يعانى العالم العربي من أزمات قوية بنيوية لها علاقة بماهو اقتصادي واجتماعي وسياسي ،أفرزت هذه الأزمات المعقدة تباين واضح على مستوى العيش والمشاركة في الحكم بين الدولة الممثلة في المركز والأطراف ولاسيما الجنوب والمناطق الداخلية. أننا في عالم تعانى دوله ونظمه من أزمات تأتى دائما من الجنوب .هكذا يتصدع اليمن من جنوبه وتعانى الجزائر من حروب الإرهاب والطوارق بل وحتى الامازيغ وكلهم موحدون في القدوم من الجنوب وحتى موريتانيا الشقيقة تتكدس فيها الأزمات وأخطرها القادم من الجنوب .وحتى ليبيا أصبحت مناطق الجنوب شبه مقطوعة وأهلها يفبركون قصة "تقرير المصير" وبناء دولة في صحارى أصبحت مقابر للأفارقة القادمين عشقا للمال الليبي .وحتى جنوب تونس. لم تسلم فيالق الجيش من ضربات المجاهدين الجدد
اخطر التصدعات حدثت في السودان انتهى بانفصال الجنوب وتأسيس كيان الى حدود ألان مازال يئن تحت وطأة الفقر والاقتتال القبلي العشائري وأذكر هنا أن لي صديق يعمل في هيئة الأمم المتحدة بجنوب السودان ذكرني بالمخاطر الجديدة التي تصادف تحركاتهم وهم من كانوا بالأمس القريب ينعمون بالأمان عندما كانوا يعملون في شمال السودان
يحكي صديقي عن السرقات التي تتم في واضحة النهار وأعمال النهب المسلح والاغتصاب والأخطر من ذلك كله جلوس الرجال بدون عمل ،ناهيك عن أطفال مشردين يكتسحون الشوارع ليلا ونهارا ,اختصر صاحبي الوضع بقوله "عندما استقل الجنوب عن الشمال ظهرت عيوب الجنوبيين "
يمكن اعتبار انشطار السودان أهم حدث في تاريخ العالمين العربي والإفريقي ،لأنه يؤرخ لمرحلة فشل عقل سوداني عن استيعاب الاختلاف ،عن القدرة على حلحلة مشكلة الجنوب عبر إعلاء دولة المواطنة وتكييف القوانين مع متطلبات الأطراف لان اغلب حالات الفشل الوحدوي تنطلق من سوء تدبير المركز للعلاقات مع الأطراف .لذلك يمكن القول أن يخروج جنوب السودان كأطراف عن مركز الخرطوم بمثابة رسالة قوية لكل الدول التى تعانى من تصدع الأطراف .
الجغرافية السياسية السودانية تغيرت ،لكنه تغير قد يقود الكثير من دول تعانى من مشكل الأطراف إلى خيار الانفصال ،فالحل السوداني شجع على تبنى طرحا مدعوم دوليا تحت ما يسمى "بالشرعية الدولية وتقرير المصير"ومن هذه الخلفية السياسية بدأنا نسمع سيمفونية الانفصال عن الشمال من طرف أبناء الجنوب اليمني وان كان الاختلاف واضح بين أطراف السودان وأطراف اليمن فأهل اليمن في المركز أو في الأطراف توحدهم الهوية المشتركة "اللغة والدين والمصير المشترك"لكن تدبير الشمال لما بعد الوحدة جعل الأطراف تتخندق في اتجاه واحد رفض احتكار الشمال للقوة والمال والتحكم في الاقتصاد . بدأ اذن الاختلاف حول جوانب سياسية وبسبب ضيق أفق ساسة اليمن هاهو لجنوب يضيع كما ضاعت جباله التى أصبحت تحت نفوذ حركات مثل تنظيم القاعدة وحركات الحوثيين الشيعة المدعومة من إيران .
حراك جنوب اليمن قدم مؤخرا مشروعا الى مؤتمر الحوار اليمنى المزمع عقده في صنعاء ,يحمل المشروع المقدم رؤية الحراك الجنوبيين للانفصال عن الشمال ،يؤكد مشروع تكتل المستقلين الجنوبيين أن تسوية القضية الجنوبية يرتكز على إنشاء دولتين وشعب واحد تجمعهما أسس وقواعد واتفاقيات تعاون اقتصادي ومشاريع صناعية وزراعية ...
دعوة انفصال الأطراف عن المركز لها تبعات كبرى ،فالانفصال ليس هو العصي السحرية فقد كان الجنوب اليمنى بكيانه مستقلا ودولة مستقلة وذات سيادة لكنها سيادة صورية ،فالنظام الذى كان يتبنى الماركسية ونظام الحزب الوحيد فشل في تدبير الشأن السياسي والاقتصادي وعمل على جعل دولة الجنوب مرتعا للاستخبارات السوفيتية والمصرية وبدعم من دول الخليج انهك الشمال فى حروب لا طائل منها .فكان مشروع الجنوب فاشلا بكل المقاييس لينتبه الشعب اليمنى لمسألة وحدة الأطراف المستقلة مع المركز في إطار الوحدة اليمنية .هذا المشروع الذى يعانى اليوم من تصدع قادم من الجنوب والجبال .
إن مشاريع الانفصال مشاريع فاشلة كما أن الوحدة لابد ان تكون مؤسسة على آليات ديمقراطية بناءة ،فالحكم الراشد والذي يستوعب فكرة الاختلاف والتعدد كفيل بإيجاد حلول لكل مشاكل الأطراف .فيتحول التصدع من الجنوب الى بناء يأتي من الجنوب طبعا .
محمد الاغظف بوية
التعليقات (0)