فقه الإنجاب
العلامة السيد محمد علي الحسيني
إن الأولاد نعمة من نعم الله (عز وجل) التي تفضل بها على عباده، بل هم بهجة الحياة وفرحتها، وفي ذلك يقول المولى عز وجل «المال والبنون زينة الحياة الدنيا»، وهم ثمرة الزواج والرغبة في تكوين عائلة من خلال إنجاب الأطفال والحرص على الاعتناء بهم وتربيتهم، ولا شك أن التفكير في الإنجاب هي سنة إلهية ألقاها الله في قلب كل إنسان، فالمرأة تحب أن تكون أما لتعيش شعور الأمومة، وكذلك الرجل يرغب بالإحساس بالأبوة، وهي مشاعر إنسانية طبيعية، ولكن هذه المشاعر يجب أن يتم ترويضها، فالإنجاب ليس مجرد رغبة في الحصول على الأطفال فقط، إنما هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الزوجين، لذلك ينبغي أن يكون قرار الإنجاب قرارا مشتركا ومبنيا على دراسة كل الظروف النفسية والاجتماعية والصحية التي تصلح أن يعيش فيها هذا الطفل لينشأ تنشئة صحية ونفسية وعقلية واجتماعية مناسبة، وكل إهمال يحاسب عليه الأبوان «كل راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
تنظيم النسل ضرورة لتنشئة صحية
يعتقد كثيرون أن إنجاب الكثير من الأطفال هو أمر مستحب مستدلين في ذلك بقول رسول الله( صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة»، فتجدهم ينجبون دون وعي لمفهوم الإنجاب الذي يتم تفسيره بطريقة خاطئة، فمنهم من يقول إن كل ولد يولد رزقه معه، ومن النساء من تتحمل قرار الإنجاب وحدها وتقرر إنجاب عدد من الأطفال ظنا منها أنها ستنقذ زواجها ويمكنها أن تحكم القبضة على زوجها، ولو كان ذلك على حساب هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يراد لهم أن يكونوا أدوات ضغط من جهة، أو إنجابهم وعدم تهيئة البيئة الصحية لهم، فتجد الأم أحيانا غير قادرة على إنجاب أكثر من طفلين أو ثلاثة بسبب حالتها الصحية أو بسبب العمليات القيصرية التي تستدعي تباعد الولادة بين كل طفل وآخر، لكنها للأسف تعرض نفسها ومولودها للخطر، بل تعرض مصير أسرة كاملة للتزعزع إذا حدث لها شيء، ناهيك عن بعض الحالات المرضية التي يولد بها الطفل وتكون الأم أحيانا على علم باحتمالية إصابة جنينها ولكنها مع ذلك تقدم على هذه الخطوة غير المدروسة وتتسبب بالكثير من المآسي، فتنظيم النسل لا يعني تحديده، بل الحرص على دراسة البيئة التي يولد فيها الطفل.
لا شك أن الإسلام بمنهجه أولى اهتماما بالإنجاب والطفل دون تعريض حياة الأم والطفل للخطر «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، كما أنه لم يلزم الإنسان أن يكلف نفسه فوق طاقته، فإعالة الأطفال ليست بالأمر السهل وقد قال تعالى «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، كما أن تنظيم النسل يساعد الأم على الاهتمام أكثر بطفلها بالمقارنة بالإنجاب سنويا، فإن ذلك سيرهق الوالدين معا، كما أن أساليب التربية والرعاية بالطفل أصبحت مكلفة وليس الحال كما كانت تربية الأجداد، فكل طفل بحاجة إلى ميزانية، خصوصا إذا كانت الأم غير مرضعة بالتالي قد ترهق كاهل الأسرة إذا انعدم التنظيم.
الإنجاب أمانة ومسؤولية
ومن خلال ما تعرضنا له آنفا نصل إلى القول إن الإنجاب هو نعمة وقرار مشترك ولكنه أمانة ومسؤولية يجب أن يعيها الزوجان، والعبرة ليست بالكثرة إنما بالنوعية، وكما قال الصحابي علي رضي الله عنه «قلة العيال أحد اليسارين»، فأن تحافظ على أولادك وتربيهم على الأخلاق والمبادئ والقيم وتعلمهم مختلف العلوم ليس مهمة سهلة خصوصا في هذا العصر المليء بالتحديات التي تتطلب جهدا مضاعفا لحماية أبنائنا من الكثير من الآفات الخطيرة التي تهددهم، كما أن الإمكانيات المادية والنمط المعيشي تغير وبالتالي نرى أنه ينبغي الإدراك أن تهيئة الظروف كما قلنا مسؤولية الوالدين، والتنصل منها تحت أي سبب من الأسباب هو خيانة للأمانة التي وهبها الله لعباده، وقد حذر النبي (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) تضييع هذه الأمانة فقال «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة».
خلاصة فقه الإنجاب، نؤكد على أهمية معرفة قيمة الإنجاب وأهمية تنظيم النسل لما له من إيجابيات متعددة تكون في صالح الآباء والأبناء، ولا شك أنه ينعكس بالخير على المجتمع بأكمله.
التعليقات (0)