلماء والإساءة لهم، وهي إساءة لا تطال العالم وحده بل تشمل ضمنا كل من يؤيدون فتواه ويقفون معه فيما ذهب إليه، ومثل هذا الهجوم السافر دليل عجز عن المناقشة الهادئة الرزينة، ومقارعة الحجة بالحجة، ورد الدليل بدليل أقوى منه، فالأمة بحاجة إلى ما يجمع شملها ويلمّ شتاتها، وليست بحاجة إلى مزيد من الخلافات التي يطال أثرها عامة المسلمين، فيمن يؤيدون أو يعارضون من العلماء، ولنا في السلف الصالح أسوة حسنة في المجادلة بالتي هي أحسن، والتشاور في الأمر بما يخدم المصلحة العامة للمسلمين دون التفرد بفتوى لا تحظى بالإجماع، ودون الهجوم على العلماء مهما كانت المبررات والدوافع، ممن يعلمون أو لا يعلمون أمور دينهم، الذين اتخذوا من مثل هذه الكتابات وسيلة للشهرة وسبيلا لمبدأ (خالف تعرف) وقد قال تعالى { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ
مَعَ الصَّابِرِينَ}.
إن الاختلاف مع عالم في إحدى فتاواه الفردية يجب ألا يعني التقليل من شأنه، كما يجب ألا يكون سببا للهجوم عليه، لأن احترام العلماء من مظاهر رقي الأمة وتحضّرها، وليس من العلماء من أرادوا بالأمة شرا، وسعوا إلى إثارة الفتنة في صفوف أبنائها، وعملوا على تمزيق أوطانهم، وهدر منجزاتها ومكتسباتها التنموية. ليس من العلماء من اتخذوا من التطرف والغلو والإرهاب وسيلة لبلوغ أهداف مشبوهة تخدم أولا وأخيرا أعداء الأمة والساعين لإضعافها.. لتبقى دائما في مؤخرة الركب في سباق الحضارة.. هؤلاء ليسوا علماء بل هم عملاء لكل من يريد الشرّ بالوطن والأم.
ليس لعاقل أن يخلط بين العلماء والعملاء، فأولئك من يجب احترامهم وتقديرهم، وأولئك استهجان سلوكهم ورفض مواقفهم، لأنهم لا يعرفون معنى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، بل يصرون على استخدام سلاح الفتنة { وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القـَتلِ }؟
قال الشاعر:
ينال العاقل العليا إذا لم يجد في الفتنة الرعنا جوابا
وكان حيالها جلدا عنيدا فأوصد دونها بابا فبابا
ونادى في بلاد الله يدعو سراة القوم فاتبعوا الصوابا
التعليقات (0)