جاء في كتاب الملك الراحل الحسن الثاني "ذاكرة ملك، قوله :" ليس بإمكاني تغيير موقع كل من المغرب والجزائر ويجب أن يتذكر المغاربة والجزائريون دائما أنهم لن يقدروا على تغيير موقع بلديهم". فعلا، إن الجغرافيا قد تكون عامل تواصل وتعايش، كما قد تكون عامل توتر ونزاع. ظل هذا المعطى الجيوسياسي يضغط بكل ثقله منذ الاستقلال على المغرب الذي مازال يسعى إلى ترتيب تفاعله مع جواره، ويبدو جليا لحد الآن، أن هذا الجوار هو مصدر توترات، تتبعها ردود فعل، تارة ظاهرة للعيان وتارة غير مرئية تفعل فعلها في الخفاء أو من وراء حجاب.
فما هي خلفيات عقدة الكراهية والعداء المضمر اللذان شكلا الأرضية "المستدامة" لاتخاذ القرارات المرتبطة، عن قرب أو بعد، بالمغرب؟
استقبال روس بالجزائر استقبالا ملوكيا غير بريء
استقبل بوتفليقة كريستوفر روس استقبالا ملوكيا بقصر المرادية بالجزائر وأمعن في تقبيله أمام الكاميرات وتعمد إظهار الحفاوة الكبيرة التي طبعت هذا اللقاء بطريق لم يسبق لها مثيل.
لقد حرص الرئيس الجزائري على استقبال صديقه روس - الذي تجمعه به علاقات دبلوماسية حينما كان بوتفليقة وزيرا للخارجية ورئيسا للدبلوماسية الجزائرية منذ عهد الرئيس الهواري بومدين - وخُصص له استقبال يليق بالملوك ورؤساء الدول. وتفنن التلفزيون الجزائري في نقل هذه المراسيم. وقد ساهمت هذه الحفاوة البالغة في بروز أكثر من علامة استفهام حول جولة روس الأخيرة لحلحلة مشكل الصحراء، وما إذا كان تقريره الذي سيقدمه بعد جولته إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لا سيما فيما يخص حياده وموضوعيته، علما أن المغرب عدم تنازله عن مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد، في حين رفضت جبهة البوليساريو هذا الحل جملة وتفصيلا.
وقد عمل الإعلام الرسمي خلال هذا اللقاء على وصف الزيارة الأخيرة للمبعوث الأممي بالانتصار الدبلوماسي وبمكسب لا يستهان به على المستوى الدولي.
ومن المعلوم أن التقارير التي أشرف عليها روس، ومنها تقرير أبريل 2012 اتهمت المغرب بالتجسس على بعثة المينورسو والتضييق علي تحركات البعثة في الصحراء. وشدد التقرير في توصياته على ضرورة الحصول على معلومات من مصادر موثوقة ومستقلة عن التطورات في الصحراء ومخيمات اللاجئين أمر حيوي للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، للنظر في أفضل السبل الكفيلة بالتشجيع على التوصل إلى تسوية. ولذلك تكون المبادرة المغربية بخصوص سحب الثقة، وإن عرضت موقف المغرب التفاوضي لشيء من الإحراج الدولي، إلا أنها كانت ضرورية لتصحيح المسار المهدد لسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، ولاسيما محاولة الدفع في اتجاه توسيع صلاحيات بعثة المينورسو عن وظيفتها المتفق عليها. ولقد تأكد عمليا أهمية هذه الزيارة الإخيرة لروس على الرغم من السياق الذي وردت فيه، إلا أنها أكدت على مصيرية قضية الصحراء بالنسبة لكل المغاربة بعد لقاءات الأحزاب السياسي ومكونات من المجتمع المدني، وكذا لأنها وسعت مدارك المبعوث الأممي على قضايا اعتبارية أخرى تتجاوز الإدعاءات الدعائية حول المسألة الحقوقية إلى قضايا ثقافية وجيوسياسية واستراتيجية على المنطقة، وهو ما جسده لقاءه بخلهين ولد الرشيد رئيس المجلس الملكي للشؤون الصحراوية ولقائه بالسيد عمر الحضرمي العضو السابق في قيادة البوليساريو، والذي أبان عن دراية فائقة و فهم واسع بتشعبات القضية وحقيقة الأوضاع بمخيمات تندوف المحاصرة ، وتوضح ذلك عندما شدد المبعوث الأممي مرات عديدة على تنبيه مساعديه لتدوين كل الملاحظات والمعطيات الهامة التي قدمها الحضرمي، و هذا ما دعا روس إلى الاعتراف علنيا بأنه تلقى دروسا جديدة في ملف الصحراء.
عداء مستدام مهما كان الأمر ...قضية الصحراء أحسن ورقة لتفعيله
ظل عبد العزيز بوتفليقة يكن العداء الأسود للمغرب والمغاربة وحكامهم، بل وللمسار الذي اختارت بلادها المشي فيه، والتاريخ شاهد على ذلك بامتياز وبالدليل والبرهان. فمن حرب الرمال إلى تبني المعارضين للنظام المغربي و دعمهم وإيوائهم و تدريبهم وتسليحهم وإرسالهم عبر الحدود لإحداث القلاقل، إلى احتضان انفصاليي البوليساريو ودفعهم إلى المعركة وخلق القلاقل في الأقاليم الجنوبية، إلى الانتقام البغيض من الجالية المغربية المقيمة بالجزائر وطردها من التراب الجزائري ومصادرة أملاكها، إلى نازلة الهجوم على فندق "انسني بمراكش الذي انتهى بإغلاق الحدود البرية بين البلدين، وصولا إلى الوقوف المبيت ضد المغرب في أزمة جزيرة ليلى واستمرار معاكسة الوحدة الترابية ، والتورط الواضح في إحداث القلاقل في أقصى جنوب المغرب وشن حرب الدعاية الهدامة ضد المملكة المغربية ... هذه محطات العداء المستدام ضد المغرب والذي تقعدت أسسه أكثر من أي وقت مضى مند أن أصبح بوتفليقة رئيسا للجزائر. وشكلت قضية الصحراء المغربية بالنسبة إليه حجرا لضرب عصفورين، تفعيل العداء المستدام والتنفيس على احتداد الأزمة الداخلية.
فقد دأب النظام الجزائري على استغلال قضية الصحراء المغربية في التنفيس عن الاحتقانات السياسية والاقتصادية الداخلية، وذلك باعتبار المغرب بالنسبة إلى الجزائر عدو احتياطي لتصريف الأزمة الداخلية التي ظلت تستفحل على مختلف الأصعدة. واتضح بعد وصول بوتفليقة إلى الحكم، أن الحرب الباردة القائمة بين البلدين ازدادت حدة واتسع مداها منذ 1999،ألم يقل في بداية عهده أن الجزائر ضحية جوارها واتبع ذلك باتهامات وجهها للمغرب بإيواء وغض الطرف عن تسللات الجماعات المسلحة التي نتخذ الحدود المغربية قاعدة خلفية في تنفيذ عمليات إرهابية وغيرها من الاتهامات المجانية.
