الرغم أن أغلب الدساتير العربية -إن لم نقل كلها- تعتبر اللغة العربية هي اللغة الرسمية يجب الأخذ بها في جميع نواحي الحياة فإننا نجدها أول فقرة تخترق من مواد هذه الدساتير بينما المؤسسات التي يجب أن تحمي الدساتير تقمع كل من يخالف الدستور. فهل الهدف هو استبعاد الثقافة العربية لتلحق بألف وأربعمئة ثقافة أقصيت من بين ألفي ثقافة مسجلة في الأمم المتحدة؟
لقد ألغى ميتران ديون 35 دولة أفريقية قدرت بثلاثين مليار فرنك فرنسي، مقابل أن تحافظ هذه الدول على بقاء الفرنسية في الإدارة والتعليم, فأين نحن من الدساتير العربية وما تنص عليه؟ وأين ذلك من قطاع التعليم ومخرجاته والإعلام العربي وما يبثه من سموم تجرح حياء السليقة العربية وتطعن أسس الهوية؟
يعتقد البعض أن الدعوة إلى نشر اللهجات أو لغات الأقليات كما يسمونها -كالهيروغليفية في مصر، والكردية في العراق، وأنواع الأمازيغيات في شمال أفريقيا- تبدو في ظاهرها ثقافية، لكن لها خلفيات سياسية خطيرة تهدف -حسب قولهم- إلى تفتيت الوطن الواحد. هذا إذا عرفنا أن اللغة العبرية التي كانت في عداد الأموات ولا يتكلمها إلا رموز الكنائس أصبحت لغة التعليم العالي والبحث العلمي في إسرائيل إضافة لكونها اللغة الرسمية لها.
مما يشي بهذه الدساتير والقائمين عليها أن كثيرا من التشريعات الحكومية في البلاد العربية -بقصد أو بغير قصد- كفلت موقعاً متفوقاً للغة الإنجليزية من حيث عدها اللغة الأجنبية الأولى في النظم التعليمية على حساب لغة الدستور وكأنما استنوق الجمل.
وتتمثل هيمنة هذه اللغة الإنجليزية في العالم العربي في تعليمها في مراحل الطفولة المبكرة واستخدامها لغة رئيسة في التعليم الجامعي العلمي واستعمالها لغة رئيسة في المدارس الخاصة بالإضافة إلى اعتمادها لغة رسمية في المعاملات التجارية والقانونية التي تنفذها الدولة.
ولعل التساؤل يطرحه بشيء من الاستغراب الدكتور عثمان سعدي -رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن العربية- والذي قال إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، عرف في الأوساط الثقافية والسياسة بإيمانه بالعربية والعروبة وعندما استلم الحكم في الجزائر صار أسيراً للوبي الفرنكفوني، بل إن المكاسب التي حققتها اللغة العربية قبله بدأت تتراجع منذ عام 1999 كما أن قانون التعريب جمد في عهده بصمت وبدون مرسوم.
ويرجع وضع اللغة العربية الضعيف إلى سياسات العالم العربي التي ترجع -هي الأخرى- إلى ضغوطات بعض القوى الأجنبية والمصالح التجارية الأجنبية، بعد أن كانت هناك نخبة سياسية إبان فترات التحرر من الاستعمار تدافع عن اللغة العربية وتتبناها كمشروع مطلق.
ويرى الأديب الإسباني كاميليو جوزي سيلا -الحائز على جائزة نوبل للآداب- أن لغات العالم تتجه نحو التناقص، وأنه لن تبقى إلا أربع لغات قادرة على الحضور العالمي، هذه اللغات هي الإنجليزية والإسبانية والعربية والصينية، حيث بنى رأيه على استشراف مستقبلي ينطلق من الدراسات اللسانية التي تعاين موت اللغات وتقهقرها واندثارها.
التعليقات (0)