مواضيع اليوم

العلاقات اليابانية - الامريكية النشأة والتاريخ-الحلقة الثالثه

عبدالكريم صالح

2011-09-04 14:50:28

0

شغلت العلاقات التجارية بين اليابان والولايات المتحدة الامريكية حيزاَ كبيراَ ومهما من الدراسه والبحث على مستوى الدراسات الاكاديمية العالمية لأهمية تلك العلاقات وتأثيرها الكبير على المستوى الدولي وكذلك منطقة الشرق الاقصى .

بعد أنسحاب اليابان من عصبة الأمم عام 1933م وانهائها معاهدة واشنطن البحرية التي وقعت في العام 1922م فقد انتابتها المخاوف من ان تعيش في عزلة دبلوماسية عن العالم الخارجي خصوصاَ بعد ان تأزمت علاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية والدول المجاوره،بالاضافة الى الظروف الداخلية التي شهدتها اليابان والتي تمثلت بعمليات الاغتيال للقادة السياسيين حيث حدثت في شباط عام 1936م موجة اعمال عنف خطيرة في اليابان عندما قام بحدود الف عسكري يقودهم عدد قليل من الضباط برتبة ملازم باحتلال الابنية في مركز طوكيو وبمهاجمة القادة السياسيين في البلاد الامر الذي كان مؤشراَ بتوجه اليابان نحو سيطرة العسكريين وفعلاَ تمكن العسكريين من السيطرة على سدة السلطة السياسية والذين رفعوا شعار "آسيا للأسيويين"الامر الذي اثار مخاوف الدول المجاوره حيث كان لليابان علاقات متوترة مع الولايات المتحدة الامريكية بسبب انسحابها من مؤتمر لندن البحري ومع الصين التي اصبحت تحظى بالدعم الكبير من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ،اما مايخص الاتحاد السوفيتي فقد كان لليابان العديد من الاسباب التي ادت الى توتر علاقاتها معه اولها اعتراف الولايات المتحدة الامريكية به رسمياَ في عام 1933م واستئناف العلاقات الرسمية بين البلدين الامر الذي شكل مخاوف كبيرة من الاتحاد السوفيتي الذي كانت له خلافات مه اليابان حول مشكلات الحدود في "منغوليا الخارجية"والملاحه في نهر "آمورAmor"والمصائد في "سخالينSakhalin "،بعد احتلال اليابان منشوريا توجهت مقاطعة "منغوليا الداخلية"التي مثلت نقطة الالتقاء مع مقاطعة "منغوليا الخارجية"الصينية الموالية للأتحاد السوفيتي عندها شرع الاخير بتعزيز قواته العسكرية في المناطق القريبه من تواجد القوات اليابانية في الشرق الاقصى ، تم انشاء سكة حديد تربط بين منطقتي "بيكال-آمور"والذي كان ضرورياَ فيما يتعلق باتصالات الجيش مما منح الاتحاد السوفيتي اليد الحره في مقاطعة "منغوليا الداخلية"في حال اندلاع حرب بين البلدين وبالفعل نشبت صدامات عسكرية متكرره بين الطرفين خلال العام 1935م وقعت في منطقة "آمورAmor"وعلى الحدود بين "دولة منشوكوState Mnchoko "ومقاطعة "منغوليا الخارجية"المحمية من الاتحاد السوفيتي ،وانتهى ذلك الصراع بتوصل الاتحاد السوفيتي الى عقد بروتكول موقع بينه وبين" جمهورية منغوليا الشعبية People’s Republic Mongolian"في اذار عام 1936م الذي منح الطرفين الواحد للآخر انواع المساعده كافة وبضمنها المساعدة العسكرية في حالة حصول اي عدوان المر الذي اثار المخاوف اليابانية .