ومنذ انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجزائر، حدث تغيير جوهري في السياسة الجزائرية إزاء المغرب عموما وفيما يرتبط بقضية الصحراء على وجه الخصوص. ففي مختلف التظاهرات والتجمعات الإقليمية والدولية، ظل الهاجس الأساسي للدبلوماسية الجزائرية هو إضعاف الحضور المغربي في مختلف المحافل والمؤتمرات الدولية، وقطع جسور تواصله مع المحيط الخارجي،و العمل على عزله عن المجتمع الدولي بمختلف الطرق والوسائل. ومازال قصر المرادية يقف بقوة أمام استكمال المغرب لوحدته الترابية، إذ سخر كل إمكانيته الدبلوماسية والعسكرية لخلق جو مناوئ للمغرب في بعض المحافل الدولية، هذا في الوقت الذي اقتنعت فيه الدول العظمة بأن الحل السياسي لقضية الصحراء هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا النزاع الطويل الأمد. ورغم أن الجزائر تعلن دائما أنها لا تملك أية مطالب أو أطماع ترابية في الصحراء وإن مساعدتها لجبهة البوليساريو مبنية على موقف مبدئي، فإن أهداف استراتيجيتها إزاء بلاد تكذب ذلك إذ تسعى جاهدة إلى تطويق المغرب جغرافيا وعزله من عمقه الإفريقي، وفي هذا النطاق ليس هناك ورقة يلعبها بوتفليقة لبلوغ مراميه، أجدى وأنفع وأضمن من ورقة قضية الصحراء. وقد كشف الرئيس التونسي المخلوع، حسب وثيقة سربها موقع "ويكيليكس"، أنه حاول عقد اجتماع مغاربي حول ملف الصحراء، فوافق كل من المغرب وليبيا على المشاركة، إلا أن الجزائر امتنعت، بحجة أنه لم يكن هناك شيء للمناقشة.
وقد أكد الرئيس الجزائري الأسبق،الراحل الشاذلي بن جديد، في مذكراته ، أنه قاد الناحية العسكرية الثانية، على الحدود الساخنة مع المغرب، مدة 15 سنة دون انقطاع. وقال: "كنت مدركا تمام الإدراك على المستوى لجسامة المسؤولية وثقلها الملقاة على عاتقي. ذلك أن هذه الناحية حسّاسة، وتكتسي أهمية استراتيجية كبيرة، بحكم شساعة إقليمها وضمّها لثلث أفراد الجيش ونوعية سلاحه المتطوّرة. وفضلا عن ذلك، فإن حساسية الناحية تنبع، بالدرجة الأولى، من كونها متاخمة للحدود المغربية (...) وبالنظر إلى التوتر القائم بين البلدين الجارين (المغرب والجزائر)، كان هناك احتمال دائم بنشوب نزاع مسلّح مع المغرب، في ظل التوتر المستمر بين البلدين (...)كان همّي الوحيد هو الحيلولة دون وقوع ذلك، والحرص في الوقت نفسه على وحدة التراب الوطني وسلامته. وكان هذا الهاجس يؤرّقني على الدوام كمجاهد وكقائد عسكري. فأنا أنتمي إلى جيل آمن إيمانا راسخا، بوحدة الشعوب المغاربية، جيل لم يساوره الشك أبدا في أن ما يجمع بين شعوب المنطقة أقوى مما يفرق بينها، جيل يعتبر وشائج التاريخ وروابط الدين وحقيقة الجغرافيا والتطلع إلى مصير مشترك واحد تجعل من هذه المنطقة وحدة متجانسة في طموحاتها منسجمة في تطلعاتها، لكن دسائس الاستعمار وأطماع بعض الساسة حالت دون ذلك. وكان إيماني هذا، وإيمان جيلي، يستند بطبيعة الحال، إلى تجربة واقعية في الكفاح المشترك أثناء ثورتنا المجيدة. فنحن لم ننس أن الشعبين الشقيقين التونسي والمغربي احتضنا المجاهدين الجزائريين بكل فخر واعتزاز في فترة صعبة، وأن أبناء هذين الشعبين رفعوا السلاح في وجه المستعمر الفرنسي، وحاربوا معنا في خندق واحد، ومنهم من استشهد في سبيل استقلال الجزائر (...) كما أن العلاقة بين هواري بومدين والحسن الثاني كانت متصلبة، وكأنما بين الرجلين حساب قديم يجب تصفيته، وحقد دفين لم يستطيعا تجاوزه. وخلق هذا كلّه جوا من الشك وانعدام الثقة انعكس سلبا على كل محاولات إرساء قواعد تعاون مثمر يصون تطلعات الشعبين إلى التحرر والاستقرار (...) لقد عبّرنا، نحن القادة العسكريين، في العديد من اللقاءات مع هواري بومدين، عن رفضنا لتقديم أيّ تنازلات في مسألة الحدود. وكان بومدين غير راض عن الطريقة التي حلّت بها مسألة الحدود مع تونس. وكان موقفه هو أن الحدود الجزائرية لا ينبغي أن تكون محل متاجرة (...) كانت القيادة السياسية للمعارضة المغربية تنشط في العاصمة، أما تنظيمها المسلح، فكان في مركزين بغرب البلاد، الأول في سيدي بلعباس والثاني في المحمدية، أي في إقليم الناحية التي أشرف عليها. إدراكا منه لضرورة تصفية الأجواء بين البلدين وتمهيدا لأول زيارة له إلى المغرب اتصل بي الرئيس هواري بومدين، لاستشارتي في الموضوع. قلت له بعد أن قدمت له عرض حال عن المسألة ، إني لا أؤمن بمعارضة تنشط خارج بلدها، وإن الإخوة المغربيين إذا أرادوا أن يعارضوا حكم الملك، فليفعلوا ذلك داخل بلدهم. ثم شرحت لبومدين أن بحوزتي معلومات تقول إن المخابرات المغربية اخترقت صفوف هذه المعارضة. اقتنع بومدين بوجهة نظري، وطلب مني التصرف بما تمليه المصالح العليا للبلاد. كان الجيش يشرف على تسليح هذه المعارضة وتدريبها، أما الإشراف السياسي واللوجيتسيكي فكان من صلاحيات جبهة التحرير الوطني. وكان المحافظ الوطني للحزب في عمالة وهران آنذاك يدعى قواسمية الشاذلي عبد الحميد، لذلك اعتقدت المخابرات المغاربية، والملك الحسن الثاني استنادا إلى تقاريرها، أن الشاذلي بن جديد هو من نظم سياسيا هذه المعارضة ووجهها. لقد اختلط عليهم الأمر بين اللقب والاسم، تماما مثلما اختلط الأمر في بداية الثورة على المخابرات الفرنسية التي أعتقدت فترة طويلة أن لقبي هو الشاذلي ".
