العلامة الحسيني:للتعايش و التسامح في شهر الصيام
يمکن إعتبار الصوم کقاسم مشترك و جامع بين الاديان الثلاثة الاسلامية و المسيحية و اليهودية، وهو دليل واضح على أن مصدر و أساس هذا الاشتراك و التشابه هو الله سبحانه وتعالى و الذي هو منبع الاديان و القيم عليها، ومن هنا فإنه ليس من حق أتباع أي من هذه الاديان الإدعاء بأن الصوم حالة خاصة بهم والاولى أن يفکروا بطريقة تسامحية إنفتاحية تبين و توضح الماهية و البعد العالمي الانفتاحي للصوم، لأن فلسفة الاديان مبنية أساسا على البعد و العمق العالمي الشمولي و ليس الانعزالي الانطوائي.
الصيام مدرسة في الاديان السماوية الثلاثة و أولى مهامها تهذيب النفوس و توجيه العقول الى الفطرة الانسانية التي تٶکد على الروح التسامحية في التعامل مع الآخرين وخصوصا أتباع الاديان الاخرى و إظهار روح السلمية و التعايش التي هي الغاية الالهية من الخلق، لأن الله سبحانه و تعالى هو الذي خلقنا أمما و شعوبا و قبائلا لنتعارف بالتقوى تقربا له وليس بالحقد و البغضاء و النفور و إنکار و رفض الآخر.
في هذا الشهر الفضيل، وفي ضوء أدائنا لفرض الصوم، فإن علينا أن نلقن أنفسنا و نعودها و نربيها على السلم و التسامح و الإيثار و حب الآخرين، والتقرب إليهم في الله وان ماتصنعه الالفة و المحبة و التسامح من معجزات إنسانية ليس بإمکان الحروب و المعارك الدموية أن تقوم بتحقيقها أبدا، والاهم من ذلك أن الاديان تنتشر و تتتقبلها النفوس و العقول بفضل دعوتها التسامحية و سلميتها و ليس لأي سبب آخر.
التمعن في عالمنا اليوم، نجد أن الاحقاد و الکراهية و الانعزالية و غيرها من الامور و المظاهر السلبية المنافية للفطرة الانسانية تعصف بمختلف المجتمعات و بدلا من أن يتم الدعوة للخير و السلام و المحبة و التسامح، نجد الدعوات الشاذة قائمة على قدم و ساق للموت و الفناء و الکراهية و کل ما هو باطل و معاد لفلسفة الاديان و ماهيتها الحقيقية، واننا نرى أن من المهام و الواجبات الاساسية التي يجب أن يتکفل بها رجال الدين و الحکماء و العقلاء من الاديان الثلاثة هي نشر ثقافة المحبة و التسامح و السلام و التودد للآخر و تقبله على أساس أنه شريك له في الخلق و أخ له في الانسانية و يٶمن بالاله ذاته الذي خلقنا و خلق الاکوان کلها و جعلنا له قانتين.
المهمة التي نجدها بإنتظارنا کمسلمين في هذا الشهر الفضيل والذي کما نعلم جميعا هو شهر الطاعة و الغفران، شاقة و عسيرة ولکن فيها ثواب و حسنات لايمکن أن تعد و تحصى، ذلك أننا سنتصدى للدفاع عن ديننا الحنيف و إثبات حقيقة انه يدعو للتسامح و المحبة و السلام و ليس للقتل و سفك الدماء و البغضاء کما تسعى التيارات و الجماعات المتطرفة التي ليست من الاسلام بشيء .. ويجب أن نضع نصب أعيننا دائما الآية الکريمة(ادع الى سبيل ربك بالحکمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) کما إننا يجب أيضا أن نترجم الدين على أرض الواقع کما أمرنا سيدنا و نبينا محمد"ص" في حديثه الشريف:(الدين هو الحب و الحب هو الدين)، وندرأ عن ديننا القويم الدعوات الانعزالية و المتطرفة و المغالي فيها و نعيد الامن و الطمأنينة و الثقة الى الامم الاخرى بديننا الحنيف و من أنه يٶمن بالتسامح و التعايش السلمي.
العلامة السيد محمد علي الحسيني
التعليقات (0)