العفر أكراد القرن الإفريقي !
بقلم : إدريس حسن يعيدي
منذ منتصف القرن الماضي طالعتنا كتابات أكاديمية ومقالات صحفية تصف القومية العفرية في القرن الإفريقي بأنها أكراد القرن القرن الإفريقي وأنا أتساءل من جانبي ما مصداقية هذا التوصيف ؟ وهل يقوم بمقاربات حقيقية ومعطيات واقعية يمكن أن أستطيع إبرازه وإظهاره علي شكل مقارنات حقيقية يفهمها قُرّاء مقالي؟ لكي أُجِيب إِجِابَة وَافية ومُقنعة علي هذين السؤالين الموطرحين أولاً يجب أن أقوم ببحث الأوصاف والخصائص التي جعلت الكُتّاب والصحفيين يعنونون مقالاتهم وكتاباتهم عن العفر بأنها أكراد القرن الافريقي وحتى تكون إجاباتي مقنعة وقائمة علي الإستنتاجات الملموسة أضفت علي معرفتي العميقة بأحوال وأوضاع العفر بقراءة عن الأكراد ومحاولت الفهم عن متغيراتهم ودينموالإجتماعي لديهم وأسلوب تعاطيهم مع تلك المتغيرات ثم قمت مقارنتها بالحالة العفرية لكي أبرز لكم جميعاً وجه الشبه بين الأكراد والعفر حتى تتبين لكم درجة صدقية هذا التوصيف وصحة مقارباته بالواقع .
حيث تبين لي بعد القراءة والبحث أن نموذج الأكراد أقرب وأصدق نموذج علي العفر رغم أن الكُتَّاب الذين أطلقوا علي العفر هذا التوصيف كان يغلب عليهم تركيز علي الجانب السياسي لكن في إعتقادي يصدق هذا التوصيف أيضا علي الجوانب الإجتماعية والثقافية واالأيدولوجية بدرجات متفاوتة وإنْ كان الجانب السياسي أوضح .
ويبدو لي كما قلت في السابق أن هذه المقاربات لم تأتي من فراغ إنما تستند علي معطيات حقيقية وحيثيات واقعية سأقوم إجمالها في خمسة حيثية رئيسية تسهيلاً علي القارئ وهي :-
أولاً : من حيث ما تعرضوا له من التقطيع والتقسيم الي كنتونات وجيوب في داخل الدول المجاورة علي حسب مصالح ورغبات المستعمرين كما جرى للأكراد وأيضاً جرى للعفر لأن العفر تم تقطيعهم الي ثلاثة أشلاء وفق ما تقتضيه مصالح المستعمرين دون أي إعتبار للشعب العفري الذي قُطع جَسدها وفُرقت وَحدتها وشُتت شملها الي أثلاثة أجزاء غير متساوية والجزء الأول : إقتطعه إستعمار الفرنسي الذي يسمى اليوم جمهورية جيبوتي حيث تبلغ مساحة جيبوتي الحالية 23 الف كم و 20 الف كم منها ملك تاريخي للسلطنات العفرية التي كانت سائدة فترات طويلة في تلك المنطقة وكانت جزء لا يتجزأ من بلاد العفر حيث كانت فيها سلطنتين وجزء كبير من السلطة الثالثة والسلطنة الاولى هي سلطنة تاجورة العفرية المعروفة اليوم بمحافظة تاجورة بما فيها عرتا ومدينة جيبوتي وما حولها والسلطنة الثانية هي سلطنة جوبعد العفرية وتُعرف اليوم بمحافظة دخل بما فيها اراضي شاسعة في تلك المناطق والجزء الكبير من سلطنة رحيتا العفرية الواقعة عاصمتعا اليوم في ارتريا لكن جزئها الكبير المعروف اليوم بمحافظة أبخ (حيو) و هناك جزء جزء بسيط من سلطنة أوسا العفرية عند حدود سلطنة جوبعد مع سلطنة اوسا في الأطراف .
وقد إقْتَطَع الإستعمار الإيطالي الشريط الساحلي المشرف علي مضيق باب المندب الإستراتيجي الذي يبلغ أكثر من 800 كم الممتد من مصوع الي رأس دميرا التي كانت تفصل بين الإستعمارالإيطالي والإستعمار الفرنسي وهي المعروفة اليوم بالحدود الارترية الجيبوتية وهذا الشريط الساحلي اليوم يسمى دنكاليا يعتبر أحد الأقاليم الإرترية المهمة جداً بإعتباره يملك أكثر من 800 كم2 من أصل 1100 كم الذي تملكه إرتريا عن الساحل البحري وبالتالي يملك هذا الإقليم العفري الموجود في إرتريا مواني الرئيسية التي تعتبر منفذ رئيسي للحبشة علي البحر وكل الجزر الاستراتيجية سواء كانت في عرض البحر بقرب الملاحة الدولية أو علي الساحل بقرب مضيق باب المندب وأهمها جزر دهلك وفاطمة وحالب المطلة علي مضيق باب .
