الحسيني :التقارب بين الأديان أساس الحوار بين الحضارات
يعصف بالعالم أحداث وتطورات غير مسبوقة من خلال تصاعد غير مسبوق لحمى التطرف الديني الذي يرافقه إرهاب دموي بات يلقي بظلاله السوداء رويدا رويدا على مختلف المناطق العالم ولاسيما بعد الهجمات الارهابية الدامية على باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني2015، وذلك مايشکل خطرا و تهديدا غير عادي من الضروري جدا أن يکون هناك عمل وجهد دولي مشترك من أجل کبح جماح هذا التهديد وإيجاد سياق و نهج إنساني حضاري يدعو و يحث للتقارب و المحبة و التعاون و الالفة.
اليوم، وفي ظل التهديدات المحدقة بالعالم، وتزايد لغة العنف والقسوة و ترافق ذلك مع طابع ديني(والدين في حقيقته براء من ذلك)، فإن التأکيد مجددا على قضية التقارب بين الاديان صارت ملحة أکثر من أي وقت آخر وخصوصا بين أتباع الديانات السماوية الثلاثة اليهودية -المسيحية -الاسلام والسعي من أجل إيجاد القواسم المشترکة والجامعة بين الاديان والعمل والسعي المشترك من أجل الحد من أية ظواهر أو مظاهر تدعو للتباغض والتباعد والتنافر والمواجهة بين الاديان الثلاثة أو باسمها، ولأن الاديان الثلاثة مصدرها ونبعها هو الله عزوجل، فإن الذي لاشك فيه أبدا يمکن إيجاد أکثر من أرضية مناسبة للتقارب والتفاهم مابين الاديان ولاسيما لو أشرف على الجهد رجال دين مخلصون يضعون مصلحة الانسانية ومصلحة العالم أجمع فوق أية مصلحة أخرى، وإن الذي لاشك فيه أبدا هو أن أية ديانة لاتدعو لکراهية العالم و فنائه من أجل استمرار وبقاء ذلك الدين.
المتطرفون والارهابيون وأولئك الذين لهم مصلحة في إظهار الاسلام کدين معادي للانسانية ويزعمون بأنه ينعدم فيه المحبة و الالفة والتسامح، فإن هناك الکثير من الادلة والقرائن الشرعية من القرآن الکريم و السنة النبوية الشريفة تثبت خلاف ذلك تماما، بل وإن ماجاء في سورة قريش:(لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء و الصيف، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف)، يثبت بأن الإسلام دين سماوي كاليهودية والمسيحية ضد إرعاب وإرهاب وتجويع الشعوب، ذلك إن الله تعالى في هذه السورة الکريمة، يستشهد بالالفة أي المحبة و التقارب بين الناس کرمز و نموذج إيجابي يبارکه ويحث عليه، وفي نفس الوقت يطالب عزوجل الناس بعبادته وهو الذي "أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف"، أي وفر لهم العيش و الامان، وقطعا إن الله تعالى الذي يوفر الرزق للدواب ولکل الکائنات الحية و البشرية جمعاء بمن کان مٶمنا به ومن لم يکن مٶمنا به، ولذلك فإن الذين يقومون بإرعاب الناس وتخويفهم وتجويعهم وابتزازهم على اساس الإسلام فإن الاسلام برئ منهم تماما.
المحبة والحب في الإسلام، ليست أمرا اعتباطيا أو طارئا ذلك أن هناك تأکيدات من السنة النبوية ومن القرآن الکريم نفسه، حيث تقول آية في سورة آل عمران:(قل إن کنتم تحبون الله فاتبعوني يحببکم الله ويغفر لکم ذنوبکم والله غفور رحيم)، ومن هنا فإن ترکيز الآية الکريمة على مايتعلق بالمحبة في موقعين، يدل على أهمية مفهوم الحب والمحبة في الإسلام خصوصا عندما يتم الربط بين المحبة والله تعالى، وفي نفس السياق نجد الحديث النبوي الشريف الذي يٶکد و بصورة واضحة و حاسمة على ماهية و جوهر الدين الإسلامي عندما يقول الرسول الاکرم"ص":(الدين هو الحب و الحب هو الدين)، ومن هنا فإن الاسلام کما نرى يٶکد على المحبة و يدعو لها وهو بذلك يخالف و يتقاطع مع مزاعم المتطرفين والارهابيين.
الدعوة للمحبة لم تقتصر على الإسلام فقط وانما نجد ذلك أيضا في المسيحية، حيث جاء في الکتاب المقدس:"أکرموا الجميع. أحبوا الاخوة. خافوا الله، أکرموا الملك"، وکذلك:"أما الان فيثبت: الايمان و الرجاء و المحبة، هذه الثلاثة ولکن أعظمهن المحبة" أو:"المحبة لاتسقط أبدا"، أما في العهد القديم، فقد وردت أيضا نصوص تدعو للمحبة وتحث عليها نظير:(البغضة تهيج الخصومات، و المحبة تستر کل الذنوب)، وکذلك:(أکلة من البقول حيث تکون المحبة، خير من ثور معلوف ومعه بغضة)، أو(وتطلب التأديب هو المحبة و المحبة حفظ الشرائع و مراعاة الشرائع ثبات الطهارة)، ومن هنا، فإن تأکيد الديانات الثلاثة على أهمية المحبة ووجوبها ورفض البغض والکراهية، لابد من أن يصبح ذلك على سبيل المثال لا الحصر أساس ومنطلقا للاتفاق لإرساء أرضية مشترکة تجمع بين الاديان الثلاثة وتوحدها بهذا السياق بما يرسخ التقارب و التفاهم و التعاضد الذي يجعل منه أساسا و منطلقا حيويا ونابضا للحوار بين الحضارات و التصدي للتطرف والارهاب و الانغلاق.
*العلامة السيد محمد علي الحسيني
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان
التعليقات (0)