مواضيع اليوم

العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية

شريف هزاع

2009-05-21 06:54:42

0

العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية

 

شريف هزاع شريف

هناك علاقة جدلية حسب مفهوم الفيلسوف هيغل (1770 - 1831) للجدلية ([1]) ، بين المجتمع المدني والديمقراطية لان احدهم يكون الاخر ، وهما الذان ينهضان بواقع الفرد والمجتمع نحو الرقي الحضاري ، وهناك اشكالية قد انتبه عليها المفكرون العرب ومن بينهم محمد اركون ومحمد عابد الجابري ([2]) الذي يوافقه الرأي في ان هناك اسبقية للتجربة الديمقراطية عن تأسيس المجتمع المدني وبرأيهما ؛ فان الديمقراطية اقدم في تكوينها ، وانها هي التي تصنع المجتمع المدني([3]) ، فاركون يرى ان مؤسسات المجتمع المدني لايمكن ان تكون بدون تشبع بالفكر وتسلح بمبادئ الديمقراطية وان وجود المجتمع المدني مشروط بهذا الامر ([4]).

من الناحية التاريخية فأن فكرة المجتمع المدني قرينة بالحضارة الغربية والفكر السياسي والفلسفي السياسي الغربي ، وانها وليدة افكار الفلاسفة الذين اهتموا بمفهوم اطلق عليه (العقد الاجتماعي) والذي هو جملة الاتفاقات الاساسية المتضمنة في الحياة الاجتماعية ، وبقتضاها يضع كل فرد شخصه وقواه تحت ارادة لمجتمع . ([5]) وقد اشتهر به كل من روسو (1712 - 1778) ومونتسكيو (1689 - 1755)  ولوك (1632 – 1704) وهوبز (1588 - 1679) ([6])  ويسمون في الادبيات السياسية والقانونية والفلسفية بانهم فلاسفة العقد الاجتماعي.

المجتمع المدني مفهوم حديث النشأة في الواقع العراقي المعاصر كما انه جديد في المجتمع العربي ككل ، لانه يحتاج الى تغيرات سياسية كبيرة قبل كل شيء ، وهذا غير متوفر في الواقع العربي ، فحتى يمكننا صناعة مجتمع مدني حقيقي يجب ان تكون هناك تغييرات على المستوى الثقافي والفكري والاقتصادي والسياسي للمجتمع برمته وليس مجرد تغيير هامشي ، وهذه المنظمات سيكون لها دور في صناعة اقتصاد وثقافة وسياسة ... الخ الدولة فيما بعد وان عملية التغير المنشودة ليست تغيرا سياسيا فقط او تغيرا اعلاميا يملئ الصحف والمجلات والكتب فهو ليس صوتا ضمن الاصوات بل هو فعل ( praxis ) يحاول ان يرتقي بالانسان الى حالة المواطنة .

هذا الامر يجب الانتباه له ، فمؤسسات هذا المجتمع ليست مجرد نشر دراسات او ثقافة صحف بل استعداد دولة ومجتمع ان يتغير الى مجتمع تحترم فيه حقوق الفرد وسيادة القانون وممارسة التجربة الديمقراطية بشكل غير متعثر ، فالمجتمع المدني الحقيقي هو المجتمع الذي يبعد مفردات التمييز الطائفي والعرقي والقومي ومشكلة الاقليات وغيرها .

تكمن اهمية المجتمع المدني بانه يملك القدرة بافساح المجال للتجربة الديقراطية الحقيقية بالمرور والعبور بالفرد والمجتمع نحو حقوق المواطنة والتجربة الايجابية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. الخ للمجتمع ككل ، وهذه العملية عملية ارتقائية فالمجتمع المدني يقع كحلقة وسط بين السلطة والانسان او الدولة والفرد ، ويوصل التجربة الايجابية للسلطة من حيث هي ممارسة تهدف الى رقي المجتمع والافراد ، وهذا ما يكسب المجتمع المدني صفة الديمومة والاستمرار الذي لاتملكه الحكومات والتي تمثل بافراد او احزاب تغادر السلطة وتفسح المجال لغيرها بالتحرك من خلال السلطة ، فهذه المنظمات – المدنية – منظمات غير حكومية وليس لها مساس مباشر بالحكومات ، فالتغيرات التي تعصف بالسياسة والاحزاب والانتخابات لايمكن ان تعصف بالمجتمع المدني لان وقت تأسيسه في الدولة لايعني ان له عمرا ينسحب فيه مع الرئيس او رئيس الوزراء او الاحزاب ما، فهو مستقل عن تلك الالوان المتعددة لانه موشور من خلاله نقوم بتحليل وتصنيف تلك الالوان .

