العلامة الحسيني: قتل النفس حرام مهما كانت الذرائع
نحذر زعماء الطوائف من زج الناس في فتنة جديدة
ألقى سماحة العلامة السيد محمد علي الحسيني خطبة الجمعة في مصلى بني هاشم في الضاحية الجنوبية لبيروت وتناول فيها حرمة قتل النفس في الإسلام.
وقال : يقف الإسلام موقفا جديا بالغ الصلابة من موضوع اليأس والقنوط، ويحث الإنسان بمختلف السبل المتاحة کي يقي نفسه بشکل خاص، وأهليه بشکل عام، من هذه الحالة، خصوصا وأن الشيطان، من خلال جنده من الإنس والجان، يعمل على بث روح اليأس والتشاؤم في أعماق الإنسان، و يدفعه إلى زوايا تنعدم فيها تماما کل أسباب الأمل والرجاء والتفاؤل بغد أفضل.
يقول الله تعالى في محکم کتابه المبين:{ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الکافرون}. أما الرسول الأکرم {ص} فيقول: "ثلاثة لا يسأل عنهم: رجل نزع الله عز وجل رداءه، فإن رداءه الکبر، و إزاره العزة. ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله تعالى".
لقد جعل الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة ، اليأس صفة للقوم الکافرين الذين مأواهم الجحيم. أما في الحديث الشريف الذي أوردناه آنفا، فإن الله يؤکد للإنسان بأن القنوط من رحمته واحدة من المسائل التي لا يسأل عنها الإنسان يوم الحساب، وإنما يجد نفسه في مواجهة وزر قنوطه من رحمة ربه التي "وسعت کل شيء".
ويقينا إن تأکيد الإسلام بشکل عام على ضرورة اجتناب اليأس والقنوط لم يأت اعتباطا، وإنما بني على أساس أن التفاؤل والأمل والثقة المطلقة برحمة الله، هي من اللبنات الأساسية التي ترتکز عليها العقيدة الإسلامية. وهناك علاقة جدلية ، أو علاقة السبب والمسبب، بين اليأس والقنوط وبين إقدام الإنسان على قتل نفسه بأية وسيلة أو طريقة کانت، وبين جنوحه الكامل نحو اليأس والتشاؤم والقنوط . ذلك أن الإنسان في بعض الأحيان عندما تضيق به السبل، يجد نفسه بدافع شيطاني في هوة اليأس، وفي عتمة أفکار سوداء، وضبابية تشوش مخيلته، وكلها إلقاءات شيطانية خبيثة تورّط الإنسان بدفعه لارتکاب جناية قتله لنفسه وإلقائها في نار جهنم عن قصد وسابق إصرار وتصميم.
لقد حرم الله تحريما مطلقا قتل النفس اذ قال في محكم كتابه : {ولاتقتلوا أنفسکم إن الله کان بکم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا و ظلما فسوف نصليه نارا وکان ذلك على الله يسيرا}. {ولاتلقوا بإيديکم إلى التهلکة}. {ولاتقتلوا النفس التي حرم الله}. فحرمة قتل النفس، أعم من أن يقتل الإنسان نفسه أو نفس غيره.
وفي السنة النبوية الشريفة قال رسول الله (ص): (الذي يطعن نفسه إنما يطعنها في النار، والذي يخنق نفسه، يخنقها في النار) ،( من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه, فهو يتحساه في نار جهنم خالدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا).
وبناء عليه، ومن خلال هذه الآيات والأحاديث نستدل على حرمة قتل النفس تحت أي ذريعة كانت ، سواء بتنفيذ العمليات الانتحارية غير المبررة بأي عنوان ثانوي ، أو بحرق النفس احتجاجا على مظلمة ما . إن قتل النفس في أي حال من الأحوال هو تعبير نفس يائسة ضعيفة.
من هنا، ومن موقعنا الإسلامي، وفي الوقت الذي نقدّر ونتفهم أعمال المقاومة ضد الاحتلال ، أو التحرك الشعبي في بعض الدول العربية وغيرها ، فإننا نشدد على وجوب أن يلتزم الشباب المسلم بشرع الله في حركتهم السياسية والعسكرية إن الانتحار بتفجير النفس أو حرقها كوسيلة للتعبير عن الرفض أو السعي لتغيير الواقع ، هو أمر مخالف وبشکل صريح للمباني الشرعية بهذا الخصوص ويتناقض معها بکل وضوح، وحتى لو وضعنا المباني الشرعية على حدة، و نظرنا للأمر من زاوية تربوية إنسانية، لوجدنا أنها ستکون حافزا سلبيا خطيرا يهدد البناء النفسي والتربوي للأطفال الذين هم عماد المستقبل ولبنته الأساسية.
وفي الشأن السياسي فإننا ندعو الفرقاء السياسيين في لبنان إلى تهدئة الخطاب السياسي والتوقف عن التصعيد حتى لا يؤدي التخاطب الحاد الى عودة الاحتقان والانفجار للشارع .فقد عاش هذا البلد ما يكفي من المآسي ، فهل يريد زعماء الطوائف أن يزجوا بشعبه مرة أخرى إلى آتون الفتنة والعياذ بالله .