اما فيما يتعلق بمسألة حقوق الصيد والملاحة لليابانيين في المياه الاقليمية السوفيتية في "سخالينSakhalin"فان تلك القضية اثيرت منذ العام 1928م وانتهت بتوقيع الطرفين على اتفاق حصل اليابانيون بموجبه على حقوق الصيد هناك اعقبه اتفاق اضافي تم توقيعه في العام 1932م ودخل البلدان في العام 1936م في مفاوضات ثنائية حول حقوق الصيد هناك،الى جانب اعلان الاتحاد السوفيتي في المؤتمر السابع للشيوعية الذي عقد في تموز 1935م ناقش مسألة الدفاع عن الديمقراطية ضد الفاشية لن الدول الفاشية مثل اليابان والمانيا هما العدوتان الحقيقيتان للاتحاد السوفيتي لذلك كان الهدف من المؤتمر زيادة عزلة اليابان فضلاَ عن المانيا وايطاليا ،اما المانيا فبعد وصول "ادولف الويس هتلر Adof Hitler" الى سدة الحكم في العام 1933م شرع الى تنفيذ استراتيجية خاصة بالمانيا في نطاق التسلح وفي نطاق اقامة المحاور ضد الول الديمقراطية والليبرالية والشيوعية بالاضافة الى جملة من الاسباب التي دفعت المانيا الى التوجه نحو اليابان وكان من اهمها انه في حالة قيام حرب بين المانيا والاتحاد السوفيتي في اوربا فان اليابان ستكون حليفة لها في الشرق الاقصى ضد الاتحاد السوفيتي مما يسهل عملية القضاء عليه وبهذا يمكن القول ان مسألة التقاء اليابان والمانيا في سياساتهما الخارجية كان امراَ لابد منه وفي ضوء الظروف الدولية القائمه في ذلك الوقت ومما تجدر الاشارة له هو وجود تشابه بين الايدلوجيتين اليابانية والالمانية من حيث تأييدهما للمباديء الشوفينية التوسعية ووقوفها ضد المباديء الديمقراطية والليبرالية التي نادت بها كل من الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية والشيوعية التي نادى بها الاتحاد السوفيتي الامر الذي ساعد كثيراَ على تقارب وجهات النظر بين الدولتين ودفعهما الى تطوير علاقاتهما الخارجية والدخول في مباحثات ثنائية لتحقيق اهدافهما المشتركه الامر الذي اثار دهشة العالم،بدأت المحادثات اليابانية –الالمانية مع بداية عام 1936م وكان من اهمها المحادثة التي جرت بين "هتلر"زعيم ومستشار الرايخ الالماني وبين السفير الياباني في المانيا"موشاكوجيMushakoji "الذي ابلغ المستشار الالماني ان اليابان تعد الحركة البلشيفية والايدلوجية الشيوعية واحدة من اعدائها الكبار ونتيجة لذلك فان اليابان تحترم وبشدة المانيا التي هي جار للاتحاد السوفيتي من جهة الغرب وانها تتعاطف مع المانيا وترغب ان يكون هناك تعاون متقارب معها عندها اجاب "هتلر"انه مستعد لهذا التعاون وان خلاص اوربا الوحيد يكمن في التخلص من الشيوعية التي تريد ان تنتشر وتؤسس لها كياناَ قوياَ في عموم اوربا واسيا لذلك كان على اليابان ان تؤمن في دفاعها عن تقدمها الاستعماري والتوسعي وعلى اثر تلك المفاوضات التي جرت بين القادة العسكريين اليابانيين والالمان فقد اشيع الى ان البلدين توصلا الى اعلان مشترك يدعوا الى حملة دولية للحد من انتشار الشيوعية الدولية الى جانب توصلهما الى مشروع اتفاقية سرية عسكرية اخرى للتعاون بين البلدين في حالة اذا اصبح احد الطرفين متورطاَ في حرب مع الاتحاد السوفيتي الامر الذي انكرته اليابان