الهدف الهام الذي تملكه الديمقراطية والمجتمع المدني هو مقدرتها على ممارسة الرقابة على السلطة وتقويم كل الاخطاء التي يمكن ان تقع بها كتل او احزاب وحتى الحكومات في تجربتها السياسية وغير السياسية ، كذلك قدرتها على اضافة ما هو ايجابي وناجع وناجح لمصلحة المجتمع والافراد ، لانها اكسبتهم حق المواطنة والمساواة امام القانون وعدم التمييز بين الاعراق والقوميات والاثنيات التي تشكل لبنات الدولة والمجتمع ولايمكن ابعاد مكون على حساب اخر لان هذا خرقا لبنودها وقوانينها ، وهذا ما نود ايضاحه هنا فتجربة العراق بعد 2003 يشكل منعطفا هاما في تاريخه السياسي والاجتماعي والاقتصادي الثقافي ايضا ، فالتجربة الديقراطية جديدة على المجتمع العراقي وبدأت الحكومة العراقية بجني سلبيات وايجبيات التجربة التي انطلقت عام 2003 ، وقد جوبهت الحكومة الحالية والتي سبقتها بمشاكل جديدة ولم تعهدها من قبل ( تعديلات الدستور ، الفساد ، مشكلة كركوك قضية الفيدرالية التي تلوح بها بعض القوى ... الخ ) فمشاكل الديمقراطية تحتاج الى حل وليس الى تأجيل ، والعراق بقد ما فيه براميل نفط هناك مثلها مشاكل تحتاج الى حل وان الازمات التي بدأت ما ان انطلقت التجربة الجديدة تحتاج الى مفاوضات للوصول الى ( نعم ) .

هناك اشكال اخر لم تنتبه اليه الحكومة العراقية على اعتبار ان الغائه هو الغاء للخصوصية العراقية وكأن هذا الشيء احد موروثات الحضارة العراقية وان عملية الغائه هو في حقيقته الغاء للحضارة العراقية ، هذا الاشكال هو ( العشائرية ) تقول الحكومة العراقية انها تعتمد على العشائر وليس العشائرية من حيث هي مفهوم وليس مكون اجتماعي ، والحقيقة ان العشائرية لا يمكن ان توجد بلا عشيرة تتفوه بمبادئها ، تحاول الحكومة العراقية ان تكسب العشائر العراقية الى جانبها بتشكيل قوة اطلقت عليها ( الاسناد )وتحاول من خلالها التصدي للارهاب ، هذه العشائر تشكل محاكم عرفية جميعنا نعرفها وان قوانينها لاتخضع لقوانين الحكومة الا في الشديد القوي ، وحقوق المواطنة التي تبنيها منظمات المجتمع المدني او الديمقراطية تفتتها ( العشائرية ) لان لها رجالها وقوانينها ونظامها وسلطتها ووجود مثل هذا الشيء اذا لم يهدد السلطة والحكومة فانه يشكل هدما لما تبنيه المدنية والحضارة المعاصرة من بنى ثقافية واجتماعية وسياسية للمجتمع ، فالعشائرية لها طابع انفصالي عن قوانين الحكومة التي يجب ان تسود الكل دون تمييز لان لها قوانينها الخاصة .

