أوسلو في 4 يوليو 2009
كلما زادتْ السلـطة في قمعِها للرجلِ، وجَدَ مُتنفسَه في قهرِ المرأةِ!
والمرأة العصرية بقدْر ما حققتْ من نجاحات في حركاتِ التحرر، ووصلت إلىَ أعلىَ المناصب في الدفاع والداخلية والاستخبارات والدبلوماسية والقضاء وعُضوية محكمة العدْل الدولية والأمم المتحدة، إلا أنها في حقيقة الأمر لا تزال مثل العروسة باربي» يُحَدّد لها مالكوها ملابسَها، قِصَراً وطولا وعرضاً وقِماشاً و .. ألواناً!
لدىَ الحديثِ عن المرأةِ يحصل نصفُ العقل على عُطلة، ولكنَّ بعضَ النساءِ يُفَضّلن اعطاءَ العقلِ كله عطلة كاملة .. مدفوعة الأجر!
الدينُ قد يكون حالةً من الوعي الكامل، واليقظة، والمنطق، والذكاء، والعلم، فيكتب قاسم أمين"المصريون" وهو من أروع كُتبه في الدفاع عن قِيَم الاسلام الحنيف، ويفسر الأستاذ الإمام محمد عبده آيات الذِكر الحكيم، ثم يُصدر فتاواه فتبدو كأنها والعقل توأمان لا ينفصلان.
وتقرأ للشيخ محمود شلتوت ومالك بن نبي ومحمد أسد وروجيه جارودي ومراد هوفمان وفانساي مونتاي والدكتور أحمد صبحي منصور فلا يخالجك أدنى شك في أن الإسلام رسالة سماوية و .. وماينطق عن الهوى.
والدينُ قد يكون حالةَ تخدير، وبانجو مقدس، وتصادماً مع المنطق، وتهكماً على العقل، ودعماً للطغاة، وحارساً لزنزانات يقبع فيها عشاقُ الحرية، وهنا يأتي دور أدعياء حراسة العفة، وهم الخصوم الحقيقيون للمرأة الحرة وأعداء انسانيتها، فيقومون بنفس عملية وأد الأنثى ولكن بطريقة مختلفة!
تغطية وجهِ المرأة يمثل أوضحَ عمليةِ استغفال واستحمار لحوّاء الجديدة، واستهزاء بانسانيتها، وتحريف لآيات الله البينات في عمليات تأويلٍ لا تختلف كثيراً عن تزييف المُقَدّس، وتزوير كلام الله.
لستُ هنا بصَدَدِ الاستشهاد بالآيات التي تؤيد أو تعارض من منطلق الفهم الصحيح أو السقيم للمُفسّر، فالشيطان يستطيع أنْ يستشهد بالآيات البيّنات في كل الكتب المقدسة والوضعية ، السماوية والأرضية، فتعفو وتصفح.. أو تقتل وتُنَكّل، ويمكنك أنْ تقارع الطاغيةَ باسم الدين، وتُعطيه قفاك ليسلخه باسم الدين أيضا و .. طاعة ولي الأمر!
يمكنك أنْ تحب اللهَ وتعْبُده وتستخرج من كتابه العزيز الخيّرَ والتسامحَ والجمالَ والحبَّ والحرية والمساواةَ والعدل، وبامكانك أنْ تبحث في نفسك عما تظن أنه تفسيرٌ لكلام الله، وستعثر على العنصرية والعصبية والقتل والذبح والظلم والطائفية والكراهية والاستعلاء، وتتقرب إلى الله بتفجير نفسك في روضة للأطفال!
تقرأ هذا المقالَ فتهتف باسم تكريم المرأة واحترامها وتقديرها في كشف وجهها، أو تلوّح بقبضتك لكاتبه، وتهدد، وتتوعد، وتستدعي من قاموس شتائم المهووسين الجدد ما تنفجر منه حروف الضاد حزنا وكمدا!
يمكنك أنْ تتنفس شجاعةً من الدين، وأنْ تركن إلى الجُبن وفقا لتفسيراتٍ استمعت خلالها إلى نداءِ العقل أو .. صوت الغباء!
عشرات من ضيوف الفضائيات يُطلّون على ملايين المشاهدين وقد نزعوا رؤوسَهم، ووضعوا بدلا منها صناديقَ متحجرة مضت عليها قرونٌ طويلة، ومع ذلك فإنَّ أتباعَهم ومريديهم يتضاعفون في كل مكان!