والمانيا واعقب ذلك دعوة اليابان الولايات المتحدة الامريكية للأنضمام الى هذه المعاهدة عندما ابلغت وزارة خارجية اليابان السفارة الامريكية في طوكيو بتاريخ الثالث والعشرين من تشرين الثاني من عام 1936م "انه في الاجتماع الاخير للشيوعية فأن كلا من اليابان والمانيا والولايات المتحدة الامريكية صنفت على انها بلدان ستوجه النشاطات الشيوعية نحوها ،وان الحكومة اليابانية تعد ان الدفاع عن النشاطات تلك يجب ان تكون ذات صيغة دولية وعالمية،وان المعاهدة الحالية ستضمن تبادل المعلومات حول نشاطات الشيوعية ومشاورات بين البلدين حول اجراءات دفاعية وكذلك دعوة دول اخرى ثالثة للانضمام الى هذه المعاهدة ،وبذلك لم تذكر اليابان اي شيء عن الاتفاقية السرية العسكرية التي ستوقع بين البلدين حيث انها حاولت التضليل عن ذلك بذكرها ان المعاهدة ليست موجهه ضد اي بلد محدد وان اليابان ليس لديها النية لكي تجر ثانية الى مسائل تتعلق بشؤون اوربا او ان تضم الى كتلة من الدول كالكتلة الفاشية،وان المعاهدة ليست تحالفاَ عسكرياَ ولاتتضمن تفاهمات اقتصادية سرية ،ويبدوا ان الحكومة اليابانية حاولت وعلى وفق ماورد سابقا ان تحافظ على علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة الامريكية بعدم اطلاعها بصدق حول حقيقة المعاهدة اليابانية-الالمانية لمناهضة الشيوعية الدولية التي انضوت على اتفاقية عسكرية سرية موقعه بين البلدين مما سيثير الشكوك الامريكية تجاه اليابان واعلن الطرفان في الخامس والعشرين من تشرين الثاني عام 1936م عن التوقيع على المعاهدة اليابانية-الالمانية لمناهضة الشيوعية الدولية مع اتفاقية ملحقة بها تضمنتا بنوداَ اكدت تبادل المعلومات حول نشاطات الشيوعية ومشاورات بين البلدين حول الاجراءات الدفاعية الواجب اتخاذها لمنع انتشار الشيوعية مع ترك المعاهدة مفتوحة امام دول العالم للأنضمام اليها، من هنا نتسائل هل بامكان الولايات المتحدة الامريكية ان تؤدي دور اساسي في ذلك؟ لقد كان مبدأ العزلة القائم في الولايات المتحدة الامريكية له الظفر عندما رجح الكونغرس الامريكي بين سنتي 1935م-1936م فكرة العزلة من خلال اعلان قانون الحياد الذي صوت عليه في الحادي والثلاثين من آب عام 1935م بسبب الظروف التي شهدها العالم وبالخصوص توسع اليابان في الصين وهجوم ايطاليا على الحبشة وكان هذا القانون يهدف الى تعريف موقف حكومة الولايات المتحدة الامريكية من الوجهه الاقتصادية فيما اذا نشبت الحرب في العالم فقد تضمن هذا القانون بندين مهمين الاول قضى بمنع منعاَ باتاَ بيع العتاد الحربي للمتحاربين والبند الاخر هو منع منعاَ اختيارياَ بيع البضائع للمتحاربين الا اذا دفع ثمن هذه البضائع نفداَ ونقلها المشتري الذي يأتي ويبحث عنها في الموانيء الامريكية،ولكن على الرغم من تبني الولايات المتحدة الامريكية فكرة العزلة الا ان ذلك لم يكن يعني قبولها بالمعاهدة اليابانية – الالمانية لمناهضة الشيوعية الدولية التي لم تكن موجهة فقط ضد الاتحاد السوفيتي انما موجه ضدها ايضاَ والتي كانت ايديولوجيتها تتضارب مع الايديولوجيتين الشوفينية والنازية في اليابان والمانيا على التوالي .

