مواضيع اليوم

العقل الاستطلاعي

فارس ماجدي

2010-02-06 06:33:17

0

العقل الاستطلاعي الصاعد حاليا هو عقل ما بعد الحداثة إنه عقل جديد ، واسع ينظر من عل الى كل العقول الأخرى بما فيها عقل الحداثة ذاته، وكذلك العقل الإسلامي والمسيحي ... والفلسفي عموما ...الخ. إنه العقل الذي يستطيع أن ينتقد تجربة كل العقول السابقة وينتقد مسار ومنحنى تجربة الحداثة ، إنه عقل المستقبل وقد ابتدأت ملامحه بالكاد ترتسم في أفقنا الإسلامي الأمر الذي يستدعي بلورته وتكريسه من قبل المثقفين الممتازين في هذا العالم ، ذلك أن الدين أو الأديان عامة في عالمنا هذا هي التي صاغة بل وشكلت النسق العام لمسار الفكر وتوجه ومبتغاه.

وقرون ، ولهذا السبب فلا يمكن التعرف على دين ما أو معرفته بدون أن نعبر اللغة أو اللغات التي تجسد فيها ، وبدون أن نعبر الثقافة أو الثقافات التي تجلى فيها طيلة قرون عديدة . وقبل ظهور الحداثة كان هذا العالأديان هي التي كانت تتحكم بإدراك الواقع وتصوره والتعبير عنه بلغة طقسية، شعائرية، فنية مصطلحية مؤسساتية، وهي التي كانت تتحكم بطريقة الانتقال من التصور الى الممارسة، أو من التفكير الى الفعل ، باختصار كانت تتحكم بتوليد ما ندعوه بالنقلة الكيفية للثقافة والحضارة، هذا ما حصل طيلة قرون بور يجد تمامه الذي لا مرجوع عنه في الإعتناق: أي اعتناق دين ما ، لماذا؟ لأن جميع التأويلات التي قدمت عن العالم والإنسان والتاريخ هي مربوطة بالضرورة بالحقيقة العليا المطلقة التي لا حقيقة بعدها. ونقصد بها الحقيقة الوحيدة الضرورية ، التي لا يمكن تجاوزها ، والتي نص عليها الدين الصحيح .
ماذا تقول الحداثة هنا ؟ إنها تعلمنا أن بنية الحقيقة المشكلة والمعاشة على هذا النحو هي دوغمائية، ونقصد بذلك أنها تتركز على معطيات خارجية على العقل النقدي المستقل، وبالتالي فهي بمنأى عنه ولا تقع تحت سلطته ولا تخضع لتفحصه ودراسته، وهذا ما نقصده بالحقيقة الدوغمائية.
وهذا التحديد يدشن أزمة مفهوم الحقيقة ذاتها. ويدشن أيضا نظاما جديدا من الفاعليةالمعرفية. لقد أصبحنا نستشف آفاق المعنى الخاصة لآن بالعقل الأستطلاعي أو العقل المنبثق. فهذا العقل الجديد الذي يتجاوز كل ما سبق يوسع ويعمق في الواقع تلك المعرفية التحريرية التي قادها عقل التنوير في أوروبا منذ القرن الثامن عشر ، إنه ينفصل أو يحدث قطيعة مع المسلمات الوضعية والمواقف الميتافيزيقة التي سادت في المرحلة السابقة والتي لا تزال مستمرة في اقامة التضاد بين العقل العلمي والعقل الديني. ويقبل هذا العقل الاستطلاعي الجديد بممارسة البداغوجيا التربوية الخاصة بذلك التوتر التثقيفي والخصب بين العقل الديني والعقل العلمي التلفزي التكنلوجي والعقل الفلسفي ، أقصد العقل الديني المعاد تنشيطه، من قبل احتكار العنف الشرعي ، هذا الاحتكار الذي انتزعته الدولة الحديثة منه. ثم العقل التلفزي الذي يحدد الأطر الإكراهية الملزمة لكل وجود بشري كما فعل العقل الديني من قبل. ولا يزال يرغب في فعله. ثم العقل الفلسفي الذي يجد هو الآخر أيضا سياقا محبذا لكي يخلع المشروعية على أولويته بالقياس الى العقلين السابقين، من أجل حماية التعددية التأويلية وإغنائها ، ثم من أجل التوجه نحو كل عوالم المعنى المتوافره ، واقتراح مسارات جديدة ممكنة من أجل البحث الذي لا ينتهي عن المعنى.
