التعايش السلمي عماد و جوهر الاديان السماوية
يعتبر موضوع التعايش السلمي بين الشعوب المٶمنة بأديان سماوية مختلفة، موضوعا بالغ الاهمية و الخطورة و يمکن إعتباره أفضل مقوم و اساس مناسب لإستتباب سلام و أمن و إستقرار حقيقي بالمعنى الواقعي و الحرفي للکلمة، لإنه"وهنا النقطة الاهم"، يعکس فلسفة و مضمون و توجه الاديان السماوية و معيار فهمها و إستيعابها الشمولي للواقع الانساني و عدم معاداته و الوقوف بوجهه.
أسوء الفترات و المراحل التاريخية التي مرت بالبشرية و عانت منها کثيرا هي تلك الفترات و المراحل التي کانت فيها مواجهات و حروب قائمة على إختلافات دينية او بالاحرى مسائل و مطامع سياسية مغطاة بالدين، وقد حفلت تلك الفترات السوداء بکوابيس و کوارث إنسانية فظيعة جدا ليس بوسع الانسانية تحمل المزيد منها بعد الضرائب الباهضة التي دفعتها من دماء الاجيال المختلفة لشعوب العالم المنتمية لأديان سماوية مختلفة.
الحروب و المواجهات الدموية التي قامت على أساس ديني، لو عدنا إليها و تمحصنا فيها و درسناها بتأن و روية، لوجدنا بأن السبب الاساسي يقوم على اساس دافعين اساسيين هما:
اولاـ القول بأفضلية دين دون آخر او طائفة دينية دون أخرى، وهو مايوغر في الصدور و يدفع للإيغال في قتل الآخرين بدعوى نصرة الدين کما حدث طوال العديد من الفترات التاريخية السوداء.
ثانياـ جهل الشعوب لأديانها و عدم معرفتها بفحوى هذه الاديان و نزعتها الانسانية المٶمنة بالتعايش السلمي، خصوصا وان الساحة کانت تفتقد في تلك الفترات و المراحل الى علماء أديان متبحرين في الاديان و متفهمين للرسالة الاساسية لهذه الاديان بضرورة التعايش السلمي بإعتباره العماد و الجوهر الاساسي لهذه الاديان.
الدين الاسلامي الذي للأسف يحاول متطرفون و ضيقوا الافق(کما في الاديان السماوية الاخرى أيضا)، أن يجعلوه يبدو وکأنه دين ليس رافضا للآخر فقط وانما يدعو لإبادته و قتله، إنما هو سعي مشبوه و مشوه و معادي للإسلام و مخالف و مناقض له، ذلك اننا لو طالعنا الآية الکريمة:( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)، والحق ان مبادئ التعايش بين الاديان السماوية تتلخص في هذه الآية الکريمة ذلك إن الاتفاق على أن هناك إله واحد و هو منبع و أساس الاديان السماوية و يجب تنزيهه و عدم المس به، کما ان التفاهم حول الاهداف و الغايات و التعاون المشترك من أجل تحقيق أهداف مشترکة متفق عليها الى جانب ما وجدناه متوافقا في تراثنا نرد إليه ما اختلف فيه، وبذلك يمكن وضع قاعدة مشتركة بين الأديان، وان الذي يجمع بين هذه النقاط و يربطها ببعضها بقوة هو التسامح الذي لاريب من إن الاديان السماوية مشرئبة به بما فيه الکفاية، وإن الدعوة لثقافة التسامح من جانب علماء الاديان السماوية.
العودة الى الفترات و الحقب التاريخية التي شهدت مواجهات دينية دموية دفع الابرياء ثمنا باهضا لها من دمائهم، نجد إنها کانت مشبعة بنشر ثقافة الحقد و الکراهية و رفض و إقصاء الاديان الاخرى و عدم القبول بها، هذه الثقافة العدائية المعادية لأصل المبدأ الذي قامت عليه الاديان السماوية، هي التي غذت العقول بمحفزات الاعتماد على القسوة و العنف و جعلها أساسا لفرض دين على أديان أخرى، ونحن نجد إننا وبعد مرور کل هذه القرون(وليس الاعوام او العقود)، لم يتمکن دين ما من حسم الامر له، مثلما إنه لم يتم إبادة دين او جعله ينقرض في العالم، فالاديان و الشعوب باقية لکن الذي ولى و إنقرض الى حين هو ثقافة الکراهية و الحقد الديني المبنية على الجهل و معاداة الدين نفسه، وفي هذا الامر معنى عميق يجب التفکر و التدبر فيه مليا.
اليوم و نحن نواجه مجددا تصعيدا ملفتا للنظر في ثقافة الکراهية و الحقد الديني و المساعي المبذولة من أجل إحيائها و بعثها من جديد، علينا"وخصوصا علماء الاديان"، أن نعلم بإن هذه الثقافة المشبوهة و الظلامية هي معادية و مناقضة للأديان نفسها قبل غيرها وان بعثها من جديد يضر الاديان و يمس من جوهر رسالتها الانسانية المشبعة بالحب و التعاطف و المودة و التواصل و التضحية و الإيثار ولذلك فإن المطلوب منا ليس هو التأکيد على ثقافة التسامح و التعايش السلمي و القبول بالآخر و والدعوة لها بمختلف الوسائل لأننا بذلك نحقق أکثر من هدف و غاية وقبل ذلك کله ننتصر لجوهر و أساس الاديان السماوية.
* العلامة السيد محمد علي الحسيني
التعليقات (0)