لقد توترت العلاقات اليابانية الامريكية بسبب مجموعة من الاحداث ادت في النهاية الى نشوب الحرب بين اليابان والولايات المتحدة الامريكية فقد كانت بداية توتر هذه العلاقات عندما قامت اليابان بالتوسع وغزو منشوريا في العام 1931م ثم غزو الصين في العام 1937م،قيام اليابان برفع شعار"الازدهار المشترك في اسيا الكبرىThe Greater Asian Co-prosperity Sphere    "وكذلك انحياز الولايات المتحدة الامريكية الى جانب الصين وفتحت معها قناة اتصال مباشر ودعمتها بالاسلحة والمعدات والخبراء العسكريين،لقد خلقت الحرب في اوربا العام 1940م فراغاَ كبيراَ في الشرقالاقصى وجنوب غرب المحيط الهادي ففي العام 1940م هزمت هولندا دولة الاستعمار لجزر الهند الشرقية التي تعد واحدة من اهم مصادر البترول في المنطقة كما هزمت بريطانيا دولة الاستعمار للملايو وبورما وهي مصادر المطاط في المنطقة وهزمت فرنسا دولة الاستعمار للهند الصينية وهي مصدر للأرز والمطاط وقامت اليابان بالزحف جنوباَ لملء هذا الفراغ والاستيلاء على تلك الثورات ففي 23 تموز 1940م دخلت بقواتها الهند الصينية الفرنسية وقد عارضت الولايات المتحدة الامريكية هذه الخطوة التوسعية وكان رد فعلها فورياَ وفي 31 تموز من عام 1940م بأن حظرت تصدير المواد الاستراتيجية وبالذات البترول والحديد الى اليابان وفي 25 تموز عام 1941م جمدت الارصدة اليابانية في الولايات المتحدة الامريكية وحذت بريطانيا حذوها وكان هدف السياسه الاقتصادية الامريكية هو ضغط اليابان وتهديدها  وحرمانها من المواد الاساسية وعرقلة طموحها العسكري التوسعي مع استمرار دعم الصين للتصدي للغزو الياباني هذا الموقف دفع اليابان  الى اتخاذ استراتيجية توصلها الى الموارد الغنية بالثروات الطبيعية والمواد الاستراتيجية وتحقق احلامها في التوسع والسيطرة. في 6 كانون الاول عام 1941م صدق المجلس الاعلى للحرب على خطة الغزو اليابانية التي تنفذ على اربع مراحل المرحلة الاولى توجيه ضربه عسكرية قويه ومفاجئه على اهم القواعد الامريكية في المحيط الهادي بهدف تدمير الاسطول والطيران الامريكي وشل قدرة القيادة الامريكية على التدخل او التحرك وانتزاع السيطرة البحرية والجويه على المحيط والمرحلة الثانية تتم في وقت متزامن مع المرحلة الاولى وفيها تجتاح القوات اليابانية جنوب شرق اسيا"الفلبين وبورما والمريو وتايلند وسنغافوه وسومطره وجاوا "والسيطره على كافة الموارد الطبيعية والقواعد الحربية اما المرحلة الثالثه فكانت تتمثل في بناء حزام امني دفاعي على مسافة الفي ميل شرق اليابان يستند على ىسلسلة من الجزر لتأمين اليابان ضد اي رد فعل امريكي بحري وجوي والمرحلة الرابعة كانت التوسع غرباَ الى الهند وجنوباَ الى استراليا وهكذا بدأت اليابان بالتنفيذ في صباح يوم الاحد 7 كانون الاول 1941م اختارت اليابان هدفاَ لها وهو القاعدة البحرية الجوية الرئيسية للولايات المتحدة الامريكية في موقع المركز من المحيط الهادي في جزر الهاواي والذي عرف باسم هجوم"بيرل هاربرPearl Harbor" كان هجوماَ مفاجئاَ وقويا تكبدت فيه امريكا الخسائر المادية الكبيرة بالاضافة الى الخسائر في الارواح وفي اليوم التالي وقف الرئيس الامريكي "روزفلت "أمام الكونجرس بمجلسيه في جلسة مشتركة، وقرأ رسالته، التي استهلها بأن: "الهجوم الياباني - وهو يوم من الخزي والعار- لن ينسى إلى الأبد، وسيبقى يوم السابع من ديسمبر تاريخاً شائناً على مر العصور، وذكَّر أن بعد المسافة بين اليابان وجزر هاواي يدل على أن الهجوم قد خطط له قبل عدة أسابيع. وخلال ذلك الوقت كانت اليابان تسعى لخديعة الولايات المتحدة بالتصريحات الزائفة، والتعبير عن الأمل في سلام دائم".والحقيقه ان اليابان  قد قدمت الى الرئيس روزفلت الحل للمعضلة التي عاشها منذ ايلول عام 1939م فلم يكن بمقدوره اقناع الشعب الامريكي خاصة الانعزاليين بدخول الحرب الا بعمل عدواني تقوم به اليابان مثل"بيرل هاربر" استمرت الحرب بين الولايات المتحده الامريكية واليابان وجرت العديد من المعارك حيث اثبتت هذه الحرب خطأ الحسابات الاستراتيجية اليابانية حيث اعتقدت اليابان ان الضربه الاوليه المفاجئة في بيرل هاربر ستؤدي الى فقدان اتزان امريكي يستمر لمدة طويله يت خلالها السيطره اليابانية الكامله على اهدافها في جنوب شرق اسيا وفي المحيط الهادي والحقيقه استعادت الولايات المتحدة الامريكية قدرتها الحربية بسرعه مذهله في اقل من خمسة اشهر قصفت طوكيو في غارة اطلق عليها"غارة دوليتك"بتاريخ 18 نيسان 1942م وفي اقل من ستة اشهر في حزيران عام 1942م تعرضت اليابان الى اول هزيمه بحرية في تاريخها "ميداوي"وانتزعت منها كل من السيطرة البحرية والجوية حتى نهاية الحرب وفي 6 آب من عام 1945م قامت الولايات المتحدة الامريكية بألقاء القنبلة الذرية الاولى على اليابان في مدينة "هيروشيما" وفي 8 آب عام 1945م اعلن الاتحادالسوفيتي الحرب على اليابان وفي 9 آب عام 1945م القيت القنبله الذرية الثانية من قبل الولايات المتحدة الامريكية على مدينة "ناجازاكي" اليابانية وفي 14 آب عام 1945م استسلمت اليابان وفي 15 آب عام 1945م اعلن يوم النصر على اليابان "JV" وقد وقعت اليابان وثيقة الاستسلام مع الولايات المتحدة الامريكية على ظهر البارجه "ميسوريMissouri "في خليج طوكيو.