الحاجة إلى عدو خارجي دائم ولو مفترضا
ظل النظام الجزائر في حاجة إلى عدو خارجي دائم لإشغال الجزائريين عن الاهتمام بتغيير واقع الحال وإنهاء سيطرة الجنرالات على الجزائر. وفي هذا السياق سبق أن كشفت، وثائق دبلوماسية أمريكية نشرها موقع "ويكيليكس" عبر الجريدة الأسبانية "الباييس" في 2010 أن نظام الحكم فشل في الجزائر وتفشى الفساد في البلد، حتى وصل إلى أشقاء الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" بالإضافة إلى تهديد انقسام قيادة الجيش الذي يهدد استقرار البلاد. بدوره قال "برنار باجولي" السفير الفرنسي في الجزائر، لنظيره الأمريكي روبرت فورد، إن "الفساد بلغ مستوى متقدما، حيث وصل إلى داخل الجيش ووصل إلى قمة الهرم"، بما فيهم إخوة بوتفليقة المتورطين في فضيحة فساد في بنك "خليفة". وأضاف السفير "باجولي" إن "الجزائر ليس لديها ما يجعل جارها يحسدها على الفساد، ولكن نظامها السياسي مختلف عن المغرب، ليس فقط لأنها جمهورية، ولكن لأن السلطة تقع على كاهل رئيس الدولة فقط مما أدى إلى انقسام الجيش، وهذه الازدواجية في السلطة تنشئ نوعا من الشلل في استقرار البلد" . وأضافت الوثيقة أنه لابد من إعادة سيطرة بوتفليقة على الجيش الذي يؤثر بالسلب على البلد وراء الكواليس، مشيرة إلى أنه الشخصية الرئيسية لضمان السيطرة على النظام، كما أن الجنرال "توفيق مديان " رئيس المخابرات الجزائرية السابق على علم بمشكلة الفساد، لافتة إلى أن الحالة الصحية لبوتفليقة ليست على ما يرام مما يؤثر بالسلب على الجزائر.
بوتفليقة : كيف يرى نفسه وكيف يراه الآخرون
يرى الرئيس الجزائري نفسه سياسيا محنكا خبر طويلا وعلى امتداد عمره دواليب السياسة ودروب الدبلوماسية، كما يعتبر نفسه من الرعيل الأول من رجال الدولة في العالم العربي الذين تقلدوا المسؤولية مبكرا وفي ظرفية صعبة قوّت عوده وأكسبته تجربة واسعة قلّ نظيرها، أنه كان أصغر وزير خارجية عربي في بلاد عربية.
في حين يراه آخرون أنه تعلم السياسة على يد الهواري بومدين الذي يعتبر أستاذه الذي تألق بشكل غير مسبوق في سوء الجوار والحقد والكراهية للمغرب والمغاربة والهمز واللمز ضد الجيران على امتداد فترة حكمه حيث شكل له ملك المغرب عقدة نفسية رافقته طول حياته. ويراه البعض مجرد واجهة للحكم بالجزائر وأنه مسيّر من طرف المؤسسة العسكرية وجنرالاتها الأقوياء. وهذا ما أقرّ به العديد من الجزائريين أنفسهم. ومن الغرائب أن ثلة من مقربي عبد العزيز بوتفليقة شهدوا بأنه كان يقلد الراحل الحسن الثاني في كل شيء حتى في مشيته ولباسه وطريقة كلامه. كما أقرّ البعض أن عقدة القائمين على الأمور بالجزائر ازدادت استفحالا وحدة عندما اختار نجل الملك الحسن الثاني، الملك محمد السادس، بجرأة كبيرة المناداة بالصلح وجبر الضرر الفردي والجماعي ، في حين لم يجرأ أي واحد من حكام الجزائر على الاعتراف والإقرار بما اقترفته الدولة الجزائرية في حق الشعب الجزائري، أو بالكشف عن مصير المفقودين والمختطفين الجزائريين وما أكثرهم ناهيك عن الاغتيالات السياسية المقترفة في حق ثلة من المناضلين الجزائريين.
كشفت وثائق الدبلوماسية الأميركية السرية التي نشرها موقع "ويكيليكس"،أن بوتفليقة ظل يكن الكره البيّن للرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، لأنه سار على خطى سلفه جاك شيراك في دعم الموقف المغربي بشأن قضية الصحراء، وإبداء عدم راضا باريس على الموقف الجزائري الذي يدفع باتجاه انفصالها عن المغرب . و تقول ذات الوثائق المسربة أن التوتر الذي ظل يطبع العلاقات بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي و نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة،يعود في جزء كبير منه إلى الموقف الجزائري من الصحراء المغربية،إضافة إلى ما يعرف بالماضي الإستعماري الفرنسي في الجزائر. وفي العام 2007 عبر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لدبلوماسي أمريكي زار الجزائر عن امتعاضه من موقف باريس الداعم للرباط.
وقد كشف موقع " ويكيليكس" عبر تسريباته، العداء الواضح للرئيس الجزائري للمغرب وملكه.
إذ أفادت وثيقة تقرير خطها "فْرَانْسْ فرَاغُوسْ توِيسْنْدْ" في شهر يونيو 2006، عندما كان يشغل منصب المستشار المكلف بالأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب ضمن فريق الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش، بأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد تحدّث عن الملك المغربي محمّد السادس بازدراء أثناء محادثة جرت بين الطرفين بقصر المرادية.. بقوله – حسب ما ورد في التقرير بالحرف-: إنّي أحتقر ملك المغرب، ولن أصافحه أبدا لأنّه غير منفتح وعديم خبرة"... قبل أن يستدرك مضيفا: "إنّي أومن بضرورة الحوار من أجل تجاوز خلافاتنا مع المملكة المغربية.. إلاّ أنّني لا أومن بتاتا بالحوار مع الملك شخصيا". وما هذا إلا فيض من غيض شعور الرئيس الجزائري اتجاه المغرب والمغاربة وحكامه. كما علق بوتفليقة في آخر الحوار قائلا: "نخبركم كأمريكان بغياب نيّة فتح الحدود مع المغرب ما دام الإشكال مع الصحراويين قائما دون التوصل إلى حلّ" ( بنية حل يرضي الجزائر طبعا، رغم أنه لم يعلن عن ذلك).