( ما الذي نقصده بالعقل التلفزي ؟ إنه ذلك العقل الذي يسطر على الحضارة الحديثة مثلما سيطر العقل الديني قديما على الحضارةالسابقة حتى القرن السابع عشر في الغرب ولا يزال يسيطر على العالم الإسلامي حتى هذه اللحظة الراهنة، لقد وصلت أمبريالية هذا العقل التكنلوجي الى حد أنه أراد أن يحذف ليس فقط العقل السائد وإنما العقل الفلسفي ، فالعولمة الكاسحة التي نشهدها لا تؤمن الإ بالمردودية الاقتصادية والفعالية التقنية واكتساح الأسواق العالمية عن طريق الشركات المتعددة الجنسية والوطنية أما مشاكل الوجود والفلسفة فهي أشياء ثانوية لا قيمة لها ).
تقع على العقل الاستطلاعي المنبثق مسؤلية ادارة العنف الملازم حتما لبنى الحقيقة المتعالية والمدافع عنها من قبل المواقع الثلاثة الحاضرة تاريخا للعقل، ونقصد بذلك موقع العقل الديني أو اللاهوتي أو الأخلاقي أو التشريعي ، وموقع العقل العلمي التلفزي التكنلوجي الذي يدير شؤون العولمة، ثم موقع العقل الفلسفي الذي لا يزال متعلقا بمسلمات حداثة العصر الكلاسيكي ، نهدف من كل هذه الملاحظات الى التحذير من الأنحراف نحو تلك المناقشات العقيمة والاستلابية غالبا ، أقصد المناقشات الخاصة بالهويات المسحوقة ، والثقافات المقموعة والعصور الذهبية المنسية بل وحتى التجارب الذاتية للمثقفين المستنيرين. وبما أن تجربتي الخاصة في الأردن عندما رحت أقوم بتلك المجابهة الحادة والعنيفة مع طبقة رجال الدين التي دفعت ثمنها غاليا، علمتني كثيرا فإني لا أقول بأن النضالات المقموعة ينبغي أن تنكر أو تتجاهل، وإنما أقول بأن على أولئك الذين يقودونها أن يستهدوفوا من خلال مشروعهم آفاق المعنى التي أخذ يبديها العقل الاستطلاعي الجديد.
لنأخذ مشكلة العلمنة والاسلام كيف يمكن أن نفكر بها من خلال هذا العقل ولنلحظ حجم الهوة المعرفية التي ننساق إليها وكيف تنفتح الآفاق الجديدة للتفكير في ما لم يفكر به من قبل .
لنأخذ مشكلة تاريخية المدونية الرسمية للإسلام كيف تموضعت معرفيا في الزاوية البشرية ، وكيف انهارت تماما فكرة التعالي التي هيمنت ولا تزال على كافة العقول اليوم.
لنأخذ مشكلة النزعة الإنسانية وتغيبها في الفكر والتاريخ .
لنأخذ مشكلة الهيبة والنزعة التقديسية التصورية للتراث الحي كيف راح يدمرها هذا العقل الجديد .
وكذلك مشكلة انبثاق المفاهيم وتبنها والدفاع المستميت عنها .
ثم كيف يتم أشكلة المفاهيم المتعلقة بالقيم والأخلاق . والزمن والمحسوس ، والحقيقة وتاريخ الحقيقة ، والوجود النسبي والمطلق الى غير ذلك من المفاهيم واقيم والأفكار التي لا يمكن حصرها .


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !