الحسيني :الحوار الاسلامي ـ اليهودي ضرورة لأکثر من إعتبار
طوال العقود الماضية، تم التأکيد و التشديد على مسألة الحوار بين الاديان و ضرورة و أهمية ذلك في المحافظة على السلام و الامن و الاستقرار في العالم، لکن من المهم أن نشير هنا أن التأکيد کان دائما ينصب على الحوار الاسلامي ـ المسيحي، مع إيلاء أهمية جانبية للحوار الاسلامي ـ اليهودي، رغم ان الحوارين هامين و حيويين بالنسبة للأمة الاسلامية، لکن من الخطأ تفضيل أحدهما على الآخر خصوصا وان کليهما دينان سماويان ولکل منهما أهميته و إعتباراته الخاصة.
التمحيص و التدقيق في الديانتين الاسلامية و اليهودية، نجد ان کليهما يؤمنان بنفس الرب و ينسبان له صفات مشترکة مثلما ان الافعال المنسوبة إليه هي ذاتهما دونما تغيير کخالق للسموات و الارض، کما نجد بأن الديانتين تشترکان في تحديد مشاعر و أحساسيس الواجب و الالتزام و المسؤولية الدينية تجاه الرب، ولذلك فإن هناك سننا و قوانين محددة تتحکم في العلاقة مابين البشر و خالقهم في الديانتين و مايتفرع عن ذلك على مايتعلق بدور العدل في الحياة الاجتماعية و في حياة الفرد ذاته بما يضع للقضاء من أهمية و مکانة خاصة، هذا ناهيك عن أن الديانتين تشترکان في مفاهيم التحريم و الحدود الشرعية، ويؤمن کلهما بنبوة ابراهيم وموسى، ومن هنا، فإننا نجد أن هذه الارضية جامعة تسمح بالتقارب أکثر مما تتيح التباعد و التنافر بين الديانتين.
العودة للتأريخ و منعطفاته و الاحداث و المتغيرات التي حفلت به، مع کل منغصاتها و سلبياتها، فإنه کان هنالك أيضا جوانب مشرقة و ناصعة منها تؤکد على إنتصار إرادة الخير و الحوار و التفاهم و التعايش السلمي بين الديانتين، بل ومن المفيد هنا الاشارة الى أن الکثير من رجال الدين اليهود قد ساهموا بنشر اللغة العربية و علومها و آدابها خلال الفترة المحصورة بين 900 الى 1200 ميلادية، کما ان التعايش السلمي الذي کان سائدا بين المسلمين و اليهود في عهد الدولة العثمانية بصورة خاصة، وقبلها العباسية و الاموية بصورة عامة، تؤکد بأنه بالامکان تجاوز الکثير من اسباب و عوامل الفرقة و الاختلاف و البحث في القواسم المشترکة و نقاط الالتقاء بين الجانبين.
لايمکن التعامل بصورة إنتقائية مع التأريخ مثلما لايمکن أيضا النقاط و الاسس و الرکائز التي تجمع بين إتجاهين مختلفين، والحقيقة لايمکن أن نعتبر الاختلاف بصورة عامة على انه حالة سلبية، بل ان التنوع و تباين الاطياف و المکونات الدينية و العرقية هي بحد ذاتها تأکيد على فلسفة الاديان الاساسية في عظمة و قدرة الله المطلقة في خلق کل هذا التنوع و الاختلاف و السماح لهم بالعيش على مساحات و مناطق محددة بما يدعوهم للتأمل و التمعن في فلسفة الوجود و الکينونة، وان ماجرى خلال القرن العشرين من أحداث دموية و مأساوية ليس من المستحسن سحبها على العلاقة بين الديانتين و جعلها معيارا للتعامل و المقايسة، بل يجب تجاوز ذلك لأنها کانت إنعکاسا لحالات سياسية حيث تتلاشى و تنعدم القيم الدينية في مثل هذه الحالات و تقفز مکانها الاهواء و الامزجة و الميول و الانفعالات النفسية، ومن المهم أن يکون للحوار بين الديانتين الاسلامية و اليهودية السيادة على أرض الواقع و عدم السماح للاتجاهات و السياقات السياسية المبنية اساسا على النزعات و الرؤى الضيقة أن تکون لها الغلبة.
الحوار الاسلامي ـ اليهودي ضروري لأکثر من إعتبار، لأن تطورات و مستجدات الامور و الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط بصورة خاصة، تدعو و تحث لکي يبذل علماء الدين من الديانتين مافي وسعهم من أجل إيجاد أرضية مناسبة لحوار إيجابي يغني العلاقة الانسانية بين الديانتين و يثريها و يدفعها بسياقات تخدم مبادئ الخير و الحق و الاخوة الانسانية.
العلامة السيد محمد علي الحسيني.
التعليقات (0)