إن المطالب السياسية لهذا الطرف أو ذاك ، سواء كانت تخص المحكمة الدولية ، أو السلاح ، أو آلية الحكم ، لا تبرر العرقلة القائمة لعملية تشكيل الحكومة . وعلى العكس من ذلك فان التأخير هو خيانة للأمانة التي منحها الناس لممثليهم في مجلس النواب .والمطلوب وقفة ضمير من مختلف القيادات تؤدي إلى تسهيل مهمة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة لانجازها في أسرع وقت .
لقد شاهدنا الامور تتطور ايجابيا في الشقيقة الكبرى مصر ،لجهة الخطوات السياسية الجارية للعودة إلى الحياة الطبيعية ولتلبية مطالب الشعب المصري وفق آلية هادئة وسلمية . وكلنا أمل أن تحقق العملية السياسية المنعة الداخلية لهذا البلد العظيم ، وتعيد له دوره القيادي على المستوى العربي والدولي. ويصبح من واجب القوى السياسية والشبابية أن تلتزم الهدوء وتعود إلى صوت العقل ، بالامتناع عن إطلاق التظاهرات وأعمال الفوضى حتى لا تتعثر تلك العملية .
إن ما شهدته مملكة البحرين الشقيقة أمر مؤسف ، فالتظاهرات التي كان يفترض أن تكون سلمية ترفع بعض مطالب الإصلاح ، تحولت على يد بعض المندسين إلى أعمال تمرد وشغب خارجة عن القانون ، ما شكل تهديدا جديا لاستقرار النظام وديمومته ، وبالتالي وضع المملكة في دائرة الخطر والاستهداف الإقليمي .
لا شك أن سقوط الضحايا من المواطنين أمر مؤلم للغاية ، وهذا ما وصلت أصداؤه إلى جلالة الملك حمد بن خليفة آل عيسى ، الذي رفض بشجاعة موصوفة النزف في صفوف شعبه ، وأمر بالتحقيق الفوري والجدي بالأسباب . إن هذا الموقف الحكيم عبرعن بعد نظر وسعة صدر، وعبر عن صفاته كأب رحيم وولي أمر أمين ، يعمل على تلبية مطالب الشعب ،ما يستوجب على جميع المواطنين التجاوب مع جلالته .
إننا ندعو من موقعنا المرجعي للشيعة العرب أبناءنا في البحرين إلى العودة إلى الهدوء ، وندعو جمعية الوفاق البحرينية بالعودة عن قرارها الانسحاب من مجلس النواب ، لان الحفاظ على العملية الديمقراطية التي وضعها جلالة الملك ، بعد تاريخ طويل من المطالبات الشعبية ، هو الأهم في هذه المرحلة ، حفاظا على البحرين عزيزة منيعة في مواجهة محاولات الاختراق الخارجي ، وحفاظا على شعبها مكرما على أرضه .
إننا ناسف لما آلت إليه الأوضاع في كل من اليمن وليبيا ، حيث تطورت المطالب إلى تظاهرات عنيفة لم تخل من اشتباكات بين الأهالي ، وبين بعضهم وقوات الأمن . إن هذا الطريق ليس طريق التغيير الديمقراطي . ونحن نطالب بكل إصرار وقف الاضطرابات المتنقلة من دولة عربية إلى أخرى ، وكأن هناك مخططا مدروسا لزعزعة استقرار هذه الدول ، والمس بالأمن القومي العربي .
لقد بلغنا عن وجود حملة اعتقالات واسعة في صفوف إخواننا العرب في منطقة الاحواز ، وهذا ما نستنكره وندينه بشدة ، لأنه يناقض الشرائع السماوية والقوانين الدولية التي تحمي المدنيين في المناطق الخاضعة للاحتلال .
إن الواحب القومي والإنساني يوجب علينا التضامن مع الشعب الاحوازي ومساعدته ولا سيما المهجرين منهم في دول المنطقة ، لان قضيتهم قضية حق إنسانية بالدرجة الأولى .
أما في إيران فإننا نستغرب كيف ينبري نظام ولاية الفقيه الحاكم للدفاع عن التظاهرات في الدول العربية تحت ذريعة الديمقراطية وهو يقمع ويمنع التحركات السلمية عنده ، وكأن للديمقراطية معيارين وميزانين ، واحد لبلاد العرب ، وآخر لغير العرب في هذا الإقليم .
إن من حق الشعب الإيراني أن يعبر عن رأيه وان يستمر بانتفاضته الخضراء بسبب التزوير الفاضح لإرادته السياسية أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، وكما دعمت بعض دول الغرب تظاهرات مصر وتونس ، ينبغي أن تتصدى لقمع نظام الملالي لثورة الشعب الإيراني .
الجمعة:18/2/2011
http://an-lb.com/?id=10314
التعليقات (0)