انهيار الاتحاد السوفييتي ومحاولة الاتحاد الأوربي لأخذ مكانة الاتحاد السوفييتي السابق عالمياً ، والمشاكل التي واجهتها الولايات المتحدة في التعامل مع الكثير من المسائل الدولية المعقدة على المستوى الدولي كالارهاب وتلوث البيئة والاحتباس الحراري كل ذلك دفع دول اخرى ومنها اليابان للتحرك على الساحة العالمية في محاولة لتصبح قطباً له مكانته وفعاليته الى جانب الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة ، وما ساعد على الموقف الياباني هو النمو السريع في اقتصادات دول منطقة المحيط الهادي، إضافة الى كون اليابان ركيزة أساسية في الإستراتيجية الأمريكية لتمتعها بالحماية الأمريكية التي تشكل ضمانة كلية لأمنها.

أن الدور المهم الذي لعبته اليابان في الحرب الكورية ( 1950م-1953م) ، وبروز أهميتها في الحرب الباردة دفعت الولايات المتحدة الامريكية واليابان الى بناء تحالف استراتيجي عبر معاهدة" التعاون المشترك والأمن  Treaty of Mutual Cooperation & Security"، التي جرى التوقيع عليها في 19 كانون الثاني من عام 1960م ، وبسبب استمرار التهديدات الكورية الشمالية والانفاق العسكري الضخم للصين أصبح من الضروري المحافظة على العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة واليابان .