لكن من جهة أخرى يعرب الرئيس الجزائري عن إعجابه الكبير بما يقوم به المغرب، إذ دأب على تقليده في أكثر من مناسبة، منها استنساخ مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء عبر مشروع بناء مسجد نسخة طبق الأصل للمسجد المغربي من حيث الموقع والمساحة والشكل والمرافق الدينية والزخرفة وما هذا إلا مثال من مسار التقليد. كما أن ميناء طنجة المتوسطي لم يفلت من التقليد الجزائري، إذ أعلن قصر المرادية على مشروع "كاب 2015"، وهو المتعلق بإحداث ميناء بـ "كاب جينة"، قرب الجزائر العاصمة. ومن المرافق التي تقرر انجازها رصيف بطول خطي 20 كيلومتر، تبجح به الحكام الجزائريون، إذ قالوا أنه يفوق أرصفة ميناء طنجة المتوسطي 6 مرّات؛ ومنطقة نشاط تبلغ مساحتها 5000 هكتار ستحتضن أكبر مركب للأليمينيوم في العالم؛ ومركب صناعة الصلب ومعمل السيارات (طاقته الإنتاجية 350 ألف سيارة في السنة)؛ ووحدات لتحلية مياه البحر، وكذلك وحدة لصناعة الحاويات ومحطات لتوليد الكهرباء.
في واقع الأمر ظل الملك الراحل الحسن الثاني يشكل عقدة الرئيس الجزائري طوال مساره الدبلوماسي والرئاسي ، فقلده في مشيته وسيجارته وبروتوكوله وخطبه وكلامه ونخوته ومؤتمراته ومسجده ودروسه الحسنية...وقد سبق لتاج الدين الحسني، أستاذ العلاقات الدولية، أن أكد قائلا عن بوتفليقة : " كان يقتدي إلى درجة التقليد بشخصية الحسن الثاني ، الشخصية التي تأثر بها وصار يقلدها في كل شيء".
لكن التاريخ يظل شهيدا ولن تفوته نازلة أو موقف، إذ تشاء الظروف أن يعود عبد العزيز بوتفليقة إلى مسقط رأسه - وجدة - التي غادرها تلميذا و مقاوما، ورجع إليها وزيرا، في سنة 1963، ليجتمع مع وزير الخارجية المغربي آنذاك أحمد رضا اكديرة، لإصدار بلاغ مشترك حول موضوع العلاقات المغربية الجزائرية، أطلق عليه "بلاغ الوفاق"، حيث تعهد كل طرف بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، وبامتناع كل دولة عن الإضرار بالدولة الأخرى. وكانت آخر مرة يزور فيها الرئيس الجزائري مسقط رأسه، بتاريخ 31 أكتوبر 1989، حيث قطع صحبة أمه مركز " زوج بغال" الحدودي، و تردد على العديد من الأماكن، التي ارتبطت بذاكرة طفولته و مراهقته بوجدة، وأحيى صلة الرحم مع العديد من أصدقائه و جيرانه و أقربائه، قبل أم يكمل الرحلة رفقة والدته نحو حامة مولاي يعقوب. وكانت والدة الرئيس الجزائري قد أوصت بدفنها بمقبرة سيد المختار بوجدة، بجوار زوجها أحمد و باقي أخواتها و أقربائها، وكان بوتفليقة متحمسا لتنفيذ وصية والدته، لكن تدخل الأطراف المقربة منه، و خصوصا مستشاره و شقيقه سعيد بوتفليقة، نصحه بالعدول عن ذلك، لاعتبارات سياسية محضة، علما أن المغرب عبر عن استعداده الكامل و ترحيبه التام، لاستقبال جثة والدة الرئيس الجزائري، و عبورها الحدود البرية للبلدين الجارين.
لن يقبل بوتفليقة إعادة فتح الحدود
هناك أن إشارة وقرينة وتصرف وموقف الدال تاريخيا على أن عبد العزيز بوتفليقة لن يوافق على إعادة فتح الحدود البرية.
فبعد انتهاء حرب 1967 ، عمل الملك الراحل الحسن الثاني، إلى أقصى حد ممكن، تطبيع العلاقات بين البلدين الجارين وإنهاء ظاهرة الصراع، إذ وجه نداء مفتوحا إلى الجزائريين لحل مشكلة الحدود، وكان يومها عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للخارجية سنة 1969 ، إذ أبرم الطرفان اتفاقية اعتبرت في زمنها بمثابة أمر استثنائي في المنطقة ، وهي الاتفاقية التي تحمل شعار " الصداقة وحسن الجوار والتعاون"، وتم تأسيس سنة 1970 لجنة مختلطة للقيام بعملية رسم الحدود والحسم فيها نهائيا ، كما تم في سنة 1972 التوقيع على اتفاقية افران حول الحدود. ولم يتم التوقيع على اتفاقية الصداقة وحسن الجوار إلا سنة 1992، وهي السنة التي كان قد غادر فيها بوتفليقة وزارة الخارجية ، والحسن الثاني كان يفضل ذلك رغبة منه في إقامة علاقة ود حقيقية مع شركائه الجزائريين.
أخبار نفط المغرب أقلقت بوتفليقة
منذ أن بدأت تظهر هنا وهناك أخبارا عن إمكانية توفر بلادنا عن محزون نفطي وإثر تعاقب الأخبار الصادرة عن شركات التنقيب الدولية المرخص لها في المغرب، عمل القائمون بالجزائر على إنشاء خلية يقظة لمتابعة عمليات التنقيب الطاقي الجارية في بعض المناطق المغربية وجمع أكبر قدر من المعلومات والمستجدّات حول نتائجها وذلك بعدما راج مؤخّرا عن اكتشاف كمّيات كبيرة من النّفط والغاز الطبيعي في مناطق متفرّقة من البلاد. وهذا ما أقرّه بعض الدبلوماسيين وأكثر من جهة إعلامية غربية سيما إسبانية وفرنسية.
ومن المعلوم أن التجسس الاقتصادي ظل أمرا شائعا يطبع العلاقات المغربية الدزائرية. وقد سبق لمجموعة "صوناطراك "الجزائرية أن طورت منذ تسعينات القرن الماضي منظومة متكاملة في هذا النوع من التجسس وقد ساعدها في ذلك علاقاتها بالشركات الدولية العاملة في التنقيب.
وكشف أكثر من مصدر إعلامي غربي أن شركة "صوناطراك" كلفت شركتها الفرعية "سيبيكس" ( Sipex ) باستغلال علاقاتها المتينة بشركات التنقيب الدولية المشتغلة حاليا في المغرب، قصد الحصول منها على معلومات مضبوطة بشأن نتائج عمليات التنقيب المختلفة التي تقوم بها لصالح بلادنا.
المغرب وملوكه عقدة الحكام الجزائريين
ظلت المملكة المغربية تشكل عقدة بالنسبة للحكام الجزائريين إلا من رحم ربي.