اذا اردنا تقييم فعالية المجتمع المدني في العراق بعد 2003 فيجب ان نعترف اولا ان عملية التغير تحتاج الى الكثير من الوقت لانها تحتاج الى تثقيف على مستوى التربية والفرد والاعلام والمدرسة والجامعة والمرأة ... الخ وان يكون للمجتمع قناعة في التغيير من نظام الى اخر وان تكون هناك تنازلات لان هناك مكاسب ذلك يعود الى عامل مهم جدا الا وهو ارهاصات التطبيق وعملية دراستها وعوامل ظهورها وليس مجرد ازالتها ، فاذا كانت خارطة العالم قد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية قد تغيرت بعد 11/9 فيجب ان نعترف ان العراق تغير هو ايضا بعد 2003  وان خارطته الفكرية والاجتماعية والسياسية ان لم يكن فيها التغيير المناسب فان عملية التغير الحقيقي تنبع من اهمية التغيير وقناعتنا بهذا الامر، للاسف لازال العراقي يسيء فهم هذا الامر ولا يجيد قرأته ، فالمفردات التي دخلت قاموسنا يجب هضمها ويجب الاستفادة منها ولازال الفرد يعتقد متذمرا ان عملية مخالفة السير وانظمة المرور الضوئية هو ديمقراطية ونسي ان المعايير التي سنتها الديمقراطية لم تهمل هذا الامر وتصنفه كمخالفة للقانون الذي يجب ان يحترم لانه يؤذي حرية الاخر والديمقراطية التي يتمتع بها ، فهذا الامر يعتبر قفزا من فوق اسوار الديمقراطية لانها قرينة القانون والسيادة والحرية والمساوة والنظام والمعايير الاجتماعية وانها لم تغفل رأي ودور الفرد مثلما انها تسمع صوت الاقلية وتهتم بقضايا المجتمع .. الخ .

ان عملية التغيير لايمكن ان تحدث في يوم او ليلة واذا كان الجابري قد قال اننا بحاجة الى صبر ايوب ! فاننا نقول ان تجربة العراق بعد 2003 تحتاج الى صبر ولكن ليس صبر ايوب ، وان الكثيرين يخطئون حين يقطفون ثمار التجربة قبل وقت نضوجها لان عملية نضوجها يعتمد على الزمن ايضا مثلما يعتمد على مسائل اخرى ، فالثمار غير الناضجة قد تكون بدون فائدة واحاينا ترمى بعيدا..

اننا اليوم نطالب الحكومة بنتائج التغير التي بدأت في 2003 كما اننا نطالبها باصلاحات كثيرة ، وهو امر رقابي تتمتع به الدول الديمقرطية ، فالمجتمع بدأ يمارس دوره الرقابي والاصلاحي ، لكننا نخلط الاوراق مع بعضها ومنها قضايا ( المجتمع المدني ) فهو ليس زر يمكن ضغطه فيكون ([7]) يجب ان نفهم ان المجتمع المدني يملك مقومات الحداثة وهو امر لايمكن ان يحقق بواسطة صحيفة او قرار حكومي ، بل باستعداد كل الطبقات والشرائح ومكونات المجتمع ان تمارس دورها وفعاليتها في المجتمع الجديد وان لايكون هناك شرائح مستبعدة او قوميات مظلومة او اقتصاديات غير مدروسة ومحسوبية وفساد اداري مخجل ،يجب ان لا تطالب الحكونة ايجد المجتمع المدني ، بل يجب ان نطالب انفسنا اولا بان يكون مثل هذا المجتمع على ارض الواقع من حيث هو ممارسة على مستوى الفراد لذا فان ايجاد مثل هذا المجتمع قرين بعلنا الفردي والمجتمعي والسلطوي وغيرها من القوى بايجاده ، لكن علينا ان نبدأ بانفسنا اولا وان نغير الكثير من الواقئع ، وان التغير يجب ان يكون فكريا قبل كل شيء كما يقول اركون والجابري وغيرهم من رواد النهضة التي نحن بحاجة لها اليوم ، اننا بحاجة الى ان نغير الكثير من خرائطنا الفكرية والايديولوجية والنفسية ويجب ان يبدأ عصر التغير والبناء الفردي والمجتمعي والفكري والثقافي ... الخ وان تكون لنا الشجاعة في تمزيق الكثير من الخرائط القديمة .

 

قائمة بالمراجع

 

1-  محمد عابد الجابري :الديقراطية وحقوق الانسان .سلسلة الثقافة القومية العدد 67 مركز دراسات الوحدة العربية بيروت لبنان  ط2 1997 .