لو وقف طبيبٌ صيدلي على قارعة طريق يُرَوّج لدواءٍ جديدٍ انتجته أشهر شركة دواء سويسرية بعد تجاربَ واختباراتٍ لسنواتٍ طويلة، ووقف بالقرب منه دجــالٌ مُشَعْوّذ يبيع أعشاباً مسمومة وملوَثة يقول عنها أنها تؤدي نفسَ المهمةِ العلاجية، فإنَّ الناسَ ستتدافع لشراء الأعشاب الملوثة، وربما ينظرون إلى الطبيب الصيدلي باحتقارٍ وازدراءٍ متهكمين عليه، وأكثرهم سيطلبون من الدجال أنْ يمنحهم أيضا بركاته ودعاءه!
تغطية وجهِ المرأةِ هو الاستحمار الذكوري للمرأة المسلمة لأنه يُلغي وسيلةَ ايصالِ كل مشاعر الأنثى التي خلقها ربُّ العزة، وجمعها في الوجه فتُعَبّر في أي مناسبة عما يجيش داخلها من محبة وطيبة وكراهية واحتقار وغضب وحزن وأنفة وكبرياء وسذاجة وغباء وذكاء ومقاومة وإيمان وكفر وتكذيب وتصديق واستعلاء واستنكار وبهجة وفرح وتعاسة وبؤس وشقاء وشبع وحرمان ......الخ
الوجه جعله خالقُ الكون العظيم مرآة لما يعتلج داخل النفس، ففيه حمرة الخجل، واصفرار المرض، ولون الصحة النفسية، وجعل، جَلّ شأنه، سيمانا في وجوهنا، وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف، لا ليختفي نصفنا من النصف الآخر.
هل هناك أسهل وأيسر من أن تنزل آية كريمة، واضحة لا لبَس فيها ولا تحتاج لقوّلَيّن أو أكثر ، فيقول لنا العزيز الوهاب بأن على المرأة المسلمة أن تغطي وجهها كله، بدلا من قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، فيأتي أمر الله مباشرة، حاسما وقاطعا الطريق على أي تأويل إلى يوم القيامة، تماما كما حرّم الخمرَ ولحمَ الخِنزير وشهادة الزور وقتل النفس بغير حق؟
قضينا طفولتنا وشبابنا، والجسدُ يثور، ويهيج، وتتفاعل داخله معالمُ البلوغ والمراهَقة، وشاهدنا وجوه قريباتنا، وجاراتنا، وزميلاتنا، ومذيعات التلفزيون، واينما ولّينا وجوهَنا أبصرنا وجوهاً لا تستقيم الحياة الطبيعية بغير الاتصال بها، زمالة وقرابة وصداقات عائلية، ولم نعرف أو نسمع أن حالة من التهيّج والانتصاب والرغبة الجامحة كانت ملازمة لنا ليلا ونهاراً حيث لم تخل لحظة واحدة من وجه امرأة!
ثم جاء المسعورون الجدد، أصحاب التديّن الجنسي والتفسير البورنوجرافي فقتلونا بهوسهم، وذبحونا بضلالهم، وجعلوا الدين كلَّه رسالة سماوية نزلت على الرجل لتُحَذره من الفتنة، وتحميه من نصفه الآخر وشريكته في خلافة الأرض، وتربط أسفله بوجه المرأة!
طبيبة تسأل شيخا عن مدى غضب الله عليها لأنها قامت بتوسعة فتحتي العينين في نقابها، وهي ترتدي نظارة طبية سميكة، وتعوق الفتحتان الضيقتان بصرَها لدى كشفها على المرضى!
لم ينفعها العلمُ والطبُ والتقدم والايمان برحمة الله والفكر والعقل فأهالت على كل ذلك الترابَ، واستبدلت برأسِها رأسَ مومياء تحنطت لآلاف الأعوام!
هذه الطبيبة الموميائية لا تختلف عن أي فتاة قررت بمحض ارادتها أن تستجيب لحراس الفضيلة الجدد الذين يعرفون تماما أن الغرض من حملتهم الحمقاء لفرض ثقافة الوأد الجديدة هو نشر الرذيلة، وأن يختلط الخير بالشر، ويتمكن الرجل من الخيانة الزوجية دون أن يعرف أحد هوية التي تسير بجانبه، وهو أيضا سيغض الطرف عن نشر الفساد في ربوع الدولة.