يأبى الإعلام الرسمي الجزائري إلا أن يحشر نفسه في كل صغيرة أو كبيرة من شأنها – في اعتقاده- النيل من المغرب محليا أو جهويا أو قاريا أو دولي . ولم يخلف الإعلام الرسمي الجزائري الموعد، حيث أضحى معروفا عنه لدى العام والخاص تسارعه للدخول على الخط بمناسبة أي حدث أو نازلة تهم المغرب والمغاربة، قلّ أو عظم شأنها. وذلك حتى ولو اضطرّ هذا الإعلام الرغم اعتماد موقف نشاز. مما يُسقطه في تراهات غريبة كما سبق وأن حصل بمناسبة نازلة جزيرة ليلى، إذ أرجعت بعض الصحف الجزائرية دوافع التوتر الحاصل وقتئذ بين الرباط ومدريد إلى تخوف المملكة المغربية من التقارب الجزائري - الإسباني، في وقت تراجعت هذه العلاقة لصالح الجزائر، علما أن الرئيس الجزائري كان قد قام بزيارة رسمية لإسبانيا آنذاك. وفي تدخل سافر في موضوع مغربي إسباني - يستدعي على الأقل الحياد من طرف الجيران- اختارت الجزائر أن تدفع بجهازها الإعلامي إلى حشد الدعم والتأييد لإسبانيا ضد المغرب، والتحريض عليه، بل وتحميله مسؤوليات الخلافات. وسار على نفس الدرب كذلك إعلام جنرالات الجزائر، إذ اتّهم المغرب مباشرة ، معتبرا اتهامات الرباط لمدريد لا تعدو أن تكون رد فعل من التقارب الجزائري الإسباني، وتخوف المغرب من فقدان مكانته المميزة، باعتباره شريكا تفضيليا لإسبانيا.
مشكل الجزائر جنرالاتها
ظل محمد خليدي ،الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة، وهو أحد أبناء المغرب الشرقي، يقرّ أن جنرالات الجزائر هم الذين دأبوا على عرقلة مسيرة الاستقرار والتطور الاقتصادي في المغرب الكبير، وهم على استعداد تام للتضحية بكل شيء من أجل الاستمرار في الاستفادة من الامتيازات الواسعة التي يتمتعون بها؛ ولذلك فهم لا يريدون حل قضية الصحراء، لأن حل القضية هو بمثابة القضاء على أحلامهم الجنرالات في التوسع ومراكمة الثروات. فقد أنفق الجيش الجزائري جزءا كبيرا من ثروات الشعب في التسلح ودعم البوليساريو، وربما أن الرقم هو أكبر من 250 مليار دولار التي سبق وأن تم الإعلان عنه؛ وهو حجم إنفاق هائل كان من الممكن استثماره في مجالات التعمير والتنمية وبناء بلد قوي اقتصاديا ومتماسك اجتماعيا، يدعم استقرار المنطقة لتمكين شعوبها من التقارب، لا التنافر والعداء. فالجيش بتحكمه في دواليب القرار الجزائري، ونهبه للثروات، وتأهبه الدائم للحرب مع جيرانه، وعرقلته لقيام الوحدة المغاربية، يعد من أكبر الحواجز التي تحول دون تمتيع الشعب الجزائري بحريته وانخراطه في مشروع الاتحاد مع أشقائه من شعوب المنطقة. ولنتذكر كيف تمت إزاحة الرئيس الشاذلي بن جديد عن السلطة حينما عبر عن رغبته في طي ملف الصحراء والتفاهم مع المغرب حول وضع نهائي، والدخول بالجزائر في عهد الديمقراطية. كما تم قتل الرئيس محمد بوضياف بطريقة وحشية لأنه كان يحمل مشروعا وحدويا وديمقراطيا يروم الرجوع بالجزائر إلى حضنها الطبيعي وسط المغرب الكبير. بل حتى الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد داده لم يسلم من التحرشات الجزائري لما مضى في مسلسل التقارب مع المغرب، وأمضى مع بلادنا الاتفاق الشهير، فقابله الهواري بومدين بالتهديد وتم الحجز على طائرته بالمطار.
كما ظل محمد خليدي يؤكد أن هناك إجماع على أن الرئيس في الجزائر مجرد واجهة للسلطة وليس حاكما حقيقيا للبلاد؛ فالحاكم الحقيقي هم الجنرالات الذين لا هم لهم سوى مناوشة المغرب والتضييق على مسيرته التنموية والديمقراطية، ودعم كافة أشكال الاضطراب الداخلي ببلادنا، وربما لا يعلم الكثيرون أن المدارس العسكرية في الجزائر تضع ضمن برامجها التكوينية دروسا يتم من خلالها زرع كراهية المغرب في عقول ومشاعر الضباط والجنود الجزائريين. وقد حرص جنرالات الجزائر، منذ الانقلاب على أحمد بن بلة إلى اليوم، على أن يكون رئيس البلاد عسكريا؛ إذ إن بوتفليقة الذي يحكم اليوم هو مدني مزيف، فهو في الأصل عسكري برتبة كوماندان، والهواري بومدين كان برتبة كولونيل. وباستثناء بوضياف، فكل حكام الجزائر كانوا عسكريين. لذا بقيت حركة الدبلوماسية الجزائرية مرتبطة بالعداء للمغرب، وتم تهميش القضايا الإسلامية والعربية الكبرى، في مقابل تضخيم مشروع وهمي لدولة وهمية على أرض مغربية.
وبالتالي، فإن مفتاح الحل بالنسبة للصراع حول الصحراء – بالنسبة لمحمد خليدي - هو تولي المدنيين لمقاليد السلطة في الجزائر، بشكل ديمقراطي، وإنهاء حالة احتكار السلطة من طرف الجيش الذي يخشى الديمقراطية المدنية ويجهضها تماما، كما حصل مع تجربة جبهة الإنقاذ الإسلامية.
وفي نفس السياق اعتبر بلقاسم لوناس، رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي، أن الجزائريين يتحملون نظام الحكم ببلادهم على مضض ومضطرين في انتظار يوم الفرج . وفي انتظار ذلك اليوم يستمرون في التعبير عن غضبهم وسخطهم كلما سنحت الفرصة.
