لا شك أنّ الهدم ليس كالبناء، لأنّه أسهل مايكون، فهو لا يحتاج إلى ذلك الجهد والعمل والوقت وإنّما يمكن إتمامه في أسرع وقت ممكن، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لو قمنا بتشييد عمارة من 20 طابقا، فكم سنحتاج إليه من الوقت والجهد والإمكانيات والأموال لإكماله؟
ثم لو أردنا هدم عمارة من 20 طابقا، فكم سنحتاج من الوقت والجهد والعمل؟.
من المؤكد جدا أنَّ الفرق شاسع جدا بين الحالتين،حيث لا يمكن مقارنتهما.
عندما قمنا بخطوة التقريب بين المذاهب الإسلامية، فإن الهدف لم يكن هدفاً مرحلياً وتكتيكياً من أجل أغراض وأهداف محددة وإنّما كان أبعد من ذلك بكثير، فقد جاءت هذه الخطوة الإيجابية كرسالة نؤمن بها ونعتقد بضرورة تحقيقها في خضم أوضاع وظروف غير مسبوقة من حيث التناحر والانقسام والاختلاف الطائفي والمذهبي الذي لم نشهده خلال التاريخ المعاصر، وقد كان الهدف والغاية الأساسية وراء إطلاق هذه الخطوة هو العمل باتجاه تقريب أبناء الأمة الإسلامية ولم شملهم وقطع دابر الفرقة والاختلاف بينهم، جوبهنا باعتراضات وحالات رفض متباينة دعتنا إلى التخلي عن هذا النهج واختيار ماهو دارج ومطروح على الساحة أي الإقصاء والاحتراب، ولأننا قد أدركنا بأن المطروح على الساحة لا يمكن أن يتجاوب ويتطابق مع ما نؤمن به من نهج ورسالة، فإننا مضينا على ماقد رأيناه الأفضل لنا ولأمتنا.
*الإسلام قام على جهود الرسول بمساندة أهله وأصحابه*
عندما تشرفت بزيارة المسجد النبوي الشريف والوقوف عند الحضْرة النّبوية الشريفة، وتنسمنا نسائم العبق المحمدي الشريف وتشرفنا بزيارة صاحبيه أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وترضينا عليهما، فوجئت بأن ماقد أقدمت عليه قد أثار حفيظة بعض المتطرفين والمتشددين، بلْ إنّ رهطا منهم أقام الدنيا ولم يقعدها وتعرض لنا بالسب والشتم والتهديد والوعيد فضلا عن التكفير والتضليل، وكأنّنا خرجنا عن الإسلام والعياذ بالله أو جئنا بأمر بالغ القبح والشناعة، وتناسى هؤلاء أو بالأحرى يتناسون ويتعمدون التجاهل لأسباب مختلفة أن الإسلام قد قام على عمل وجهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وعلى جهد أصحابه الميامين، وعندما نتصدى لأي بحث أو دراسة أو أي أمر آخر من هذا القبيل بشأن الإسلام، فإننا نضع نصب أعيننا دائما بدايات انطلاق الإسلام و كيف أنّ النّبي الأكرم وأصحابه عانوا الأمرين من أجل جعل الإسلام أمرا واقعا.
بالنبي والآل والصحابة وصل إلينا الإسلام وبهم ومعهم يتحقق التقريب بين المذاهب الإسلامية
النفخ في القرب الطائفية المثقوبة -المثقوبة حقا-، والسعي للإصرار والتأكيد على الركائز الواهية والمفتعلة لاختلاف الأمة الإسلامية واستحالة وحدتها واتفاقها على كلمة وموقف واحد جامع، كان للأسف ولايزال هم جانب ملفت للنظر، من الشيعة والسنة المتطرفين الذين يريدون تشويه وتحريف التاريخ المجيد للإسلام وفرض أفكار ومفاهيم متعارضة و متناقضة قلبا وقالبا مع الأفكار والمفاهيم التي كانت مطروحة خلال عهد الخلفاء الراشدين، بالأخص خلال عهد الخليفة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وما يمكن استخلاصه واستشفافه من عهد الخلفاء الراشدين هو أنّ كلمة الإسلام ومصلحته العليا كانت فوق كل اعتبار وهذا الدرس البليغ الذي يبدو أن الكثيرين لم يفهموه ولم يستوعبوه كما يجب، فظلوا يرددون أفكارا ورؤى ومفاهيما لا تتفق البتة مع الأفكار والتوجهات الإسلامية الأصلية التي تم طرحها خلال بدايات الإسلام.
*نهج الصحابة واهل البيت واحد على خطى الرسول ..وعلى أتباعهم نبذ الفرقة والاختلاف*
إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، قد انطلق بالدعوة ومعه أصحابه وعلى رأسهم، أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ومضوا معا وصبروا وتحمّلوا وجاهدوا معا وتصاهروا وتوفوا معا ودفن النبي ومعه صاحبيه أبو بكر وعمر، فبفضل النبي والآل والصحابة وصل إلينا الإسلام وبهم ومعهم تشكلت وتحققت الوحدة الإسلامية.
إنّ ماقد قمنا به من السلام على النبي وأصحابه والترضي عليهم هو أقل الواجب علينا كمسلمين، وإنّ ماقد قام به بعض الجهلاء من رد علينا بالسب والشتم وهم يدعون الإسلام واتباع أهل البيت، في حين أن أهل البيت لم يسبوا يوما ولم يشتموا، بل إن موقفهم من الصحابة يمكن استخلاصه واستشفافه من الأقوال والأحاديث الشريفة التي ندرجها أدناه من أجل التأكيد على أنّنا لم نقم بما قمنا به عن جهل ودون علم مسبق، من أن الإسلام قد بني على أيادي النبي الأكرم والصحابة، ليس هناك إطلاقا أي تعارض أو تضاد بين نهج أهل البيت وبين الصحابة رضي الله عنهم، أبدا فكلاهما ينطلق وينبعث من مشكاة واحدة، الصحابة رضي الله عنهم، قد قاموا بأداء دورهم المطلوب من أجل بناء صرح الإسلام وإعلاء كلمته وإن كل مايقال أو يشاع خلاف ذلك ليس من الإسلام في شيء، وإننا كلما توجهنا توجها وحدويا ونبذنا الفرقة والاختلاف، فإننا بذلك نكون قد أرضينا الله والرسول وعُدنا إلى الإسلام الحقيقي وعملنا على تفعيل المتفق عليه والذي يؤدي إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية عمليا وهذا هو إسلامنا وهذه عقيدتنا.
العلامة السيد محمد علي الحسيني
التعليقات (0)