عندما يقيم رجل متنقب ثلاثة ايام وثلاث ليال في بيت رجل صالح يظن أن الخيانة لن تقترب من أسرته، وتقول له زوجته بأن صديقتها المتنقبة لديها مشاكل عائلية، وهي لا تكشف وجهها لأجنبي ولا يسمع صوتَها غيرُ مَحْرَم، فإنَّ الاستحمارَ هنا يمتد من بيت الرجل الطيب إلى الدولة كلها، ويكون المسعورون الجدد قد ختموا أقفيتنا بالبلاهة والغباء!
أنا أعلم أن الحديث بصراحة وشفافية عن هذا الموضوع يثير غضب ونقمة المسعورين الجدد، فهم، عن وعي أو غير قصد، يقومون بنشر الخيانة والفساد والارهاب والتحرش الجنسي.
جاء الإسلامُ العظيم باشهار الزواج ليعرف أبناء المنطقة أو الحي أو القرية أو النجع أن فلانا زوج لفلانة، وقطع الدينُ الحنيفُ على مُروّجي الفساد رغبتهم المسعورة في اخفاء وجه المرأة.
وزارات الداخلية المشغولة بحماية الأمن، الزعيم أو الدولة، تقف عاجزة عن كشف أجمل وأسمى معجزتين خلقهما العزيز الجبار: الأنامل وبصماتها، والوجه وهويته.
آلافٌ من الارهابيين والمجرمين والمتحرشين جنسيا والهاربين من العدالة والخائنين خلف خمار عبثوا بعقولنا قبل ديننا ووطننا، ونحن نقف ببلاهة منقطة النظير، وكما منحنا أقفيتنا ورقابنا لزعمائنا المستبدين، أعدنا منحها لدعاة وأد المرأة من المسعورين جنسيا .
أكرر مرة ثانية وعاشرة ولا نهائية بأنَّ تغطية وجه المرأة، خِمارا أو نقابا، حرام .. حرام .. حرام، ومن كان يؤمن بالله الأعظم والأكبر وخالق الكون فليقف لحظات يتأمل في قدرة الله في الكون والعقل والتفكر والتدبر، ويتحقق من قوة إيمانه، ويتحرر من مُلوثي عقله الذين هجموا علينا في الأعوام العشرين المنصرمة كجراد يأكل الأخضرَ واليابسَ، وينهي إلى غير رجعة نعمة الله في العقل والتفكير.
منذ أن غزتنا جحافلُ شيوخ الهوَسِّ الجنسي ونحن نعود إلى الوراء قرنا في كل عقد، وعقداً في كل عام، فالقِيَم التي يروجون لها هي نفس التي حذرنا القرآن الكريم من اعتناقها، وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مُسّودا وهو كظيم.
أما الحرية والديمقراطية والخير ومناهضة الطغاة وحقوق الانسان والعمل والنظام والادارة والأمانة والثقافة والبحوث وحماية الطفولة وقيمة الكتاب فليس لها مكانٌ بينهم.
كشف وجهِ المرأة لا يعني ارتداءَ البكيني، كما يروّج الحمقى المتخلفون، لكنه استجابة لفطرة الله فينا، واعادة الاعتبار للمرأة بعد محاولات وأدها ودفنها، وتوسعة طريق الفضيلة والعلاقات الصحية، ومحاربة الارهاب والتطرف، وتكريم المرأة.
أيها المثقفون العرب الأحرار والشرفاء،
ألم يأن الوقت أن تأخذوا زمام المبادرة لفضح فكر البورنوجرافيين الجدد، أم أنكم تلجمون ألسنتكم أمامهم كما فعلتم مع طغاتنا ومستبدينا وزعمائنا و .. أبنائهم الوراثين رقابكم؟
القائلون بأن وجه المرأة فتنة، ومثير للشهوات، ويعتري جسدَ الرجلِ لدى رؤيته هياجٌ جنسي هم مرضى غير طبيعيين ينبغي الحذرُ منهم على أطفالنا، وحتى على نسائنا ولو كُنَّ داخل سبعين خيمة سوداء!
الوجه هو الهوية، وصلة التعارف، والطريق إلى علاقات مستقيمة، والمرأة التي لا تفصح عن هويتها تكون قد انسحبت من المجتمع، ومن الحياة، ورفضت نعمة الله، وركعت لشيوخ التدين الجنسي.
أول ما يسأل اللهُ يوم القيامة المرأة عنه هو عقلها ، وفيما استخدمته!
