العشائر الفلسطينية وعشيرة بني اسرائيل
في تناول سابق لنا تحت عنوان (قضية فلسطين بين القومية والدين) تحدثنا عن عشائر قبيلة عنزة الحجازية التي نزحت شمالا قبل نحو قرنين من الزمان، وغزت بلاد الشام واستقر خلق كثير من أبناءها في فلسطين (ارض اسرائيل) لتصبح اليوم عشائرا فلسطينية بامتياز! وجزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني؟!
شعب فلسطيني ام قبائل عربية !؟
وسعيا منا لاستقصاء مقومات وركائز القومية الفلسطينية المزعومة، نتناول هذه المرة بعض الشرائح الأخرى التي تشكل اليوم جزءا من الشعب الفلسطيني:
تتفق أكثر الروايات على أن عشيرة الفريحات تلتقي مع آل ارشيد وعائلة آل دروزه وعشيرة المقدادية " آلمقداد " وعائلة الشرابي في الإنتساب إلى قبيلة طيء القحطانية، والأرجح أن " آل ارشيد " بدأ إستقرارهم في فلسطين (ارض اسرائيل) قبل حوالي "300" عام عندما إرتحل شقيقان من آل المقداد من حوران إلى الكورة شمال الأردن ونزلا في قرية بيت إيدس، ولما تكاثر أبنائهما تفرقوا فخرج قسم منهم إلى قرية صير في منطقة جنين ومن أعقاب هؤلاء تشكلت عشيرة آل إرشيد، وخرج قسم آخر إلى قرية حمامة القريبة من غزة، وقد نقل هذه الرواية فريدريك.ج.بيك في كتابه تاريخ شرقي الأردن وقبائلها.
وتقول رواية أخرى أن عشائر الفريحات وآل دروزة والمقدادية وآل إرشيد والشرابي ينحدرون من قبيلة الضغيم من قبيلة زبيد اليمينية من قبيلة طيء القحطانية، وقد أورد هذه الرواية المؤرخ إحسان النمر في كتابه تاريخ جبل نابلس والبلقاء في سياق حديثه عن عشيرة آل إرشيد التي تحدث عنها تحت إسم الرشيدات ووصفها بأنها من أقدم العشائر ذات الجذور اليمنية في جبل نابلس وبأنهم كانوا شيوخ بلاد حارثه.
وتقول رواية عشيرة المقدادية " آل مقداد " التي تشكلت من اعقاب بعض أبنائها عشيرة الفريحات ودروزه وآل إرشيد إنها تنتسب إلى قبيلة بني جرم بن طيء، وأن أحد أبناء بني جرم ملحم المقداد قدم من الحجاز قبل حوالي 300 عام.
ويورد كتاب " قاموس العشائر في الأردن وفلسطين إسم عشيرة فلسطينية مسلمة تحمل إسم إرشيد يسكنون في جنين وصير وتلفيت وصانور والكفير،ويذكر انهم يعودون بأصولهم إلى آل المقداد " المقدادية في حوران " كما يورد اسم عشيرة فلسطينية مسيحيه تحمل إسم إرشيد في شفاعمرو ولهم أقارب في الناصرة وطبريا وحيفا .
ويورد كتاب " معجم العشائر الفلسطينية " أسماء 10 عشائر وعائلات فلسطينية تحمل إسم إرشيد، وتتوزع على دبورية وترشيحا وأريحا والناصرة والرامه وسالم وجنين وصير والعباسية وغزة ومخيم البريج.
(فتوحات) آل فريحات والأقتتال بين القبائل
والجد الاكبر لعشيرة الفريحات "فريح" من قبيلة اللهيب اليمنية والذي خرج هو واخواه فرح ومقداد من اليمن ابان الحكم العثماني، هربا من الالتحاق بالجيش العثماني، ونزلوا بجوار سيل الزرقاء ومن ثم تفرقوا فذهب فرح الى فاره بسوريا ورحل مقداد وهو جد المقداديين الى بصرى اسكي شام. اما فريح فقد اقام في خربة الوهادنه التي كانت مركزا للشيخ حمد جد حمولة الخطاطبة.
وحدث في ذلك الزمن ان قدم الى عجلون الشيخ سعيفان زعيم عرب المشالخة وحكمها حكما اقطاعيا فاضطهد اهلها وسامهم ضروب العذاب فهب فريح على رأس الخطاطبة للانتقام من المشالخة وما زال بهم حتى أخرجهم من عجلون فكانت هذه الحادثة ابتداء أمر فريح والحجر الاساسي لزعامة أبنائه من بعده في قضاء عجلون.
تزوج فريح من ابنة الشيخ حمد وبذلك قوي نفوذه وكبر شأنه فخرج عليه صخور الغور (عرب بني صخر) وقتلوه حوالي عام 1600م ومع ذلك بقيت الزعامة محصوره في أعقابه من بعده الى ان وصلت الى احد أحفاده وهو يوسف البركات في عام 1761م.
