الحسيني :عن السنن الالهية و بني إسرائيل
طرح القرآن الکريم رٶية متعددة الجوانب و الابعاد للوجود و الحياة، ومثلما حدد مجموعة سنن و نواميس للکون و الطبيعة، فإنه قد حدد مجموعة سنن و نواميس للحياة و للمجتمعات باعتبارها قوانين صارمة تستدعي الانتباه إليها و أخذها على محمل الجد و الاعتبار، وان هذه السنن الکونية و الانسانية على حد سواء، هي سنن إلهية وان الالمام و التمعن و التمحيص بها تعتبر من أفضل و أسمى الوسائل و السبل لکمال العلم بالله تعالى وقدرته و صفاته و أفعاله مثلما انها تعتبر أقرب الطرق إليه و أقوى الآيات الدالة عليه و أعظم العلوم التي يرتقي بها البشر في الحياة الاجتماعية المدنية، فتکون لهم نبراسا و منارا تهديهم ليس سبل الرشاد و الهداية فحسب بل معنى و کنه السعادة و القوة و الثقة بالنفس على أصدق وجوهها.
کثيرة و متباينة تلك السنن التي تناولها القرآن الکريم و جعلها منهاجا للبشرية کي تسير في ضوئه و ضيائه، وهي تضع أسس و مقومات ترشد الانسان بصفته و بعده الاجتماعي ذلك ان الانسان کما نعرف کائن إجتماعي بطبعه و أقسى عقوبة له إخراجه او ابعاده من المنظمومة الاجتماعية و لذلك فإن السنن الاجتماعية هي الاکثر و الاقوى تأثيرا على الانسان، وقد طرح القرآن حياة العديد من الامم الغابرة في آياته لکنه رکز بصورة خاصة على بني إسرائيل-إسرائيل هو نبي الله يعقوب ابن إسحاق ابن ابراهيم (ع)-، الذين واجهوا شتى صنوف العذاب و المعاناة و الجوع و الخوف و الارهاب و المطاردة و النفي وهم في مواجهة ظلم و طغيان و إرهاب فرعون، لکنهم صبروا و صابروا حتى تجاوزوا المحنة و حلت عليهم النعمة الالهية بالنصر و الظفر بالنبي موسى (ع).
(إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ)
المعاناة و الظروف الاستثنائية التي مر بها بنو اسرائيل و الاهوال التي واجهوها و التي سلط القرآن الکريم الاضواء على جوانب عديدة منها، نبهنا القرآن الکريم أيضا الى النصيحة المثلى التي أسداها النبي موسى"ع" لبني إسرائيل عندما خاطبهم کما ورد في القرآن:(قال موسى لقومه إستعينوا بالله و اصبروا)، وقد أخذ قومه بنصيحته و استعانوا بالله و صبروا و لذلك فإن الله سبحانه و تعالى جزاهم خيرا(وتمت کلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا)، ومن المهم أن نستلهم و نأخذ الدروس و العبر من ملحمة الصبر لدى بني إسرائيل و من کونهم قد ساروا خلف نبيهم وفق ماارتئته وارادته منهم السنن الالهية و لذلك فإنهم نالوا الظفر و ذاقوا حلاوة ثمرة مابعد الصبر على الشدائد ونجوا بذلك من ظلم و طغيان فرعون.
الدرس الکبير الذي يمکن أخذه من قصة بني إسرائيل، هو أن الله ينصر المظلومين و يقف الى جنبهم ضد الظالمين، لکن بشرط أن تکون هناك إستعدادات من جانب المظلومين لتلقي النصر الالهي، وأهم هذه الاستعدادات هو إنتظار الفرج بصورة إيجابية أو بکلام أوضح الصبر الايجابي الذي يعني عدم الاستسلام الکامل للظالمين و إبقاء جذوة الامل و الايمان بالنصر و قدوم الفرج متقدة في أعماق النفس، وان هذا الايمان هو الذي يمهد للفرج الالهي و الانتصار على الظالمين( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).
إن سنة الله تجري في خلقه کما هي منذ الازل و کما أکدت الآية الکريمة:(فهل ينظرون إلا سنة الاولين فلن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا).
*العلامة السيد محمد علي الحسيني .
التعليقات (0)