ترتبط اليابان بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية تتجسد في المعاهدات والاتفاقيات الأمنية المنبثقة عنها الموقعة بين البلدين ، فقد وقعت اليابان مع الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة أول معاهدة في الثامن من شهر أيلول عام 1951 م"معاهدة سان فرانسيسكو" والتي أنهت الاحتلال العسكري على جميع اليابان باستثناء أيوجيما "بقيت تحت الاحتلال حتى عام 1968م" وأوكيناوا "بقيت تحت الاحتلال حتى عام 1972م" ، وبموجب المعاهدة تم إعادة السيادة لليابان ، ولكنها قضت بتواجد فرق وقواعد عسكرية أمريكية على امتداد الإقليم الياباني ، جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تعهدت بموجب "معاهدة سان فرانسيسكو في الدفاع عن اليابان "ضد أي عدوان خارجي يقع عليها ، والمعاهدة احدى نتائج الحرب العالمية الثانية التي أسفرت عن هزيمة اليابان واحتلالها من قبل الولايات المتحدة حيث فُرض على اليابان حينذاك التخلي عن جميع مظاهر التسلح العسكري الهجومي وصياغة دستور سلمي للبلاد مناهض لعودة الروح العسكرية ،  وبسبب الدور المهم الذي لعبته اليابان كموقع متقدم في الحرب الكورية وقعت الولايات المتحدة الامريكية واليابان معاهدة جديدة شكلت تحالفاً استراتيجياً يرسم العلاقات بين البلدين وعرفت بمعاهدة "التعاون المشترك والأمنTreaty of Mutual Cooperation & Security " ، وتم التوقيع عليها في 19 كانون الثاني من عام 1960 م، وبموجب البند السادس من هذه المعاهدة الاستراتيجية تم التوصل الى أتفاقية أمنية بين الطرفين سميت باتفاقية" وضع القوات الامريكية  SOFA – Status Of  Force Agreement ".

كانت معاهدة التعاون قد سمحت  للولايات المتحدة الاحتفاظ بقواعد عسكرية في اليابان بتعداد 50 ألف جندي أمريكي إلا أن اعتراض اليابانيين تصاعد على تواجد القواعد العسكرية الامريكية في اليابان لما تسببه من ضوضاء وتلوث ومشاكل اجتماعية ، وبهذا السياق يعقد الطرفان مباحثات مستمرة حول إعادة انتشار القوات الامريكية في اليابان ، ومناقشة القضايا المشتركة التي تهم كل من الولايات المتحدة واليابان والتي تشمل كوريا الشمالية ، الحرب ضد الارهاب ، إعادة اعمار العراق ، ملف افغانستان ، برنامج ايران النووي ، والاصلاحات المقترح إدخالها الى مجلس الأمن ، بالاضافة الى تطوير مشروع  نظام الدفاع الصاروخي المشترك. تتفق السياسة اليابانية بشكل عام مع السياسة الأمريكية الا أنها تراعي في الوقت ذاته علاقاتها ومصالحها مع دول العالم الأخرى لذا تحاول اتخاذ مواقف متوازنة في تعاملها مع القضايا الدولية المختلفة ، أما من الناحية الإقتصادية فيرتبط البلدان بشراكة اقتصادية مهمة كونهما الأقوى اقتصاديا بين دول العالم كما يتمتعان بعلاقات واسعة في مختلف المجالات الأخرى .
أن محاولة اليابان صياغة سياسة خارجية أقل ارتباطاً بتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية يجري عرقلتها من قبل الولايات المتحدة رغبة منها في أن تستمر اليابان في القيام بحماية خطوط امدادات النفط وهو نفس الدور الذي لعبته إبان الحرب الباردة عندما كان الاتحاد السوفيتي يمثل تهديداً مباشراً لإمدادات النفط المتوجهة نحو اليابان من الشرق الأوسط ، وتأتي استجابة اليابان للضغوط الامريكية في رسم سياستها الخارجية من خلال محورين هما : أولاً: زيادة نفقاتها الدفاعية بشكل كبير وقيام الولايات المتحدة بتزويد اليابان بانظمة متطورة من منظومات الصواريخ . ثانياً :إعادة تحديد الدور الإستراتيجي الأمني لليابان في منطقة شرق آسيا من خلال زيادة إنفاقها الدفاعي للمساهمة في استقرار منطقة جنوب شرق آسيا .