وقد ذهب أحد الشبان الجزائريين إلى القول : "كنا نسمع عن أسطورة "دراغولا" (مصاص الدماء) حتى ظهر لنا في الجزائر "دراغولا" حقيقي، إنهم جنرالات الدم الذين يمصون دماء الشعب الجزائري. فعار على هؤلاء القابعين في المرادية، بطونهم تزداد انتفاخا يوما بعد يوم بينما شعبهم مقهور يعاني في الحصول حتى على المواد الأولية في بلد يغني صباح مساء أن ذمته خالية من أي دين خارجي حتى لا يتدخل أحد في قراراتهم إذا ما أرادوا تجويع شعبهم وقهره واستنزاف جيوبه المستنزفة أصلا. وها هي الدولة التي تتمتع باحتياط كبير من الغاز يعيش سكانها الفقر المدقع بينما الحديث يدور عن فائض مالي سنوي يقدر بــ 110 مليار دولار، كل هذا يحدث في جزائر بوتفليقة". ويردف شاب آخر مكملا : "الجزائر بلد حرروه شهداء ويخربوه عملاء، إن شباب الجزائر هم الأكثر هجرة نحو أوروبا، في حين تراجعت الهجرة بالمغرب ... للجزائر عائدات البترول قياسية ومستوى المعيشة متدني بها مقارنة بتونس والمغرب، وذلك لسبب بسيط أنها تركت التنمية وتبنت دعم النزاعات وزرع التفرقة بين العائلات المغاربية ، والنتيجة سينقلب السحر على الساحر . وقد صدق من قال إن وضع البلاد لن يتغير مادام نظام الحكم العسكري بواجهة مدنية هو السائد " .
وقد لاحظ الجميع أنه تزامنا مع كل جولة مفاوضات يعمل جنرالات الجزائر على افتعال نازلة، كما دأبوا في السنوات الأخيرة على استخدام ما يسمى بــ "بوليساريو الداخل" كطابور خامس. فمثلا في الجولة 7 للمفاوضات غير الرسمية
و عمدوا إلى الاعتماد على بعض انفصاليي الداخل – الطابور الخامس الذي يحيا بين ظهرانينا وفي عقر دارنا مستغلا أجواء الاختيار الاستراتيجي الذي تبناه المغرب بخصوص احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والانفتاح والشفافية – لتنفيذ مهمة محاولة التشويش على الجولة. وقبيل انعقادها طار "كومندو" من 40 انفصاليي الداخل إلى أحد مخيمات تندوف (مخيم الداخلة)، بعد أن تكلفت المخابرات الجزائرية بكل الترتيبات، بدء من الاتصالات ومرورا بتوفير التمويل وتأمين الرحلات، وانتهاء بتوفير غطاء لهذا التحرك المبيت تحت ذريعة المشاركة في ندوة وطنية للشباب. لأن خطة البوليساريو تحت إمرة جنرالات الجزائر لا تعدو أن تكون عدم السماح، بأي ثمن وبأي شكل من الأشكال، بتحقيق أدنى تقدم بخصوص المسائل الجوهرية في المفاوضات.
وعلمت الاستخبارات الجزائرية وقيادة البوليساريو على تجنيد كل إمكانياتهما المادية واللوجستيكية والبشرية لتفادي مرور زيارة كريستوفر روس إلى العيون في أجواء عادية، إذ عملتا على إنشاء العشرات من المواقع والصفحات على شبكتي التواصل الاجتماعي، “الفايسبوك” و”تويتر”، دعتا فيها انفصاليي الداخل التوجه نحو مدينة العيون، خاصة إلى حي معطى الله، بهدف الخروج في مظاهرات، و افتعال وقفات، ومسيرات تجوب شوارع المدينة، مع حثهم على محاصرة مقر بعثة المينورسو والاعتصام أمامه إلى حين مغادرة المبعوث الأممي للمدينة. وهو ما سعى إلى تنفيذه انفصاليو الداخل، لكنهم حينما أخفقوا في تنفيذ توجيهات الاستخبارات الجزائرية وقيادة البوليساريو، اعتدوا على عناصر من القوات العمومية، ورموا سيارات الشرطة بالحجارة في الحي المذكور سعيا وراء استفزازهم للتدخل.
فقد توضّحت الأمور، وتأكد بالملموس أن هناك دورا للجزائر، سواء ماضيا أو حاضرا، في خلق نزاع الصحراء وإدامته والحرص بأي ثمن على الحفاظ على "الستاتينو" باعتباره قضية حياة أو موت في عيون جنرالات الجزائر المتحكمة بيد من حديد في مختلف دوائر صناعة القرار والجاثمين على أنفاس الشعب الجزائري منذ الاستقلال. من يدافع عن "البوليساريو" أثناء مداولات مجلس الأمن؟ ومن ظل يمدها بالسلاح؟ ومن يرفض إحصاء السكان المحتجزين فوق ترابه؟ ومن يقدم الرعاية والدعم الدبلوماسي والسياسي؟ ومن يواصل إغلاق الحدود البرية؟ الجواب على هذه الأسئلة أضحى واضحا للعام والخاص.
معالم عقدة الكره "المستدام" والعداء المضمر
ظهرت منذ المفاوضات السرية الأولى
بدأت الاتصالات السرية الأولى بين الرباط والجزائر العاصمة بخصوص الصحراء في 20 ديسمبر 1977 في سويسرا، ومثل الجانب المغربي الأميرة لالة عائشة شقيقة الملك الراحل الحسن الثاني وعمة الملك محمد السادس، وأحمد رضا كديرة، مستشار وأقرب المقربين للملك الراحل والكولونيل أحمد الدليمي،وقتئذ، في حين مثّل الجزائر الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي و آخرون. وقد استمرت تلك اللقاءات السرية في الديار سويسرية من ديسمبر 1977 حتى مايو 1978، وشملت خمسة لقاءات لم تثمر أي تقدم. ومع الجمود الذي اعترى هذه اللقاءات، تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر إلى مرحلة تسيّدها الخوف والقلق البيّن من احتمال وقوع انفجار عسكري بين البلدين الجارين.
لحظتئذ تدخل الملك الراحل الحسن الثاني وأمر بإرسال طائرة مغربية خاصة إلى العاصمة السويسرية، جنيف، لنقل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، بصورة سرية تامة، وكان مشهد وقائع هذه النازلة شبيه بمشهد سينمائي مخابراتي هوليودي. أقلعت الطائرة من جينيف متجهة إلى المغرب. في اليوم الأول من مايو 1978، حطت الطائرة الخاصة بمدرج مطار مدينة فاس وعلى متنها أحمد طالب الإبراهيمي الذي أقتيد إلى القصر الملكي ليلتقي الملك الراحل الحسن بمفرده رأسا لرأس.
