لمرات عديدة شددنا على أخذ أسباب حق الكتابة قبل أن تكتب وليس معقولا أن تعلم قبل أن تتعلم...ولذلك فنحن نكتب في موضوعات بسيطة يتعرض للكلام فيها كل الناس ويبدوا آراءهم... لكننا نبتعد دائما عن موضوعات الخلاف والموضوعات المتخصصة ....فإنه ليس من الحكمة أن تعطي أحدا من الناس فرصة أن يتهمك بالغلو أو يصفك بالتسيب ولا بالجهل وهذا يحدث طبعا إذا تعرضت لموضوع لا تستطيع أن تتكلم فيه بعلم ثابت واضح صحيح...ولن يعطيك أحد حق القضاء بين الناس إلا إذا كنت عالما بالقانون والشرع والعرف ولن يسمح لك الناس أن تجري لأحد عملية جراحية دون أن تكون طبيبا ماهرا متمرسا ...وكذلك أيضا من حقك أن تكون مثقفا عندك معلومة صغيرة عن أشياء كثيرة ولكن من المستحيل أن تكون عالما في كل شيء وناقدا لكل شيء ومفكرا في كل المعارف...وليس في العالم من يجيب عن كل الأسئلة ويفتي كلما سئل فيما لا يعلم .....هذا جهل مركب كما قال الشيخ الشعراوي ...إن تعبير (لا أعلم) تعبير مفقود من قاموس العرب ....ليس بالطبع لأنهم يعلمون كل شيء ولكن في الحقيقة لأنهم لا يجيدون شيئا ولا يعلمون علما مدروسا محترما ....إلا القلائل من علماء العرب وهؤلاء يمكنهم قول (لا أعلم) كثيرا لأنهم يحترمون أنفسهم ...ولكن وجود الأعور وسط العميان يشعره بحدة البصر فيعتقد أنه يرى أمامه وخلفه وعلى الجانبين وأعلى وأسفل في نظرة واحدة ويأكل في طبق جاره ويظن أن جاره يأكل في طبقه !! ....لماذا نصاب بمرض الاستعلاء وخاصة في مواقع لا يوجد فيها من نخاف أن يكشف أكاذيبنا وجهلنا؟..... هل يستطيع أحد منا أن يجادل طبيبا إلا إذا كان طبيبا أعلم منه؟.... وهل يستطيع مهندس أن يحاور عالما أزهريا متخصصا قضى خمسين عاما يدرس أصول الدين؟..... نحن لا ندخل في نقاش متعمق في الدين ولا في غيره ما دمنا غير مؤهلين في هذا العلم أو ذاك.... وإذا علم كل إنسان قدره ولم يبد رأيا فيما لا يعلم نجونا جميعا من الجهل ...في سفراتنا إلى بلاد الغرب وجدناهم يستدعون المتخصص في الشيء الذي تسأل عنه فيجيبك بما يفيد ولا يتجرأ أحدهم أن يجيب على سؤال في فرع من العلوم إلا إذا كان على علم تام به وهذا سر نجاحهم ...أما أن تفتي يا صاحبي في كل شيء فأنت تضل وتضل ...وإذا كان الكلام في العقيدة والقرءان فالجريء على الله يتحمل وزر نفسه ووزر من اقتنع بكلامه وحسابه عند الله .... وليس هذا فقط ولكن من يتقول على رسول الله عليه الصلاة والسلام فليتبوأ مقعده من النار ...وأقرأ لمن يسمون أنفسهم كتابا مقالات في أصول الدين وتفسير القرءان وينقلون من بعض الكتب مقالات مجتزأة ويربطون آيات بآيات في غير سياقها ولا تفسيرها الذي يقول به أعلم العلماء ويقطعون القرءان ليأخذوا من آياته مجتزءات حتى يبرهنوا على افتراءاتهم ...(كما أنزلنا على المقتسمين ..الذين جعلوا القرءان عضين.. فوربك لنسألنهم أجمعين.. عما كانوا يعملون.. فاصدع بما تؤمر.. وأعرض عن المشركين.. إنا كفيناك المستهزئين) من 90 إلى 95 سورة الحجر....عضين = مقسما ومقطعا ....فاصدع = إجهر وأعلن...إن أخطر ما يتكلم به الإنسان هو أمر العقيدة والدين.... والذي لا يستطيع أن يستوعب الدين بكلياته وتعريفاته وشرائعه وأحكامه وتفسيراته ويحيط بشيء من الفهم المتعارف عليه والعلوم السائدة الثابتة لا يحق له أن يخوض فيه لأنه عاجز عن مجادلة الذين يجحدون ولا الذين لا يعلمون ...وليتذكر كل كاتب أنه يكتب وربما يقرأ كلامه علماء من الأزهر فإذا علم أنه يستطيع تعليمهم وإلقاء المحاضرات في قاعات الأزهر فليكتب وسوف نقرأ له
التعليقات (0)