وبقي الجزء الأكبر من بلاد العفر تحت نفوذ هيلي سلاسي منذ 1944م حنيما إجتاح هيلي سلاسي سلطنة أوسا العفرية وهي كُبرى السلطنات العفرية ومقر حَاكم عموم العفر وإستطاع هيلي سلاسي السيطرة عليه عام 1944م ثم رسم سياساته التي ترمي بحصار العفر عن العالم الخارجي ثم قسم هذا الجزء الي خمسة أقسام إمعاناً في التفريق والتشتيت للعفر علي مبدأ تجزئة المجزء وتشتيت المشتت أكثر فأكثر وقد ألحق كل إقليم الي أحد الأقاليم الحبشة التاريخية المعروفة كإقليم تجراي وإقليم شوا وإقليم وللو .. وغيره حتى يعيش العفر أقلية بسيطة في كل إقليم وكان هيلي سلاسي يُخطط لتفادي توحدهم وفي نفس الوقت يريد الذوبان والتلاشي بصورة نهائية منهم حتى لا يشكلوا أي خطر محتمل في المستقبل بهذه الطريقة أصبحت العفر في القرن الافريقي قومية متفرقة موزعة بين الامم والقوميات القاطنة في القرن الافريقي لكي يتحولوا الي أقلية في داخل كل دولة وقد تححق ما أراد المسعمرون .
ثانياً : من حيث تشابه الأكراد والعفر في الشعور القومي العميق وتميزهما الثقافي والإجتماعي الشديد وتجانسهما العرقي والديني والثقافي والاجتماعي واللغوي الرهيب وفي نفس الوقت مقاومتهما الذاتية اللامتناهية للإنصهار والذوبان في الثقافات والمجتمعات الأخرى المحيطة بهما .
ثالثاً : من حيث مقاومة الأكراد والعفر واقع التقسيم والظلم والتهميش الذي فرضه عليهم الإستعمار بكل الوسائل ومنهاوسائل النضالات المسلحة المريرة التي خاضه العفر في القرن الافريقي وبروز جبهات وحركات وثورات قومية كماهي فعل الأكراد .
رابعاً : من حيث تكالب الأنظمة الحاكمة ضدهم ورميهم في قوس واحد بإعبتارهم عدو إستراتيجي مشترك يهدد أمنهم القومي وفي نفس الوقت إستخذامهم كأوراق للضغط والمساومة علي بعضهم حينما تتضارب مصالهم كما جرى للأكراد في مختلف الأزمة وأيضاً جرى ويجري الي الآن بشكل روتيني للعفر في القرن الإفريقي بصورة بشعة في الظلام بعيداً عن ضجيج الإعلام ومنذ أن تم تقسيمهم الي ثلاثة دول سيتم إستهدافهم ورميهم بقوس واحد وقتلهم وتدميرهم وطحنهم تحت أقدام آلتهم العسكرية ومحاصرتهم عن الإعلام الخارجي ومنذ سنوات طويلة يتم تصفية ومحاربتهم في جو خالي عن المنقصات وضجيج الإعلام الذي يعكر صفوهم .
خامساً : من حيث الحنين والشوق الي الوحدة ولمِّ الشمل الذي يسيطر علي شعور وأدْمغة الأكراد والعفر وهذا الشعور في منظوري هو الذي أطاح للنخب السياسية المتآمرة ضد العفر والأنظمة العنصرية القائمة في القرن الافريقي بتمرير سخافاتهم وإتهاماتهم ضد العفر مثلاً بوصف العفر بعدم الوطنية وقولهم أن العفر يفضلون الإنتماء الي قوميتهم أكثر من الإنتماء لدولهم.
لذلك تلك الأنظمة ونُخبها السياسية والثقافية قد دخلت في نوايا وقلوب العفر وساقت عليهم أحكام مسبقة علي هواهم ورغباتهم وأذواقهم بغض النظر عن نوايا الحقيقية عن العفر .
وهاؤلاء دائماً شغلهم الشاغل تمييع قضيايا العفر وإثارة القلاقل والفتن ضدهم بأساليب إعلامية وسياسات تدعو الي تأليب وعسكرة القوميات وشعوب القرن الافريقي ضد العفر حتى الآن إستطاعوا الي خلق مناخ متوجس يملأها الحذر والريبة من أي تحركات ونشاطات عفرية ولو كانت عادلة او بريئة او عفوية ...
yaqiidi@yahoo.com
التعليقات (0)