فريضة الصيام في الأديان
الصوم هو أحد الفرائض التي أمر بها الله تعالى في القرآن الکريم، والصوم بمعنى الإمساك، أي الامتناع التام عن الأكل و الشرب وأمور اخرى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو فرض على کل مسلم ومسلمة قادر، وقد تم فرضه على المسلمين في السنة الثانية للهجرة و تحديدا في شهر شعبان عندما نزلت الآية الکريمة من سورة البقرة(ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، ومن الشروط الواجبة في الصيام، أن يکون المرء مسلما عاقلا بالغا قادرا، ويکون الصوم في شهر رمضان المبارك.
الصوم في الديانة الاسلامية بإجماع المسلمين، هو أحد الأركان الخمسة لها، وقد جاء في الحديث الشريف"عن رسول الله (ص): بني الإسلام على خمس: شهادة لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزکاة، و صوم رمضان وحج البيت من إستطاع إليه سبيلا" وفضائله متعددة، ويشرع قيام لياليه، خصوصا العشر الأواخر منه، وفيه ليلة القدر.
وللصوم فوائد عديدة فهو لدى الأمة الإسلامية موعد للفرحة والبر والصلة و عوائد الخير، وماعدا صوم رمضان يشمل: الصوم الواجب کالنذر و القضاء، وصوم التطوع.
ولأهمية الصوم ودوره في تهذيب النفس وترويضها وتوجيهها بما يجعلها قويمة إلى جانب الفوائد الصحية الأخرى له، فإن الديانات السماوية أکدت وحثت عليه أيضا، فقد جاء في الکتاب المقدس:"أليس هذا صوما أختاره: حل قيود الشر. فك عقد النير، وإطلاق المسحوقين أحرارا، و قطع کل نير. أليس أن تکسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساکين التائهين الى بيتك؟ إذا رأيت عريانا أن تکسوه، وأن لاتتغاضى عن لحمك. حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك، وتنبت صحتك سريعا، ويسير برك أمامك، ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب. تستغيث فيقول: هاأنذا، إن نزعت من وسطك النير و الايماء بالاصبع و کلام الاثم، وأنفقت نفسك للجائع، وأشبعت النفس الذليلة، يشرق في الظلمة نورك، ويکون ظلامك الدامس مثل الظهر. ويقودك الرب على الدوام، و يشبع في الجدوب نفسك، و ينشط عظامك فتصير کجنة ريا و کنبع مياه لاتنقطع مياهه. ومنك تبنى الخرب القديمة. تقيم أساسات دور فدور، فيسمونك: مرمم الثغرة، مرجع المسالك للسکنى"(سفر أشعياء 58: 6 ـ 12)، ومن خلال التأمل و التدقيق في هذه النصوص الدينية من الكتاب المقدس ، نجد أنها ومع إختلاف الکلمات والتعابير إلا أنها من حيث المعاني تنبع من نفس المنبع، ذلك أن مطابقة بعض ماجاء بهذه النصوص مع ماجاء في القرآن في سورة الدهر:"ويطعمون الطعام على حبه مسکينا و يتيما و أسيرا، إنما نطعمکم لوجه الله لانريد منکم جزاءا ولاشکورا"، وهي الآية الکريمة التي نزلت بإتفاق جميع المذاهب والمفسرين في الامام علي بن أبي طالب"ع"، عندما کان صائما ولثلاثة أيام متتالية منح طعامه لمسکين ويتيم ومن ثم أسير.
ونرى في النصوص التي جاء في الکتاب المقدس وخصوصا" أليس أن تکسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساکين التائهين الى بيتك؟ إذا رأيت عريانا أن تکسوه"، ففي هذه النصوص نجد أن العبرة الواضحة في الأديان هي التفکير في الفقراء و المساکين من الذين لايجدون مايسدون به أودهم.
أما فيما يتعلق بالديانة اليهودية فقد جاء في العهد القديم " وكلم الرب موسى قائلا أما العاشر من هذا الشهر السابع فهو يوم الكفارة محفلا مقدسا يكون لكم تذللون نفوسكم وتقربون وقودا للرب " " فتذللون نفوسكم في تاسع الشهر عند المساء من المساء إلى المساء"(اللاويين 23: 26 و 32)، وبهذا يتوضح بأن الصوم لدى اليهود هو من المساء إلى المساء، أي أن الصيام عندهم يبدأ من دخول المغرب إلى مغرب اليوم الثانى. ونلاحظ جيدا بأن عبارة تذللون أنفسکم، أي تهذبونها بأن تمسکونها عن الأكل والشرب و تروضونها کي لاتجبل على الانطلاق دونما قيود و حدود.
وخلاصة القول، ومع الأخذ بعين الإعتبار اختلاف الإسلام والمسيحية واليهودية في توقيت الصيام و أمور أخرى جانبية إلى حد ما، فإننا نجد في المحصلة النهائية أن الديانات السماوية الثلاثة تتفق على أن الصيام عملية دينية ربانية هدفها تهذيب النفس وترويضها و تعويدها على الخير ودفع الإنسان ليفکر بأخيه الإنسان ولايدعه لوحده يعاني من الفقر والعوز طالما کان لديه إمکانية ما لمد يد العون له، ومن هنا فإن أتباع الأديان الثلاثة يجب أن ينتبهوا دائما إلى القواسم المشترکة التي تجمعهم و توحدهم على المسار الديني بإتجاه الله سبحانه وتعالى وأن في ذلك عبرة و معنى کبير لکل من يفکر فيه بعمق و روية.
*العلامة السيد محمد علي الحسيني
التعليقات (0)