العلامة السيد محمد علي الحسيني ميلاد السيد المسيح مناسبة للتسامح والمحبة وتفعيل مسالك السلام
ينظر المسلمون في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، نظرة احترام وحب ومودة وتقدير لنبي الله المسيح عيسى "ع"، ولأمه السيدة مريم العذراء "ع"، ولهما مکانة ومنزلة خاصة، لا سيما وقد ورد ذکرهما بکل إجلال في القرآن الکريم وکذلك في الحديث النبوي الشريف، وکمثال على ذلك: (إذ قالت الملائکة يا مريم إن الله يبشرك بکلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين)، أو (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين)، و(إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين)، أما في الحديث فيکفي أن نذكر الحديث النبوي الشريف: (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وليس بيني وبين عيسى بن مريم نبي)، والاهتمام غير العادي للنبي الأکرم بالمسيح عندما يقول "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم"، وفي هذه الآيات وغيرها وکذلك في السنة النبوية الشريفة نلتمس الإجلال والتقدير بشكل واضح للمسيح ولأمه مريم العذراء، ولا يحتاج لأي إضافة أو شرح أو تعليق.
مكانة كبيرة يحظى بها المسيح وأمه في الإسلام
إن الإسلام وکما هو وارد في القرآن الکريم وفي السنة النبوية الشريفة نزه المسيح وأمه العذراء وأسبغ عليهما ما لم يسبغه على الآخرين من أنبياء الله ورسله، بل وإن القرآن الکريم اعتبر المسيحية أقرب الأديان إلى المسلمين عندما أکد في الآية الکريمة: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستکبرون)، ناهيك أن الأمة الإسلامية لن تنسى أبداً الموقف الذي وقفه النجاشي ملك الحبشة - وکان مسيحياً - من المسلمين الذين استجاروا به من ظلم وجور مشرکي قريش وکيف أنه أجارهم وأکرم وفادتهم على أحسن ما يکون.
المسيحية والإسلام يصدران من سراج واحد
ونحن في صدد الذکرى المبارکة لميلاد عيسى المسيح "ع"، فإننا نود أن نشير إلى أن ما قد جاء به وما أکده في أقواله لا يختلف عما جاء في الإسلام، وعلى سبيل المثال، وکما جاء في إنجيل لوقا في الإصحاح 6، 29: (من ضربك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر أيضاً، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضاً)، والذي يلفت النظر أن البعض يتصور بأن ذلك العهد وهکذا تصرف قد انقضى وجاء عوضاً عنه عهد (وکتبنا عليهم أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو کفارة له ومن لم يحکم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، وباعتقادنا أن في هذا التصور خطأ کبير، ذلك أن الإسلام لم يقف أو يمنع منطق وأسلوب التسامح والعفو والصفح، بل إننا نجد ما جاء في الآية الکريمة (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) هو في نفس سياق ما قد جاء في إصحاح لوقا آنفاً، خصوصاً وأن القرآن الکريم قد أکد على العفو کثيراً حتى قال فيه إنه" أقرب للتقوى" وأن أجر وثواب الذي يعفو على الله تعالى کما جاء في الآية الکريمة (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين).
منطق المحبة والتسامح منهج الإسلام والمسيحية
إن أکثر شيء ربط ويربط الإسلام والمسيحية ويشدهما إلى بعضهما بصورة غير عادية هو أنهما يٶمنان بمنطق وأسلوب التسامح والعفو، والذي تجسد في عيسى بن مريم ومن بعده في نبينا الکريم محمد "ص"، ولا ريب من أن الالتزام بمنطق وأسلوب التسامح والعفو والذي هو جوهر الأديان الإبراهيمية ونبعها الرقراق يأتي من کون أن أحد أسماء الله الحسنى هو"العفو"، وإن التقارب بين الأديان ولا سيما الإبراهيمية منها والرکائز والأرضية المناسبة موجودة فيها ضرورة ملحة من أجل إغلاق الأبواب بوجه المتطرفين والإرهابيين الذين يسعون من أجل توظيف الدين واستغلاله لغايات ومآرب هي ضد الأديان کلها على حد سواء.
في ذکرى ميلاد المسيح عيسى بن مريم، لا يسعنا إلا أن نتقدم بأسمى آيات التهنئة والتبريك وندعو البشرية کلها للاقتداء بهذا النبي الکريم الذي أثبت أسمى المعاني وأرقاها في التضحية والإيثار والعفو والتسامح وندعو الله عز وجل أن يجمعنا کمسلمين وکمسيحيين وکيهود على خط اعتدالي تسامحي وسطي واحد من أجل خدمة البشرية ومکافحة الکراهية والعداوة والبغضاء والتطرف.
*السيد محمد علي الحسيني
جريدة نداء الوطن اللبنانية
https://www.nidaalwatan.com/article/36481-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%AD%D8%B1%D8%A9%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A8%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D9%81%D8%B9%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85
|
طباعة || أخبر صديقك || إضافة تعليق || التاريخ : 2020/12/23 ||
التعليقات (0)