بقلم/ مـمدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com
كانت علاقات العراق العربية خلال حكم البعث البائد نموذجا لبؤس منطق "المحاور" الذي جعل العراق دائما بين دوائر عداء تتغير شرقا أحيانا وجنوبا أحيانا أخرى ....وللمفارقة فإن منطق المحاور جعل البعث – بعد وصوله للسلطة في دولتين متجاورتين – بعثين متشاكسين متصارعين، فأضيفت دائرة عداء أخرى في الغرب مع رفاق درب "الحرية والاشتراكية والوحدة"!
ولأن السياسة لا تنفصل أبدا عن القرار فإن دخول الاستثمارات العربية العراق لن يكون قرارا اقتصاديا محضا بل سيكون نتاج تقدير سياسي جديد يضع العراق في إطار علاقة جديدة تقوم على منطق المصالح لا على قواعد لعبة المحاور التي أنهكت الجميع دون طائل وضيعت على المنطقة كلها عقودا من الازدهار الاقتصادي العالمي كان بالإمكان استثماره بتدشين كيان اقتصادي إقليمي نمتلك مؤهلاته كافة، باستثناء مؤهل واحد: إعادة بناء الرؤية السياسية لتصبح "المصالح" من مكوناتها.
والعودة الحقيقية للدور العربي في العراق لا يجوز أن تقتصر على التمثيل الديبلوماسي – وهو مهم – بل يجب أن تشمل مشروعات تعاون اقتصادي تجعل المستقبل هما جماعيا والازدهار مشتركا والاستقرار منفعة للجميع، وهذا مما يخشاه بعض "ذئاب السياسية" في بعض العواصم العربية وبسببه يحاولون عرقلة أي وجود اقتصادي عربي في "العراق الجديد" لتيقنهم من أن المصالح المشتركة يمكن أن تكون أكثر تأثيرا في المستقبل من الخيارات البائسة على تقويض "العراق الجديد".
والدور الذي يقوم به التعاون الاقتصادي في تعزيز الاستقرار الإقليمي توجه عام تشهده مناطق عديدة من العالم، وفي الشهر الفائت (يوليو 2010) أصدر معهد بروكنجز الدوحة تقريرا مهما في هذا الشأن في دروس مهمة. التقرير موضوعه دور خطوط أنابيب الغاز و البترول في التعاون الإقليمي. والتقرير يتناول نموذجا واحدا "خطوط نقل الغاز" لكنه يكشف بوضوح العلاقة بين شراكة المصالح والتقارب السياسي.
فخطوط الأنابيب – حسب التقرير – يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في تخفيف حدة التوتر وتعزيز التعاون بين الدول. ويطمح واضعو التقرير أن تلعب شبكة التعاون الاقتصادي/ الاستقرار الاقتصادي دورا متزايد الأهمية في تعزيز الأمن الإقليمي في المنطقة بدءا من المغرب ووصولا إلى أفغانستان!.
وحسب التقرير أيضا، ساهمت خطوط الأنابيب في تحسين العلاقات بين الجزائر والمغرب وكذلك ليبيا وإيطاليا. أما في الخليج، فساهم "مشروع دولفين" الذي يمر من قطر للإمارات في حل النزاع الحدودي بين الإمارات وعمُان، وبين قطر والسعودية. من المحتمل أن تسهم طرق آسيوية مقترحة تمر بإيران وباكستان والهند وتركمانستان وأفغانستان في الحث على التعاون في مناطق هامة تحتدم فيها الصراعات.
والوجه الأخر للعملة ضرورة بناء "صورة العراق" كوجهة مفضلة للاستثمار فالتعددية العراقية التي طالما تم تصويرها كخطر على وحدة العراق هي في الحقيقة ثروة اقتصادية كبيرة للعراق، فمن خلال التفعيل الاقتصادي للتركيبة الراهنة يمكن أن يقوم العراق بدور نقطة الالتقاء بين جيرانها جميعا لتبادل المنافع، فهي قادرة على الانفتاح شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، اعتمادا على روابط ثقافية تربطها بجهات الجوار الأربعة.
وإذا كان الاقتصاد قد أصبح مرتبطا على وجه القطع البنية القانونية والدستورية التي تضمن حرية المستثمر وحماية حقوقه القانونية فإن الديموقراطية العراقية هي ضمان رئيس لمناخ اقتصادي مزدهر وهي ميزة نسبية ربما لا تنافسها فيها إلا تركيا.
والعراق فرصة لأنواع الاستثمار كافة النفطية والصناعية والزراعية والخدمية، فضلا عن أنها بلد وفرة في الثروة البشرية المؤهلة حيث مستوى التعليم جيد بالقياس لحالات أخرى مماثلة فضلا عن شبكات طرق وبنية أساسية جيدة مرشحة للتطور في أجل قريب مدعومة بعوائد نفطية كبيرة يمكن أن تجعل العراق خلال سنوات قليلة من المراكز الاستثمارية الكبيرة في المنطقة.
والتعاون والمصالح المشتركة قادرة أكثر من الشعارات والادعاءات على بناء تكتل إقليمي يحرص أطرافه على استقرار الشركاء بدلا من المراهنة على زعزعة استقرارهم.
ومن يدري؟
فقد يوفر الاقتصاد لشعوب المنطقة جسر تقارب لم تنجح السياسة في توفيره خلال أكثر من نصف قرن.
التعليقات (0)