افتتح يوسف عهده باغتصاب أراضي كفرنجه التي كانت ملكا لاهل عنجره ثم حصل على أمر من والي دمشق يقضي بتعيينه شيخ مشايخ جبل عجلون فأثار ذلك حسد الشريده فكادوا له وقتلوه وخلفه في الزعامه اخوه كايد وفي ايامه اضطربت الاحوال في عجلون من جراء تنازع الفريحات والشريده على زعامتها فاضطر والي دمشق الى إرسال قوة من الجند والقضاء على هذه الفوضى. قبض على كايد و أودع السجن ومن ثم أعدم في قرية سوف.
خلف كايد ابن اخيه بركات الذي بفضل دهائه عزز جانبه بحلف عقده مع العدوان الذين كانوا قد التجأوا في ذلك الحين الى عجلون بعد خروجهم من البلقاء ثم جرد حملة سار بها الى نابلس لمؤازرة آل عبد الهادي ضد اعدائهم آل الجرار الذين انكسروا في واقعة صانور ورجع الفريحات بالغنائم وحوالي عام 1825 أغار العدوان و الفريحات على بني صخر واخرجوهم من جبل عجلون..
و بعد ان ثبتت قدم الحكومة العثمانية في عجلون قضي على الزعامات ولكن بقي الفريحات معترف بهم كزعماء لناحية جبل عجلون ولا يزال الفريحات يقطنون كفرنجة وسكن الكثير منهم في راجب وفي الحسينيات و الجزازة ونجدة في جرش.
ملاحظة: كتاب " تاريخ شرقي الاردن و قبائلها"من تأليف الفريق فريدريك.ج.بيك عام 1934م و قد كان مؤلفا نزيها يتوخى الحقائق التاريخية و يمحصها بعيدا عن التغرض والعصبية وهذا الكتاب مترجم من قبل بهاءالدين طوقان.
الخلاصة، ان ما يطلق عليه اليوم (الشعب الفلسطيني) يتشكل بغالبيته من أعقاب قبائل وعشائر عربية يمنية وحجازية دخلت أرض اسرائيل (فلسطين) وبلاد الشام والعراق غازية، وتنازعت فيما بينها على الرياسة والارض والحكم والغنائم، وشكلت فيما بينها تحالفات، ولم تتوانى عن الغزو والإغارة على بعضها البعض لتحقيق مكاسب لا شأن لها لا بالعروبة ولا بالاسلام ولا بفلسطين... وبقي في ارض اسرائيل أشتات من أعقاب هذه القبائل، ولم تملك هذه القبائل اي حس وطني او قومي.
وتغير هذا الوضع بعد قيام الحركة الصهيونية وبدء نشاطها في ارض اسرائيل، فكان رد فعل هذه القبائل العربية فطريا ليتحالف بعضها حول فكرة معاداة ومناهضة الحركة الصهيونية، وأسهم في ذلك ترسيم الحدود من قبل بريطانيا وفرنسا، وصار يُطلق على أشتات القبائل التي أصبحت داخل (فلسطين البريطانية) اسم (فلسطينيين)، ولم يتنامى الحس الوطني لدى (الفلسطينيين) الا بعد احتدام الصراع بين العرب واليهود على ارض اسرائيل الذي أفرز أساطيرا من قبيل (اسطورة دير ياسين)، كما أفرز قضية اللاجئين، لتتبلور نهائيا فكرة (الشعب الفلسطيني)...
عشيرة بني اسرائيل
وبخلاف العشائر العربية التي وفدت الى فلسطين (ارض اسرائيل) من أصقاع العالم العربي، نرى ان (عشيرة بني اسرائيل) هي عشيرة واحدة حضاريا وثقافيا ونسبا وديانة ولغة، وتنحدر كلها من سلالة واحدة، ويرتبط جميع أبناءها بهذه الارض الطاهرة (ارض اسرائيل) ارتباطا تاريخيا وعقديا، ولم يدخلوا هذه الارض غزاة بل التحموا فيها مع إخوانهم الذين لم يبرحوها طوال الدهر، ولم يظاهروا أحدا على عرب ارض اسرائيل ولم يبادروا بالعداوة بل عاشوا معهم جنبا الى جنب. وبخلاف العشائر العربية التي دخلت هذه الارض طلبا للتوسع وابتغاء للرزق والملك والسيطرة، فقد نشأ اليهود (بنو اسرائيل) في هذه الارض منذ فجر التاريخ، وبها قامت لهم ممالك، وبهذه الارض نشأت أعيادهم، ومقدساتهم، وتراثهم، وموروثهم الحضاري والديني والثقافي، وظلت ارض اسرائيل قبلة اليهود في حلّهم وترحالهم، ومرتع أنبياءهم، ومهبط الوحي، وتحتضن ارض اسرائيل المدن اليهودية المقدسة ـ القدس وصفد وطبريا والخليل، وما صهيون الا اسما مرادفا للقدس وارض اسرائيل، وفي هذه الارض سطر أنبياء اليهود وعلماءهم كتبا ومراجع دينية وحضارية ظلت منارة ونورا وهدى لبني اسرائيل وللأمم من بعدهم...
التعليقات (0)