لأن المجلس العسكرى الحاكم فى مصر يعلم جيدا مقدار ما اقترفه فى حق الثوار من تنكيل , ويعى صعوبة التملص من مسئوليته عن المذابح التى حدثت فى ظل حكمه غير الرشيد , ولأنه من البدايى لا يريد لما حدث يوم 25 يناير إن يكون ثورة بمعنى التغيير الشامل لمنظومة العلاقات الاجتماعية وللمزايا الطبقية غير المسبوقة فى تاريخ الوطن , ولأنه تعرض لضغوط شجاعة من شباب الثورة ومن التيار الليبرالى الحر , ولأنه وجد أن أنصاره الذين لم يخرجوا فى المظاهرات فى البداية وبعضهم حرم الخروج على الحاكم وجد أن وجود هؤلاء كأغلبية فى البرلمان لن يستطيع أن يسكت غضب الجماهير خاصة بعد مذبحة بزو سعيد المريبة , فى هذه الورطة كان لابد من مخرج يجمل وجه العسكر ويلبسهم ثياب الوطنية , ووجدوا هذا المخرج فى اللعب بعطفة كراهية أمريكا التى نبتت فى الوجدان المصرى مروية من رافدين - الرافد الأول هو الفكرة القومية التى تبناها عبد الناصر وجعل من عداء أمريكا مروجا لها وداعما لمقومات زعامته الرافد الثانى هو الفكر الإسلامى المتطرف والرافض لحضارة الغرب التى تقودها أمريكا . هنا استدعى العسكر عاطفة الكراهية وتحدثوا عن مؤامرة أمريكا وضغطها على السيادة المصرية بسبب المعونة التى تقدمها منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل ونشطت حركة تبرعات مالية لدعم الإقتصاد المصرى ليستغنى عن هذه المعونة , وتم استدعاء العاطفة الدينية ممثلة فى الشيخ محمد حسان ليقود حملة التبرعات . هنا لا بد منطرح عدة أسئلة 1 ماذا سيفعل العسكر بشأن صفقات السلاح وهم أول من يعى أن الجيش المصرى معتمد أساسا فى تسليحه على أمريكا , وهل سيقومون بإلغاء التدريبات الدورية العسكرية مع الجيش الأمريكى ؟ 2 عل ستقاطع مصر واردات القمح الأمركى فى الوقت الذى تعانى منه من أزمة طاحنة وفى المخزون الاستراتيجى من هذه السلعة ؟ 3 هل سيقومون بوقف أوجه التعاون العلمى والتقنى مع الإدارة الأمريكية , وهل ستتوقف رحلات كبارهم إلى هناك للعلاج والتنزه ؟ , الأهم من ذلك هل ستقوم الحكومة المصرية المنبثقة عن البرلمان ذى الأغلبية الإسلاميىة بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل ,وهل هم مستعدون لتحمل نتائج ذلك ؟ أم هم يرون أن الشعب الذى عبئوه بهذه الكراهية سيقبل بأية نتائج وسيخرج للهتاف لقادته مهما تعرض له من كوارث ونكبات كما حدث بعد هزيمة 67 .؟ أعتقد أن ما حدث حينها غير قابل للتكرار وأنه على القادة الجدد ألا يعولوا على ثقافة الكراهية , وأن يدركوا أن حملة التبرعات الخيرية لا تنقذ اقتصاد أمة , وإنما ينقذها فقط حكم عادل يسقط المزايا الطبقية ويحاسب المسئولين عن سفك دماء أبنائه وينشر قيم المواطنة والمساواة بين الجميع , وحينها فقط سينطلق الشعب يعمل وينتج ويبدع فى ثقة مما يضع مصر فى مكانها اللائق بين شعوب الأرض دون حاجة إلى معونة من الخارج أو تبرعات من الداخل أو بعث لتراث الكراهية
التعليقات (0)