لم يتوقف نضال الشعب العراقي ومقاومته لكل اشكال الأحتلال والظلم منذ فجر التاريخ . وفي التاريخ الحديث قاوم العراقيون بكل طوائفهم الأستعمار البريطاني عندما دخل العراق اثناء الحرب العالمية الأولى بكل بسالة . حتى ان الكثيرمن المؤرخين والساسة يعزون استعجال بريطانيا في عملية قيام الدولة العراقية الحديثة الى قيام ثورة العشرين العظيمة واللتي كبدت البريطانيين الكثير انذاك . واستمر العراقيون يقومون بثورات متكررة حتى نالوا استقلالهم التام عندما قام الجيش بقيادة عبدالكريم قاسم بالقضاء على الملكية المتهمة بموالاة المستعمر واجلاء الجيش البريطاني من قواعده في العراق .
ظهرت الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية على الساحة العراقية خلال فترة الأحتلال البريطاني هذه كان ابرزها الشيوعيون والقوميون بكل انواعهم والأسلاميون بكل انواعهم . وكانت كل هذه الأحزاب والتيارات تنادي بعراق ديمقراطي حر ولكن في نفس الوقت بدأت هذه الأحزاب تقليدا جديدا قديما بالأعتماد على قوى خارجية في تقوية الذات . فعندما قامت ثورة الجيش على الأحتلال البريطاني في عام 1941 قام رشيد عالي الكيلاني قائد الثورة السياسي بمفاتحة الألمان اعداء بريطانيا انذاك وطلب المساعدة منهم في حربه ضد البريطانيين , وكان الشيوعيون على علاقة وثيقة بالأتحاد السوفيتي يستمدون منهم الكثير من ادوات القوة , الشيء ذاته قام به القوميون اللذين استمدوا قواهم من سوريا ومصر , واستمد القوميون الكرد معظم اسباب القوة من الغرب والشرق وحتى من نظام الشاه في ايران . وكان الأخوان المسلمين على علاقة بأخوانهم في جميع البلدان العربية كما وكانت المؤسسات الدينية المسلمة على علاقة طيبة بمثيلاتها في الدول العربية وايران وحتى الكنائس والجمعيات المسيحية كانت تتلقى المساعدات العظيمة من كناس الشرق والغرب .
بعد الأستقلال عام 1958 تحولت القوى السياسية الى محاربة بعضها البعض واستمرت هذه القوى بأعتمادها على الخارج . ومر العراق بفترة عشر سنوات قلقة وغير مستمرة منذ 1958 الى 1968 حصلت خلالها عدة انقلابات عسكرية اولها انقلاب القوميين المدعومين من اخوانهم في الشام ومن جمال عبد الناصر على عبد الكريم قاسم المدعوم من الأتحاد السوفيتي . ثم قام البعثيون المدعومون من الأمريكان ان ذاك بقلب نظام القوميين . ثم عاد القوميون لقلب البعثيين ليعود البعثيون عام 1968 بدعم امريكي بات معروفا للجميع وبأعتراف البعثيين انفسهم الى سدة الحكم .
بعد ان سيطر حزب البعث على مقاليد السلطة وانفراده بها وتحوله الى الدكتاتورية المطلقة بدات حقبة جديدة من النظال السري الحزبي لباقي احزاب العراق اللتي وجدت نفسها مرغمة على هكذا نوع من العمل السياسي نتيجة بطش نظام البعث . ومرة اخرى كانت جميع هذه الأحزاب العربية والكردية . القومية والشعوبية . الأسلامية والعلمانية , تعتمد على الخارج في نضالها .
بغض النظر عن اسباب احتلال الجيش الأمريكي للعراق فلقد وجدت الأحزاب العلمانية والقومية الكردية وبعض الأحزاب الأسلامية والوطنية الأخرى في وجود جنود الأحتلال على ارض العراق فرصة تأريخية لكي يكون لها دور فاعل في الساحة السياسية العراقية وبدأت بالأستقواء بجنود الأحتلال لتحقيق مصالح حزبية وشخصية مع تأكيد هذه الأحزاب والشخصيات على ان هذا الوجود الأجنبي هو مصلحة وطنية قبل كل شيء . الأمر اللذي اخاف الكثير من الأحزاب القومية والدينية والوطنية الرافضة للأحتلال لأسباب مختلفة و فتح الباب على مصراعيه لأستنجاد الجميع بالخارج وأيصال العراق الى ما وصل اليه من خراب اقتصادي وأجتماعي وعلمي .
تسوق الأحزاب المدافعة عن الأحتلال الأمريكي الآف الحجج لتبرير هذا الوجود , متناسية ان بأستطاعة الأحزاب الدينية الأتيان بآلاف مماثلة من الحجج الشرعية مستقاة مباشرة من القرآن والسنة المليئين بأحاديث وجوب الجهاد ضد المحتل الكافر والأستعانة في سبيل ذلك بالمجاهدين من كل مكان . كما ان الأحزاب الوطنية والقومية الأخرى لها حججها ايضا . وهنا اصبحت حجة الأحزاب المستقوية بمقاتلين من ايران ومن الدول العربية والأسلامية مماثلة بقوتها لحجة الأحزاب المستقوية بمقاتلي الأحتلال الأمريكي . ( مع اعتقادي الشخصي الراسخ ببطلان الحجتين ) .
ان سلق الدستور وقوانين الأنتخاب وتأخير اصدار قانون واضح ومفصل للأحزاب والتغييب المتعمد لمؤسسات المجتمع المدني لا يمكن ان تكون اساس لعملية سياسية صحيحة ولا لمصالحة وطنية متينة ترضي جميع الأطراف في العراق , كما اننا لايمكن ان نسمي عملية تغييب العقل المتعمد للمواطن العراقي وارغامه على ان ينتخب من لايعرف وربما من لايريد عبر قوانين انتخابة وضعت خصيصا لخدمة المحتل ومن يواليه بعملية سياسية . ولقد اثبتت الأخطاء الكارثية اللتي نتجت عن هذه العملية بأنها السبب الرئيس اللذي حدى بالكثير من القوى العراقية للأستنجاد بالمقاتلين الأجانب واشعال الفتنة تلو الفتنة.
استنجد الموالون للأحتلال بجنوده وهم مقاتلون اجانب , واستنجد الأسلاميون بالمقاتلين من أيران والعرب وهم مقاتلون اجانب , واستنجد التكفيريون بالقاعدة وهم مقاتلون اجانب , واستنجد القوميون بأمثالهم من دول الجوار , وهم مقاتلون اجانب , فبمن سأستنجد انا وأمثالي اللذين يدفعون الثمن لوحدهم قتلا وتهجيرا لنتخلص من كل هؤلاء .
اذا اردنا التخلص من كل اجنبي يدنس ارض العراق فعلينا جميعا كعراقيين الأقرار بخطأنا الفادح المتمثل بالأستنجاد بامريكا وايران والعرب والعجم , ثم الأتفاق على دستور جديد يحرم مثل هكذا ممارسات ويضع قوانين جديدة واضحة ومفصلة تبين الحقوق والواجبات لجميع العراقيين دون تمييز ويكون الشعب العراقي هو الحكم الوحيد في اقراره او رفضه بعد ان يأخذ هذا الدستور كفايته من الشرح المفصل والنقاش المفتوح والشفاف . فما حك جلدك مثل ظفرك.
التعليقات (0)