فقه الصيام
العلامة السيد محمد علي الحسيني
إن فرائض العبادات في الإسلام؛ كالصلاة والحج والزكاة والصيام لم يفرض وجوبها على المسلمين دفعة واحدة، بل شرعت وفرضت في أوقات مختلفة وعلى مراحل تدريجية؛ مثلا في المرحلة المكية غلب فيها كشف الخرافات وإبطال الشركيات ومحاججة الفكر الضال المنحرف وهدمه، وتأسيس العقائد الحقة التوحيدية وترسيخها، وتثبيت دعائم القيم الإيمانية والأخلاقية في النفوس، وتطهيرها من رواسب الجاهلية في العقيدة والفكر والخلق والسلوك.
بينما في المرحلة المدنية أي مع هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة واستقراره فيها، شرعت عندئذ الفرائض، وفصلت الأحكام، وعلى رأسها الصيام الذي كان تاريخ تشريعه وفريضته في شهر شعبان في السنة الثانية من الهجرة.
فريضة الصيام وشروطها
الصيام فريضة وركن مهم من أركان الإسلام أوجبه الله وفرضه بدليل قوله (عز وجل): (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
من خلال الآية الكريمة نجد التأكيد على إلزامية فريضة الصيام ووجوب أدائها الحتمي.
وشهر رمضان هو الزمن المحدد في الشريعة للصيام فيه، بقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
فالصيام ركن أساسي وأحد أهم العبادات التي بني عليها الإسلام، ولهذا فإن منكر وجوب الصيام، يعد منكرا لضرورة من ضروريات الدين الإلهي.
وقد فرض الله تعالى الصيام جاعلا له شروطا لتأديتها، ومع تحققها يتوجب على المكلف أداءه، نذكر منها وفقا لما جاء في الأدلة الشرعية:
البلوغ الشرعي - العقل وعدم الإغماء - الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس - الحضر أو عدم السفر الموجب للقصر في الصلاة - عدم الضرر من الصيام كالمريض.
علة وجوب الصيام وحكمته
تعددت النصوص الشرعية المبينة لحكمة وعلة تشريع الصوم؛ ففي حين رسم القرآن الكريم (التقوى) هدفا أساسا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) بينت الأحاديث أهدافا متعددة تصب في خانة التقوى.
ونذكر بعضا مما جاء في الأحاديث عن حكمة وعلة الصيام:
الشعور بالفقراء، وتذكر جوع وعطش يوم القيامة، والصبر على الطاعة، والتحرر من سيطرة الشهوات، وتهذيب النفس، وصلة الرحم، وتحسين السلوك والأخلاق، وتثبيت الإخلاص، والتذلل لله تعالى، والتقريب بين المسلمين وتوحيدهم.
خلاصة فقه الصيام: للصيام حكم وعلل وفوائد كثيرة، مادية، ومعنوية، ودنيوية وأخروية، وروحية، وبدنية... وهذا هو الخير من الله (عز وجل)؛ بقوله:{وأن تصوموا خير لكم}، وصح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) قوله: «صوموا تصحوا».
التعليقات (0)