العلامة الحسيني :اللاعنف رسالة الأديان السماوية
الحديث عن دور الاديان و رسالتها في المجتمعات الانسانية هو حديث ذو شجون و له سياقات واتجاهات متباينة و متداخلة في بعضها البعض ولاسيما لو کان الاسلوب المتبع فيه طابع الهرطقة الکلامية و السوفان الفکري، حيث کان هناك ولايزال مساع من أجل حصر الاديان السماوية الثلاثة(اليهودية، المسيحية و الاسلام)، في زاوية الدعوة الى العنف و القسوة و التقسير، والذي يجب أن نلفت النظر إليه هنا و نحث على الانتباه له هو أن هناك الکثير من الممارسات و التصرفات الخاطئة لرجال دين أو جماعات معينة في الاديان الثلاثة من حيث تعويلها على العنف و القسوة، إعتبرها"البعض"، أساسا أو مرتكزا أصليا في هذه الاديان.
البحث و الاستقصاء في الظروف الذاتية و الموضوعية التي کانت تحيط بظهور الاديان اليهودية، المسيحية و الاسلامية، يطرح حقيقة بالغة الاهمية، وهي أن هذه الاديان قد ظهرت في أوقات و أزمة کانت القسوة و العنف هي اللغة و المنطق السائد للتعامل الانساني، وکان القسم الاعظم من المجتمعات الانسانية ينالها الکثير من الضرر بسبب من ذلك المنطق، ولذلك فليس بإمکان أحد إنکار حقيقة أن الديانة اليهودية قد ظهرت و برزت الى الوجود بعد أن طغى فرعون و تمادى في ممارساته و اساليبه القمعية ضد بني إسرائيل، مثلما إن المسيحية قد جاءت بعد أن ساد العنف و القسوة بين الناس و طغت على الرحمة و العطف و التعايش السلمي و قبول الآخر، کما إن الاسلام قد بزغ و ليل العنف و القسوة يطحن بالمجتمع الجاهلي في شبه الجزيرة العربية حتى لم يعد للرحمة و الشفقة و الحنان و التآلف و المحبة من وجود و معنى.
يجب ملاحظة نقطتين هامتين بشأن ظهور و بروز العنف و القسوة کنهج و اسلوب في المجتمعات الانسانية، أولهما إن إلصاق العنف و القسوة بالاديان السماوية الثلاثة هو أمر مناقض للحقيقة و الواقع و التاريخ و مناف له جملة و تفصيلا، ذلك أن اساليب القسوة و العنف و جعلها منطقا و نهجا، له علاقة وثيقة جدا بتاريخ الملوك و الاباطرة و الحکام المستبدين وأنهم کانوا النواة و الاساس و الارضية الاولى في ترسيخ مبدأ العنف في المجتمعات.
النقطة الثانية و التي من المهم جدا الانتباه إليها بدقة هي ضرورة الفصل بين اللاعنف کنهج سماوي و اللاعنف کنهج بشري محض، ومن هنا فإن أتباع الديانات الثلاثة قد تعاملت مع عامة الناس بمبدأ العنف من أجل تطبيق مشروعهم و فرض هيمنتهم لأسباب و غايات سياسية و اقتصادية و اجتماعية متداخلة مع بعضها.
الاديان الثلاثة دأبت على الدوام على الدعوة الى الحب و التسامح و التعايش السلمي و نبذ العنف و القسوة و استخدام الوسائل القمعية ولم يکن أي من الانبياء موسى أو عيسى أو محمد عليهم السلام أفرادا قساة و إستبداديين و أنانيين وانما وعلى العکس من ذلك تماما، کانوا أمثلة حية للمحبة و العطف و الليونة و الدماثة و يٶثرون على أنفسهم الى أبعد حد ممکن، واليوم وفي ظل الاحداث و التطورات المتباينة التي تعصف بالعالم و سعي العديد من التنظيمات المتطرفة لفرض العنف کنهج و اسلوب و الزعم کذبا بأنه نهج و اسلوب الاديان، فإن المطلوب هو التصدي لهذه الحالة الشاذة و السقيمة التي تسعى من أجل تحريف التعاليم الاصيلة و النبيلة للأديان السماوية الثلاثة عن سياقاتها الاصلية، وإن ضرورة عمل رجال الدين الحريصين من الديانات الثلاثة على العمل الدٶوب من أجل عکس حقيقة أن رسالة الاديان السماوية الثلاثة کانت و ستبقى اللاعنف و الدعوة الى السلام و المحبة و التعايش السلمي.
*العلامة السيد محمد علي الحسيني
التعليقات (0)