لا تزال اليابان تعتبر علاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية تتمتع بأهمية كبيرة سياسية وإستراتيجية على المستويين الآسيوي والعالمي من خلال التزام الطرفين بالمعاهدة الاستراتيجية للتعاون والاتفاقية الأمنية -SOFA والذي يبعد أي احتمال تحول اليابان إلى قوة عسكرية كبرى في المستقبل المنظور وهذا ما تطمئن اليه بعض الدول الآسيوية التي لا تزال تنظر بريبة الى ماضي اليابان العسكري.    
فبالرغم من تعرض اليابان إلى ضربة نووية أمريكية في الحرب العالمية الثانية وفرض التغيير على هيكلية النظام السياسي الياباني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إلا أن اليابانيين حافظوا على نظامهم السياسي الأصيل المتمثل بالأمبرطورية اليابانية مع التغيير الذي يلبي رغبات المجتمع السياسية المحلية والتي تتناغم ومتطلبات التغييرات المفروضة من الخارج وبذلك خطت اليابان خطوات ثابتة نحو التطور السياسي الذي أدى إلى تطور الحياة في كل أشكالها، وذلك نتيجة تصحيح النظام السياسي وليس تغيير النظام السياسي ، أي أن اليابان صححت ولم تغير النظام لأن التغيير أحياناً يكلف الشعوب ثمناً باهضاً وكان من الممكن أن يعيدها قرون الى الوراء ، باعتبار أن استقرار النظام السياسي يعني تطور الشعوب ورقييها ويعني أيضاً استقرار وتطور الأنظمة الأخرى كالنظام الأمني ، الاقتصادي ، المالي ، التجاري ،  وبالتالي اصبحت اليابان دولة مستقرة ولا تتغير بتغيير الأحزاب الحاكمة أو الأشخاص أوتعاقبهم بسبب ثبات الخطوط السياسية العريضة المرسومة فيها ، والتنافس بين الأحزاب يكون مبنياً على تصويب الخطأ وتصحيحه وبذلك أصبح لدى اليابان إرث سياسي رصين يزداد قوة ومتانة بمرور الزمن وهذا ما جعل التلاعب واختراق النظام السياسي الياباني صعباً لان هناك ثقة متبادلة بين النظام السياسي الذي هو ثمرة جهود الأجيال السابقة ودور الاجيال المتعاقبة في المراحل التالية في الحاضر في المحافظة على ذلك النظام. ركزت اليابان طوال فترة بعد الحرب العالمية الثانية على التنمية الاقتصادية وكيفت نفسها لتستوعب بمرونة تامة سياسات الولايات المتحدة الاقليمية والعالمية والتقيد بشكل قوي بمبادىء دستور عام 1947م السلمي ، وبشكل عام اصبحت سياسة اليابان الخارجية غير فعالة عموماً تجاه الشؤون الدولية ، وأتبعت اليابان دبلوماسية الاتجاه الكلي  "omnidirectional diplomacy" في علاقاتها الدولية التي غلب عليها طابع الحياد السياسي في الشؤون الخارجية مع توسيع العلاقات الاقتصادية الى أقصى حد ممكن.

 اما السياسة المشار اليها كانت ناجحة جداً ودفعت باليابان الى الازدهار والتطور الاقتصادي لتصبح قوة اقتصادية رائدة في العالم في ظل توفر عوامل الامن والاستقرار الاقتصادي المقدم من قبل حليفتها الولايات المتحدة. عندما استعادت اليابان سيادتها في عام 1952م ودخلت المجتمع الدولي كدوله مستقلة ، وجدت نفسها في عالم تسيطر عليه أجواء الحرب الباردة بين الشرق والغرب ، وبموجب معاهدة السلام مع الولايات المتحدة التي وقعت فى سان فرانسيسكو فى 8 ايلول عام 1951 م"والتي دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من 28  نيسان 1952م" ، انتهت حالة الحرب بين اليابان ومعظم دول الحلفاء باستثناء الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية ، وتم توقيع ميثاق الأمن والتعاون المشترك بين اليابان والولايات المتحدة في "سان فرانسيسكو" في اليوم نفسه ، لتصبح اليابان حليفاً للولايات المتحدة التي احتفظت بقواعد وقوات عسكرية في الأراضي اليابانية.

