دفاعا عن الانسانية قبل تكرار المحرقة اليهودية
يتميز الاسلام بإيلائه أهمية إستثنائية للإنسان وخصص له مكانة و منزلة عظيمة و كرامة و إعتبارا جعلت منه أفضل الخلق، فنجد في القرآن الكثير من الآيات التي تتحدث عن هذا ففي قوله تعالى:{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} مما يدل ان الله سبحانه و تعالى أكرم الإنسان و سخر له كل الموجودات تكريما و تعظيما له.
و في آية اخرى:{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} فهذا يدل أن الله سبحانه و تعالى أحسن خلق الانسان و هيئته و ميزه و فضله عن سائر المخلوقات.
العناية الإلهية کما نلاحظها، كانت في الانسان نفسه بغض النظر عن اعتقاده أو دينه أو قوميته أو لونه، فالأصل هو الإنسان الذي صنفه لنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) بقوله:" الناس صنفان إما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق", فهذا يدل على الانسان بكله نظيرا لاخيه الإنسان.
أکثر من سبب و وازع دعاني لأتفكر و أتدبر في هذه الآية الكريمة:{ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً}،
فهذه الأية تثبت كيف أن الشريعة الإسلامية السمحاء تدخلت في مسألة حرمة قتل الانسان و شرعت أحكاما صريحة بالعقاب والقصاص الشديد، فالقتل بغير حق فيه الفساد العام للإنسانية و يمس في أمن و أمان الإنسان و حياته ومجتمعه, وقد حرمه الله في جميع الشرائع السماوية و احتاطت الشريعة الإسلامية خاصة في الدماء و حرمة القتل بأدلة شرعية معروفة في الكتاب و السنة نجد فيها أن القتل من كبائر الذنوب و قد توعد الله تعالى مرتكبه بعقوبات عظيمة تدل على غضب الله عليه وعذابه المضاعف والخلود في جهنم بشكل مهين, لان في قتل النفس مهما كانت هذه النفس و انتماءاتها يكون القاتل قد قتل الإنسانية كلها كما في الآية الكريمة اعلاه .
من هنا فان ما جرى في المحرقة اليهودية انما في الحقيقة لم يحرق فيها اليهود لانتمائهم الديني، وانما قد أحرق فيها الانسان الذي كرمه الله و حرم قتله و وصف قاتله بأنه قتل الناس جميعا، فالجريمة الكبرى هي لم تستثن الطفل ولا المرأة لا الكبير ولا الصغير ابدا فبقيت وصمة عار في تاريخ الانسانية , وأنا هنا لست في مقام التأكيد او النفي او الغوص في التفاصيل و الجزئيات انما قصدي العبرة والإعتبار وربط الماضي بالحاضر.
عندما زرت المنصب التذكاري للمحرقة اليهودية في أوروبا، إنما زرت في الحقيقة مكانا يعني لي كإنسان أنه محرقة للإنسانية جمعاء ، لأن الإنسان اذا لم يشعر بأخيه الإنسان كما قال الإمام علي(ع) نظير له في الخلق فهذا يعني أنه ليس من آدم و حواء, ولاعلاقة له بالإنسان، فالبقرة عندما ترى اختها تذبح امامها تنتفض و تثور و ترفض ما يجري على أختها لانها تعلم أن الذابح لن يتوقف عندها و ان الدور لامناص سيأتي عليها و من لم يرحم أختها لن يرحمها, وهو تماما ما يحصل لنا اليوم في محرقة الإنسان في العراق و سوريا و لبنان و اليمن و مصر و فلسطين فنحن علينا ان نعي تماما أن المحرقة اليهودية للإنسانية وصلت إلينا فاذا لم ننتفض و نثور لإنسانيتنا فسيأتي الدور علينا ونحرق جميعا بنار التحريض والتكفير و الخاسر الاكبر ماهيتنا و إعتبارنا الانساني.
من هنا أيها الإنسان قف مع أخيك الإنسان و انتفض لإنسانيتك عبر وقف حمام الدم الذي يسيل بسبب الأفكار الظلامية دون جدوى, و اخمد نيران المحرقة التي اشتعلت وتكاد لا تميز بين إنسان و إنسان.
أيها الإنسان، أيها اليهودي، أيها المسيحي، أيها المسلم، قوموا جميعا معا يدا بيد لنقف سدا منيعا بوجه كل وحش يريد النيل من ماهيتنا والمس بإنسانيتنا فمحرقة اليهود لا ولن تتكرر و الواجب يدعونا لأن نعتصم و نتحرك نحو كل الذين يحملون الافكار الظلامية و
الإيديولوجيا التكفيرية التي تبيح لهم قتل الإنسان و حراقه .
العلامة السيد محمد علي الحسيني .
باريس / 0033634256183
التعليقات (0)