العنوان الرئيسى لصحيفة الأهرام المصرية الصادرة اليوم يلفت النظر بشدة . يقول العنوان - التمويل الأمريكى يستهدف نشر الفوضى فى مصر - ثم يأتى العنوان الثانى على لسان وزيرة التعاون الدولى بالنص التالى -واشنطن سعت لاحتواء ثورة يناير فى اتجاه المصالح الأمريكية والاسرائيلية - . معروف أن صحيفة الأهرام تعبر عن وجهة نظر من يحكم مصر أيا كان , وواضح أنها لم تنشر هذا العنوان إلا بأمر أو إذن المجلس العسكرى . اللافت للنظر أننى لم أقرأ عنوانا بهذه الحدة ضد أمريكا وسياستها فى المنطقة منذ الستينات , فما تعليل هذا الأمر ؟ إننى أعتقد أن أمريكا لا مصلحة لها فى نشر الفوضى فى مصر , هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى فإن إسرائيل يهمها استقرار الحكم فى مصر خاصة وأن بيان المجلس العسكرى الأول قد نص على احترام المجلس لكل الاتفاقيات الدولية والاقليمية , ما هو الأمر إذن ؟ واضح أن المجلس يعانى من ورطة سياسية ومأزق وطنى , وأنه يتحمل مسئولية قتل كثير من المتظاهرين فى كثير من المواقع , كما يتحدث الكثيرون عن مسئوليته عن مذبحة بور سعيد متسائلين كيف يقوم الجيش بتأمين صناديق الانتخابات فى كل اللجان دون أن يفعل نفس الشىء فى مباراة معلوم سلفا حساسيتها والاحتقان الموجود قبلها ؟ وأظن أن المجلس قد قرأ المشهد يوم 25 يناير الماضى حينما خرجت حشود من الشباب الثائر فى معظم ميادين مصر خاصة ميدان التحرير , وهتفوا ضد العسكر وضد الخروج الآمن لهم وأوصلوا رسالة هامة فحواها أن التيار الدينى لن يقرر الأمر وحده وهو ما راهن عليه العسكر منذ البداية . هنا كان لا بد من مداعبة الجماهير بشعار الوطنية التى يحافظ عليها الجيش وذلك عن طريق استدعاء العدو القديم , العدو الذى تاجر عبد الناصر بعداوته كى يجمع حوله الحشود الهادرة والتى اعتبرته منقذها ومحررها من هذا العدو , ومع أن هذا زمن قد انقضى وتلك لعبة لم تعد تنطلى إلا على بسطاء الناس من ناحية على أسرى نظرية المؤامرة وهم كثر للأسف الشديد . ثم إن المجلس العسكرى لا يخشى رد فعل أمريكى على هذه الهجمة الإعلامية الشرسة , فما أسهل القول فى حجرات المباحثات المغلقة بأن هذا كلام جرائد , نعم هذا كلام موجه للداخل لا للخارج كلام يستهدف تشويه القوى الوطنية والثورية التى يرجع لها الفضل الأول فى إشعال الثورة تلك الثورة التى يتكالب ضدها كل أصحاب المصالح والمزايا وكل الغانمين فى التركة , وفى سبيل الإجهاض على هذه الثورة يستدعى العسكر صورة العدو القديم ليرهبوا به جموع الشعب كى يقف بجوارهم كتلة صلبة ضد الثوار المنادين بالحرية والكرامة والقصاص من كل القتل أيا كانت مواقعهم
التعليقات (0)