وسجل أحمد طالب الإبراهيمي في مذكراته محضر اللقاء السري التاريخي الذي جمعه بالملك الراحل الحسن الثاني مع التركيز بشكل خاص على استراتيجية المغرب التي عرضها العاهل المغربي الراحل بأسلوب ملكي فريد يمزج بين غلظة التعبير الذي استوجبته أهمية وحيوية القضية بالنسبة للعرش والشعب، وكذا الإصرار على التمسك بالقناعات الملكية والالتزام بصواب المواقف المغربية وعدالة قضيته. ولم يفت أحمد طالب الإبراهيمي، في مذكراته، رسم بروفايل وشخصية الرئيس الجزائري وقتئذ، الهواري بومدين. إذ قدمه صاحب الشكل المتجهم والعابس والغامض، المفرط في أحكامه، والبسيط في حياته، والمغرم بمشروع التحديث الذي آمن به، والزاهد في أسلوبه والمصر على تصوراته، والصارم في قناعاته. كما أكد أحمد طالب الإبراهيمي في مذكراته أن الملك الراحل الحسن الثاني أطلعه بكل وضوح، دون لف ولا دوران، على وجهة نظر الملك، حيث يقول:
"توجه إليّ الملك الحسن قائلا: " سأكون معكم صلفا وأخبركم بأنه مهما كانت نتيجة هذه القضية، فان أمامي في الميدان الاقتصادي ثلاث سنوات صعبة يتعين علي أن أتحملها، أما على الصعيد العسكري، فإذا تركت الخسائر البشرية جانبا، فإن الوضع الحالي يتميز بفوائد كثيرة، جيشي يزيد تجربة، وهو يعرف الميدان أحسن فأحسن، هي فرصة لكي يجرب السلاح المتطور في أفضل الظروف، وأضيف بأن لي امتيازاً آخر عليكم وهو خوض الحرب والإعلان عنها، بينما أنتم تقولون أنكم لا تخوضون الحرب لكن إذا ما استدام الوضع ستكون لكم مشاكل مع جيشكم ومع شعبكم (...) قلت في البداية إني سأتكلم كلاما صلفا، غير أنه في السياسة ينبغي الجمع بين الوقاحة والأخلاق، اليوم ينبغي أن نخرج من المأزق، أنا أحن إلى سنوات التعاون العشر مع الجزائر، والإنسان لا يحن إلاّ لما أحبه، هناك أمران لا يمكن أن تطلباهما مني:
الأول، هو التراجع عن مغربية الصحراء، والثاني خيانة التزاماتي حيال ولد داده، ليس بالعبء اليسير، وأنا أتحمله إما بسببكم أو من أجلكم...".
أمام الحرج الذي وقع فيه جراء وضوح ما عبّر عنه جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، إلا الهروب إلى الأمام والخوض في متاهة الأطروحة الانفصالية التي كانت "موضة" الفترة التاريخية وقتئذ بفعل الظرفية التي كان يعيشها العالم آنذاك. إذ خاض المسؤول الجزائري في الحديث عن مبدأ تقرير المصير لــ "الشعب الصحراوي" والى روح تضحية "الشعب الصحراوي" ... كما أشار أحمد طالب الإبراهيمي إلى كون أن الجزائر في مقدورها أن تزود "الانفصاليين" بالسلاح... فيرد الملك الراحل الحسن الثاني، بدهائه السياسي المعتبر المشهود له عالميا، متسائلا: " وعندما ينقرض الصحراويون، هل ينبغي الاستعانة بالتشاديين والماليين وغيرهم الذين يعانون من سوء التغذية ..."
حاول أحمد طالب الإبراهيمي إقتراح إمكانية قيام كونفدرالية مغربية تضم الصحراويين، لكن جلالة الملك الراحل الحسن الثاني كان صارما في رده: "الجزائر قطعة جبنة مكتملة والمغرب نفس الشيء، يعني لا يُقبل دخيل في صلبه..." هكذا انتهى ذلك اللقاء غير المسبوق في مفرداته التي أذهلت المسؤول الجزائري.
وقد علقت المحادثات السرية بعد مرض ووفاة الرئيس الهواري بومدين، الذي أصيب بسرطان المثانة، وبقيت قضية الصحراء بدون حل تستنزف طاقات شعوب المغرب العربي، ومات بومدين في 27 ديسمبر 1978، وكانت آخر رسالة بعثها بومدين الى الملك الراحل الحسن الثاني، يجدد فيها التزام الجزائر بموقفها بخصوص هذه القضية وتبين بجلاء غياب نية أي شكل من أشكال التراجع عنه أبدا. كما تأكد أن هذه القضية مصيرية بالنسبة للمغرب ، ملكا وشعبا، وقد حرص الملك الراحل في حديثه مع أحمد طالب الإبراهيمي ، على أن يدرك الطرف الجزائري غياب التردد في اللجوء إلى أي سبيل لترجمة عدالة هذه القضية على أرض الواقع مهما كان الثمن والتضحيات التي تتطلبها.
ومنذ هذه اللحظة تبين أنه لا جدوى في التفاوض المباشر مع الجزائر بخصوص قضية الصحراء، والمهم هو العمل على ا قناع الرأي العام العالمي والمنتظم الدولي بمشروعية وعدالة المطلب المغربي. وفي هذا المضمار أعتبر الكثيرون منذئذ، أن التفاوض مع الجزائر حول ملف الصحراء غير مطروح، بل المطلوب ضرورة الضغط عليها للحد من عدائها للمغرب، وهذا لن يتأتى بفعل الزمن بقدر ما يجب انتزاع القناعة الدولية و تحسيس الرأي العام العالمي بعدالة المطلب المغربي مما يزيد من عزلتها و يفرض عليها مراجعة مواقفها مراجعة جذرية. بل هناك من تحفظ بوضوح بخصوص المفاوضات حتى مع جبهة البوليساريو. وفي هذا النطاق يمكن التذكير بموقف سبق أن أعلنه عمر العضمي (الحضرمي)، أحد قادة البوليساريو البارزين السابقين الذين التحقوا بالمغرب مبكرا منذ الإعلان عن شعار "الوطن غفور رحيم"، فقد أعلن عن رفضه لمقترح الحكم الذاتي بدعوى غياب نخبة سياسية صحراوية مستقلة، وكل نخبة من صحراويي المخيمات ستظل تابعة، بشكل أو بآخر للجزائر.
مستقبل واستقرار المغرب العربي رهين بحل نزاع الصحراء
لا يخفى على أحد أن كل شعوب المنطقة ظلت تتوق إلى البناء المغاربي، ولا غرو أن تسعى بلادنا منذ حصولها على الاستقلال إلى تحقيق الوحدة المغاربية. وقد ظل ملوك ما بعد الاستقلال يولون أهمية بالغة للقضية ولوحدة الشمال الإفريقي؛ اعتبارا لوحدة مصير شعوبه جغرافياً وجنساً وديناً وتقاليدا وتاريخياً ــ وحدة تؤهل هذه المنطقة للقيام بدور حيوي في السياسة الدولية.