 لقد تميزت هذه الفترة في انتهاج اليابان سياسة خارجية مبنية على إعادة بناء بنيتها التحتية الاقتصادية وإعادة بناء مصداقيتها كعضو مسالم في المجتمع الدولي ، بعد إيكال حماية الامن القومي الياباني الى القوات العسكرية الأمريكية ومظلتها النووية بموجب ميثاق الامن والتعاون المشترك الذي شكل إطاراً يحكم استخدام قوات الولايات المتحدة ضد التهديدات العسكرية الداخلية او الخارجية في المنطقة.
في تلك الفترة امتازت سياسة اليابان الخارجية  بدبلوماسية خاصة تهدف الى إزالة الشكوك وتخفيف الاستياء من الدول الآسيوية المجاورة التي عانت من العدوان الياباني في الحقبة الامبريالية ، ومالت تلك الدبلوماسية الى إقامة علاقات الصداقة مع جميع الدول الآسيوية مع إعلانها سياسة الفصل بين السياسة والاقتصاد والوقوف بشكل محايد بشأن بعض القضايا بين الشرق والغرب. خلال عقدي الخمسينات والستينات ارتكزت  السياسة الخارجية اليابانية على ثلاثة مبادئ أساسية هي : أولاً: سياسة التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة لأسباب اقتصادية وأمنية . ثانياً: تشجيع التجارة الحرة التي تلبي كافة احتياجات اليابان الاقتصادية . ثالثاً: ترسيخ التعاون الدولي من خلال منظمة الامم المتحدة "التي قبلت عضوية اليابان فيها 18 كانون الأول 1956 م" ، وغيرها من الهيئات المتعددة الاطراف. إن التزام اليابان بالمبادئ الثلاث بشكل جيد ساهم في ظاهرة النمو والانتعاش الاقتصادي خلال العقدين الاولين بعد انتهاء الاحتلال. كانت سياسة اليابان الخارجية مستقرة تماما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وكانت هناك ثلاثة عوامل تعمل على استمرار واستقرار السياسة الخارجية اليابانية وهي:اولاً: التحالف الأمني بين اليابان والولايات المتحدة .ثانياَ: استخدام  القدرة الاقتصادية التي تملكها اليابان في تطوير علاقاتها الدولية.ثالثاَ: القيود الدستورية المفروضة على استخدام القوة العسكرية.

بعد سقوط حائط برلين ونهاية الحرب الباردة غيرت اليابان سياستها الخارجية تجاه الصين ، شبه الجزيرة الكورية ، روسيا ، آسيا الوسطى ، جنوب شرق آسيا ، بعد أن شعرت بأنه لم يعد في امكانها الاعتماد على القوة الاقتصادية لضمان الهيمنة الاقليمية ، لهذا بدأت اليابان تأكيد ذاتها كقوة مستقلة ، من خلال توسيع نطاق نفوذها في شرق اسيا والمنظمات الدولية.
تعتبر مجمل السياسة الخارجية اليابانية ورغم بقائها ثابتة من خلال التحالف مع الولايات المتحدة إلا أن التغييرات انطلقت من القلق الياباني المتزايد من تنامي القوة العسكرية الصينية ومن التهديدات الأمنية الخارجية ، بعد ظهور أكثر من دولة مستقلة في المنطقة تعارض السياسة الاميركية في شرق آسيا. لقد ساعد ميل اليابان المتزايد للاستقلال في بلورة رؤية استراتيجية تشكلت نتيجة: مجموعة التغيرات في البيئة الدولية و انعدام الامن في المناطق التي تحتوي على مصادر الطاقة .و تطلعات اليابان لإعادة إحياء الهوية الوطنية وتجاوز ارث الحرب العالمية الثانية الثقيل ، ونتيجة لذلك ترى اليابان ان الوقت قد حان بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية والعالم على الاعتراف بها كدولة مستقلة وفاعلة في شمال شرق آسيا والعالم.

 المسألة الحاسمة بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من دول العالم المتطورة تكمن في كيفية استخدام القوة الاقتصادية اليابانية المتنامية قبل ان تتحول الى قدر كبير من القوة السياسية،  خاصة بعد أن ساندت النخب السياسية والرأي العام قيام اليابان بدور عالمي يتناسب والمساعدات الخارجية وحجم التجارة والاستثمار، وقد تصاعد نشاط المسؤولين اليابانيين في الحصول على دور اكبر في المؤسسات المالية الدولية والمنظمات السياسية والمشاركة الفعالة في التأثير على توجيه السياسات العامة نحو بؤر التوتر الدولية ولا سيما في آسيا.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !