قد يكون السجل الطويل المقلق للعلاقات العراقية - الكويتية من اهم العوامل التي تثير مخاوف وحساسية الاشقاء الكويتيين من العراق القوي المعافى والسيد ...وليس من المستبعد ان يكون هذا السبب بالذات هو الذي يدفع الكويت الى الاعتراض على استعادة العراق لدوره الطبيعي والطليعي ضمن المنظومة الدولية..
فلقد قالت الكويت الاثنين على لسان مبعوث السيد أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، المستشار في الديوان الأميري محمد عبدالله أبوالحسن، أثناء اجتماعه مع نائب وزير الخارجية مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشرق الأوسط الكسندر سلطانوف، إنها ضد خروج العراق من بند "الفصل السابع" لقرارات مجلس الأمن إلا بعد تنفيذه للالتزامات الواردة في قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بعدوان العراق على الكويت والنظر في بعض الالتزامات التي تم تنفيذها والبعض الآخر التي نفذت جزئياً وما تبقى منها دون تنفيذ.
وقال السيد أبوالحسن، الذي نقل رسالة من رئيس الوزراء الكويتي إلى نظيره الروسي، إن مضمون الرسالة يتألف من شقين يتعلق أحدهما بالعلاقات الثنائية، في حين يتعلق الثاني برؤية الكويت لطلب العراق من الأمم المتحدة بالخروج من الفصل السابع وفقا للقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تحت بند الحالة بين الكويت والعراق.
وأكد أبو الحسن عدم جواز أن تقوم أي دولة صدرت بحقها قرارات دولية أن تنفذ ما تريد وتتجاهل ما تريد موضحاً أن هذه القرارات تشكل حزمة متكاملة.
وما لم يستطع السيد ابو الحسن قوله ان الكويت ما زالت لها مبرراتها للتخوف من التاريخ المأساوي للعلاقات مع الجار الشمالي اللدود منذ ايام الملك غازي الاول ومرورا بالزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء في الجمهورية العراقية الاولى وانحدارا الى صدام حسين الذي بز من قبله بالغزو العراقي للكويت وضمها كقضاء تابع الى محافظة البصرة مما عمق من الجرح الغائر اصلا في ضمير ووجدان الشعب الكويتي الشقيق..
وهذا التاريخ المرير ما زال يعرقل عمليات بناء الثقة بين الجارين العربيين وخصوصا مع تردد الكويت في اتخاذ الخطوات الكفيلة بتدعيم المبادرات العراقية المتكررة بالحاح والداعية الى ان تكون المساهمة الكويتية المرحب بها في عمليات اعادة الاعمار في العراق,وخصوصا في البصرة, مدخلاً مهماً للولوج في المسيرة الدؤوبة نحو تأسيس منظومة شراكة ستراتيجية طويلة الامد ومتنامية بما يضمن مصالح الشعبين الجارين الاقتصادية , وتخدم فرص الاستقرار والتقدم سياسيا في المنطقة.
ولن يكون من المفيد هنا تجاهل التحسس غير المبرر للجانب الكويتي من شكل وطبيعة النظام الحاكم في العراق الجديد..ولا تجاهل شذوذ الموقف من المديونية العراقية المفترضة من مجمل القرار الدولي المبدئي والداعم للتنمية والاعمار في العراق والممثل بقرارات نادي باريس.. وان التلويح ببعض الالتزامات التي نتشارك فيها مع اشقائنا الكويتيين في دور الضحية مثل قضية رفات الشهداء الكويتيين والمغيبين من قبل النظام البائد ومسالة التعويضات البيئية والنفطية والتي قد تفتقر الى مشروعية توريث مسؤوليتها الى الشعب العراقي الذي عانى من تبعات الدعم الخليجي لنظام صدام حسين طوال مرحلة توريطه في الصراع المدمر والمتطاول مع ايران والتي شهدت سنواته العجاف ذروة العلاقات السياسية ما بين العراق والكويت.
ان العراقيين ينتظرون من الاشقاء الكويتيين اطفاء الجزء الاعظم من الديون والتعويضات باعتبارها ديوناً كريهة ما تزال انعكاساتها تنغص حياة الشعب العراقي وتؤثر على امنه ومقدراته الحياتية، خاصة وان العلاقات التاريخية بين الشعبين تتطلب العمل على تجاوز مخلفات الماضي وما احتوته من آلام ومآسي والتأسيس على المشتركات لبناء صفحات جديدة مشرقة من التعاون والتفاهم والمحبة على الامد البعيد .ويتوجب على القائمين على رسم السياسة الكويتية اليوم تجنب كل ما يمكن أن يؤدي الى اذكاء الضغائن والاحقاد النائمة -والملعون من يحاول ايقاظها- فيما بين مواطني الشعبين الشقيقين، والابتعاد عن السياسة غير المجدية في محاولة اضعاف العراق لتأمين السيء من جانبه ..فمتغيرات التاريخ وثوابت الجغرافيا والحقائق على الارض تدل على ان بضعة مليارات من الدولارات قد لا تضعف العراق..ولكن وقفة اشقائه وجيرانه معه من المؤكد انها ستدعمه وتقويه وتساهم في التئام جروحه..
التعليقات (0)