وظل المغرب يجدد استعداده لمواصلة العمل من أجل حل الخلاف المفتعل حول الصحراء، والذي لازال يعيق بناء هذا الاتحاد. ودأب على الدعوة لتجنيب المنطقة المغاربية دواعي التوتر، سعياً لتجميع الشروط لتحقيق اندماج مغاربي، قصد تمكين المنطقة من القيام بدورها الأكيد على الصعيد المتوسطي، وتثمين العلاقات مع دول الساحل الإفريقي، في أفق تحصين منطقة غرب الشمال الإفريقي من مخاطر الإرهاب الدولي والتشتت، وكل الأحداث والنوازل أكدت ضرورة هذا المبتغى. وكاد يجمع الملاحظون الدوليون على أن السبيل لتحقيق هذا المراد يمرّ بالضرورة عبر حياد الجزائر في ملف الصحراء. وهذه من الأسباب التي دعت الملك محمد السادس إلى اقتراح مشروع الحكم الذاتي على كل الأطراف أمام هيئة الأمم المتحدة، قصد التكامل والانسجام والتقرب بين دول المغرب العربي لمواجهة مختلف التحديات المفروضة حالياً على الدول وعلى الاقتصاديات الجهوية والتكتلات القارية، لتحقيق حلم شعوب المنطقة التواقة للوحدة منذ خمسينيات القرن الماضي.
وقد أكد المغرب أكثر من مرة أنه سيواصل جهوده الدؤوبة لبلوغ هذا الهدف، سيما وأن اقتراح الحكم الذاتي يطمح ــ من ضمن ما يطمح إليه ــ إلى لَمّ الشمل في أفق مغاربي، وذلك عبر فتح آفاق رحبة للبناء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي؛ وهذا هو أفضل سبيل لتجاوز الخلافات وتقوية سبل التعاون في مختلف المجالات.
لكن، مع الأسف الشديد، إن المخطط العدائي لجنرالات الجزائر وخصوم الوحدة الترابية للمملكة بتجلياته المتعددة، الأمنية والسياسية والحقوقية والدعائية، دخل منحى اللجوء لاستخدام كل الأساليب المغرضة والدنيئة لترويج مغالطات وافتراءات واتهامات في حق المغرب.
فمغربيا تأكد منذ مدة التوجه نحو خيار الإنفراج وتغليب كفة الحل وقد بدا واضحا للعيان أن خيارات بلادنا هي في مجملها تنموية اقتصادية وهي الأولويات التي دفعت بالدبلوماسية المغربية إلى الرهان على أقصى الحلول وكشف الحد الأعلى لما يمكن تقديمه.
أما الثابت جزائريا، فهو أن دعم انفصاليي البوليساريو إضافة إلى ما يمنحه لجنرالات الجزائر من قوة سياسية وأدوات ومصالح مالية هو تعبير عن أطماع انكشف أمرها بجلاء وهي الطريق التي ليس من السهل على جنرالات الجزائر التخلي لأنها قضية حياة أو موت بالنسبة إليهم، هذا علاوة على العقدة التاريخية التي تسكن قادة الجزائر في تدبير علاقاتهم مع بلادنا، لكنهم يغلفون كل هذا بما يُدعى الريادة الجزائرية للقاطرة الإفريقية . فلا يرى جنرالات الجزائر بديلا عن هذا المسار لضمان استمرار مسك زمام الأمور، لذا أنفقوا وما زالوا ينفقون الكثير وجندوا كل آلتهم الدبلوماسية والاستخباراتية لهذه الغاية.
في حين إن جبهة الانفصاليين تجد نفسها أمام خطوط حمراء مرتهنة بالعامل الخارجي والجزائري على وجه التحديد. فالبوليساريو لا تملك القدرة على قبول هذا الحل أو ذاك دون أن يكون ذلك الحل مرضيا للطرف الجزائري، وبالتالي فهي كيان مسلوب الإرادة متى تعلق الأمر بالعلاقات الخارجية نوعا وأسلوبا.. فالأمر يتعلق بوحدة واحدة لا يمكن فصلها ..ولا يجوز، بأي شكل من الأشكال، التسليم باستقلالية القرار داخل البوليساريو لأن جنرالات الجزائر لم ولن يجازفوا بتسليم مصير هذا الملف – ولوبمقدار قيد أنملة- لقيادات مخيمات الحمادة ( تندوف) حرصا منهم على التحكم في كل خيوط القضية وحيطة منهم في عدم انفلات المبادرة والقرار من أيديهم.
وفي هذا السياق يرى محمد الغماري، خبير في الشؤون العسكرية، أنه لا يمكن حاليا انتظار شيئا يذكر من مسلسل المفاوضات بخصوص ملف الصحراء لأنها مجرد تكرار لما مضى، أي السير نحو المزيد من المتاهات والهروب إلى الأمام أحيانا من قبل الانفصاليين كلما طوقتهم الأحداث وانتصرت الموضوعية في ركح المنتظم الدولي، كما أن الشكل الذي تسير عليه تلك المفاوضات يظل دون جدوى، ومهما تتالت جولاتها فلن تغير من جوهر الأمر شيئا. فلكي تكون المفاوضات غير عقيمة يتوجب أن يتوفر الطرف المفاوض على استقلالية ويمتلك القدرة على الاختيار والتقرير، وجبهة البوليساريو تفتقر لكل هذا. لذا اعتبر أن الوقت قد حان لإعادة النظر في الاستراتيجية الشمولية، دبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا وإعلاميا. وعلى الدولة أن تحسب للعوامل الداخلية حسابها لأنها لا يمكنها أن تظل معلقة بالخارج ورهينته، فالعامل الخارجي، في نظره لن يغيّر الوضع بكيفية جدية. إن المطلوب ، أكثر من أي وقت مضى، هو الاستمرار في الاهتمام بالتنمية الداخلية وكأن ملف قضية الصحراء قد طُوي و انتهى، لكن مع أخذ جميع الاحتياطات عسكريا و أمنيا.
وقد سبق لمدير صندوق النقد الدولي السابق، "دومينيك ستراوس خان"، أن اقترح حلاً لفك القطيعة بين البلدين الجارين، حيث قال:
"يجب، بل من الضروري، التقدم على درب السعي للاندماج الاقتصادي كأن لا وجود لأي مشكل سياسي، وبالمقابل يتم الاستمرار في التعاطي مع القضايا السياسية كأن لا وجود لعلاقات أو إشكالات اقتصادية". وفي هذا المضمار، دعا الملاحظون الدوليون والمتتبعون الأجانب للشؤون المغاربية إلى فتح الحدود بين المغرب والجزائر. وقد أكد أكثر من واحد منهم، موضحاً، ربما تكون هذه الخطوة أهم عمل يحسب لعبد العزيز بوتفليقة في أواخر خريف حياته؛ مضيفين أن هناك جملة من التجارب أظهرت أنه يمكن غض الطرف عن المشاكل والمثبطات السياسية وتوظيف الجهود وتكثيفها في تثمين العلاقات الاقتصادية البينية. فهذا، فعلا، ما حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أمريكا الجنوبية، وأيضا بين فرنسا وألمانيا.
التعليقات (0)