إنني مؤمن بالاحتشام في الملبس والمظهر، والقضية التي أطرحها هي الارتفاع بالايمان والسمو به، ثم تدبر معجزة الله في الوجه والأنامل، في الهوية والبصمات،في التعارف "الانساني" والتعرف" الأمني"!
هل التي تغطي وجهها تحمي الرجلَ المريضَ من نفسه، أم تقوم بحماية نفسِها من خياله؟
إنني أتحدى كل شيوخ البورنوجرافية الدينية أنْ يصدروا بيانا، منفردين أو مجتمعين، يدين السطوة والديكتاتورية وتزييف الانتخابات والفساد ، ويطالبوا بالافراج عن المعتقلين الأبرياء من سجناء الضمير، ويشجبوا توريث الحكم، ويقولوا بأن الاسلام ضد مَدَّ فترة الحُكم لأكثر من ولايتين!
هل يستطيعون تنظيمَ حملات إعلامية ودعوية مكثفة ضد المخدرات والغش، وضد استخدام الشرطة للقبضايات والمسجلين الخطرين الذين يبطشون بالأحرار والشرفاء والمعارضين؟
لا أظن أنهم يفعلون ذلك، فمعركتهم جنسية، وعقولهم لا تستوعب غير تخويف المرأة من عذاب سَعَر إذا لم تستجب لزوجها في أي وقت مادام هو راغباً في تفريغ شحنته، وأن ربَّ الكون العظيم سيغضب يوم الحشر من طبيبة مسلمة قامت بتوسعة فتحتي النقاب لكي ترى بوضوح مرضاها!
يتحدثون عن أنه خيار حُرّ، فإذا تنقبت نساءُ المجتمع لا يسمحون لامرأة أن تكشف وجهَهَا، فالحرية وسيلة تبرر الغاية المخيفة لصناعة مجتمع مريض.
وماذا عن حرية الانسان في أنْ يرى وجه من تتحدث معه، في العمل والشارع والمدرسة والمستشفى والمؤسسة والمظاهرة والمصنع والسوق ... ؟
قرأت لأحدهم حديثا عن الفروقات في الفتنة بين أصابع اليدين وأصابع القدمين، وانتهى صاحبنا إلى أن أنامل المرأة تثير الشبق، وتستثير الهياج لدى الذكور!
ألم يقل أحدهم بأنه عندما يرى امرأة مثيرة يتخيلها من الحور العين، فيكسب الاثنين معاً: الاستمتاع بها في خياله، والايمان بأن الحور العين في انتظاره؟
لقد انحدرنا، وتأخرنا، وسقطنا، وتدهورنا، وتراجعنا، وتخلفنا، وركب ظهورَنا أسافلُنا، وسلخ أقفيتَنا مستبدونا، وتحكم في رقابِنا طغاتُنا عندما سمحنا لأشخاص معتلّي الصحة العقلية والنفسية أن يتحكموا فينا، دينا وعلما وتعليما وتربية وثقافة وإعلاما!
إن أول خطوة في طريق الايمان الصحيح بالله العلي العظيم تبدا من هنا، من العروسة "باربي" التي تغطي وجهها و .. عقلها، ثم يعقبها سقوط إمبراطورية شيوخ البورنوجرافية الجدد، وبعدها تتهاوى كل الأوثان والأصنام بما فيها سيد القصر، فهو والعقل لا يجتمعان، وهو الحفاظ على كرامة الانسان نقيضان!
البداية من هنا .. من الإيمان بأن الله أكبر، وحينئذ لا يستطيعون أن يقولوا لك بأن العلي القديرَ يتابع مباريات كأس العالم، ويقف مع المسلمين فقط، ويساعد هجومَ الوسط في التسلل إلى حارس مرمى الخصم ليسدد المسلمُ ضربة، ويسجد لله، فالله أكبر من ذلك، وأكبر من تغطية وجه المرأة تقرُّبا إليه، وأكبر من عشرات الآلاف من الاعتقادات الزائفة التي نظن أنها أوامر خالق الكون، فإذا هي توجيهات أباطرة الفتوى وكهنة السلطة!
البداية من هنا .. من تجديد الإيمان بالله تعالى لعلنا نعيد اكتشاف عظمته، وجبروته، وقوته،وعفوه، وصَفْحِه، ومحبته لنا، ورحمته، وحينئذ سنكتشف أننا كنا نعبد ما صنعه لنا المهووسون الجدد.
والله أكبر والحمد لله.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)