2-  محمد اركون : الفكر الاصولي واستحالة التأصيل . ترجمة هاشم صالح ، دار الساقي ط1 1999 بيروت – لبنان .

3-  محمد اركون : قضايا في نقد العقل الديني . ترجمة هاشم صالح ، دار الطليعة ط1 1998 بيروت – لبنان .

4-  مجمع اللغة العربية - مصر - : المعجم الفلسفي تصدير د.ابراهيم مدكور / الهيئة العامة لشؤون المطابع الاميرية مصر 1983 .

5-   علي خليفة الكواري واخرون : مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي . سلسلة كتب المستقبل العربي العدد 19 مركز دراسات الوحدة العربية بيروت – لبنان ط1 2000 .



([1]) هيغل جورج وليام فريديريتش: فيلسوف ألماني. صاحب الديالكتيكية أو الجدلية وخلاصتها أن كل فكرة
(
Thesis) تولد فكرة مناقضة (Antithesis), ومن تفاعل الفكرتين تنشأ فكرة جديدة تؤلف بينهما تنظر الجدلية إلى الأشياء والمعاني في ترابطها بعضها بالبعض وما يقوم بينها من علاقة متبادلة، وتأثير كل منها في الآخر. وما ينتج عن ذلك من تغيير كما تنظر إليها عند ولادتها ونموها وانحطاطها (وهي ما دعاه هيغل الجمعية Synthesis).

([2]) محمد عابد الجابري :الديقراطية وحقوق الانسان .سلسلة الثقافة القومية العدد 67 مركز دراسات الوحدة العربية بيروت ط2 1997 صفحة 132..

([3] ) محمد اركون : الفكر الاصولي واستحالة التأصيل . ترجمة هاشم صالح ، دار الساقي ط1 1999 بيروت صفحة 232..

([4] ) محمد اركون : قضايا في نقد العقل الديني . ترجمة هاشم صالح ، دار الطليعة ط1 1998 بيروت صفحة 158..

([5]) مجمع اللغة العربية في مصر : المعجم الفلسفي بتصدير. د.ابراهيم مدكور / الهيئة العامة لشؤون المطابع الاميرية مصر 1983 مادة عقد صفحة 119..

([6]) جان جاك روسو: فيلسوف فرنسي. مهدت كتاباته السبيل لاندلاع الثورة الفرنسية وانبثاق الحركة الرومانتيكية ، أشهر آثاره: (في العقد الاجتماعي) (Du contrat social)  .

مونتسكيو البارون:  فيلسوف فرنسي. يعد أحد أبرز الفلاسفة السياسيين في القرن الثامن عشر. أهم آثاره:  (رسائل فارسية Lettres Persanes (عام 1721 وقد سخر فيها من المؤسسات الفرنسية الاجتماعية والسياسية في عصره. وكتابه الشهير (روح الشرائع De lEsprit des Lois (عام 1748 وقد درس فيه طبيعة الدولة وعلم القانون وكان له أثر بعيد في تطور الفكر السياسي .

لوك جون : فيلسوف إنكليزي. اشتهر بدعوته إلى التسامح الديني وبدفاعه عن حقوق الإنسان الطبيعية. عارض نظرية الحق الإلهي , وقال بأن الإختبار أساس المعرفة. يعتبر مؤسس التجريبية الحديثة. تأثر بآرائه التحررية كثير من رجال الثورتين الأميركية والفرنسية.

هوبز توماس: فيلسوف إنكليزي. أيد الحكم الملكي المطلق. وقال بأن الناس أنانيون بطبعهم وأنهم, تلافيا للفوضى, دخلوا في عقد اجتماعي تعهدوا بموجبه بطاعة السلطان. من آثاره ثلاثيته الشهيرة: (في المواطن) De Cive (عام 1642), و (في الجسد) De Corpore (عام 1655), و(الإنسان) De Homine (عام 1658) نشر أعظم أعماله الفلسفية "اللفياثان" (Leviathan - (1651...

([7] ) علي خليفة الكواري واخرون : مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي . سلسلة كتب المستقبل العربي العدد 19 مركز دراسات الوحدة العربية بيروت ط1 2000 صفحة 239..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات