حضرتُ في بداية الشهر الماضي قمة حول الأمن الإقليمي في البحرين. وكان نائب رئيس الوزراء العراقي الدكتور برهم صالح من بين المتكلمين، وقد تكلّم بطريقة جيدة. فتطرّق إلى الطريقة التي يسعى فيها العراق، فيما تزداد ثقته بنفسه، إلى الانخراط مع الدول المجاورة له كقوة إيجابية في المنطقة، أي بحسب تعبيره أن يعيش «في سلام مع نفسه ومع جيرانه».
ولم أتوقف عن التفكير في ذلك عندما قرأت مؤخراً مقالا لسيريل تاونسند في صحيفة «الحياة» (25/12/2008)، اعتبر فيه أن المهمة البريطانية فشلت في العراق. إلا أن هذا التحليل برأيي خاطئ.
لم يعمل نظام صدام حسين الذي قُمنا نحن وحلفاؤنا بالإطاحة به، بقمع شعب العراق وقتله فحسب، بل شكّل خطراً على المنطقة بأكملها وهي منطقة مهمّة بالنسبة إلى المصالح البريطانية. وكان يعتبر أن انخراطه مع الدول المجاورة يعني أن يتمّ تخويفها والسيطرة عليها واحتلالها. فلم يكن مهتما بأن يكون جـــزءاً مـــن المجتمع الدولي، كما سعى إلى المواجهة وليس إلى التعاون.
لقد دعمتُ قرار شنّ حرب ضد نظام صدام حسين في ذلك الوقت، وأنا لن أنفك أدافع عن هذا القرار.
أصبحت المنطقة أكثر أمنا بعد الإطاحة بصدام. ويجب أن نفتخر بالدور الذي أدته قواتنا للتوصل إلى ذلك وبمساعدة العراقيين على الوصول إلى مرحلة يكونون فيها مستعدين لتحمل مسؤولية أمنهم الخاص بالكامل في جنوب العراق ومن دون أي مساعدة. وكما أعلن رئيس الوزراء غوردون براون، ستتحوّل مهمتنا في العراق في السنة المقبلة إلى مهمة تتركز على التدريب المتخصص في بعض الميادين. وسيسمح لنا ذلك بتقليص عدد قواتنا من 4100 جندي إلى حوالي 400 جندي في نهاية شهر تموز (يوليو) المقبل.
وفيما نبلغ هذا الهدف، من غير المفاجئ أن يبدأ المعلّقون بتحليل ما أنجزته قواتنا خلال السنوات الست الماضية. فقد أنجزت قواتنا الكثير وقد لمستُ ذلك عندما تجوّلتُ في أنحاء مدينة البصرة مع القوات العراقية ومع جنودنا الذين كانوا يدرّبونهم منذ أسابيع قليلة.
أما سبب إعادة نشر قواتنا فبسيط، إذ أن مهمتنا شارفت على الانتهاء. فعندما تنسحب قواتنا، سنكون قد أنجزنا عملنا. ولو لم ننجزه لما كنا نستعد للرحيل.
تغيّر العراق اليوم نحو الأفضل لأن الخطط الكبيرة التي أرستها قوات الائتلاف من أجل عملية الانتقال قد نجحت، وهي خطط سمحت للعراقيين في فترة معينة بتحمل مسؤولية حفظ أمنهم الخاص.
كان مستوى التحدي في البصرة مروّعا. فلم نزعم يوما أن باستطاعتنا بمفردنا أن نحلّ مشاكل مدينة أهملها صدام على مدى عقود. لكن من خلال مساعدة العراقيين على إيجاد حلول عراقية للمشاكل العراقية، أنجزت قواتنا الأهداف التي حدّدتها. وقريبا لن يحتاج العراقيون إلى مساعدتنا باستثناء المساعدة في بعض الميادين كمساعدة البحرية العراقية. وكما قال برهم صالح «يطلق الجنود والشرطة العراقية العمليات ويديرونها في أنحاء العراق وهم يحظون بثقة الشعب ودعمه».
لطالما حاولنا التوصل إلى ذلك. كما أننا لم نترك العراقيين يوما ولم نحبس أنفسنا في قواعدنا. فقد كنا إلى جانبهم، نقدّم لهم الدعم والنصائح. وخلال عملية «صولة الفرسان»، عندما واجهت القوات العراقية الميليشيات في البصرة وهزمتها في شهر نيسان (أبريل) الماضي، كنا إلى جانبهم نقدّم لهم الدعم الجوي وسلاح المدفعية والعلاج الطبي وأموراً لوجيستية وأنواعاً أخرى من الدعم.
أما مدينة البصرة فلا تنعم بالاستقرار بعد، إذ أن ثلاثين في المئة من سكانها لا يمكنهم الوصول إلى المياه النظيفة. لكن إذا أجرينا مقارنة ما بين الوضع الحالي والوضع عندما وصلنا إلى البصرة في العام 2003، لوجدنا أن 77 في المئة من السكان كانوا يواجهون حينها هذا الوضع. وقد تمّ القيام بتحسينات كبيرة على صعيد التزوّد بالطاقة والمستشفيات والعناية الطبية والتغذية والالتحاق بالمدرسة وطبعا الديموقراطية.
وتمّ بلوغ ذلك لأننا كنا نعمل بالتعاون مع العراقيين الذين درّبناهم وقد نجح حلفاؤنا الأميركيون وحلفاؤنا الآخرون في تغيير الوضع الأمني خلال السنوات الست الماضية، علما أن الاهتمام يتركز حاليا على المشاكل مثل الوصول إلى المياه والتغذية والكهرباء وتنظيف الشوارع وتخفيف زحمة السير. ويحتل الأمن حاليا المرتبة الخامسة عشرة على لائحة العناصر التي تقلق الشعب العراقي.
إنّ المكان الذي يفكر فيه الأشخاص بهذه المسائل اليومية هو مكان لا يخاف فيه الناس من أن تقمعهم حكومتهم أو أن تضطهدهم.
ونحن نشهد نموّا مستمرا في العراق كفيلاً بأن يحسّن مستوى عيش العراقيين فيسمح لهم ببناء البنى التحتية ودعم التجارة وتطوير الصناعات الأساسية كالزراعة والطاقة وإنماء الاقتصاد وذلك بفضل السلام على المدى الطويل الذي أرساه الأشخاص الذين حاربوا وماتوا في العراق. وفيما تنتهي المهمّة العسكرية، يكمن التحدي حاليا في تأمين ازدهار التجارة وإنجاح إعادة الإعمار. فتنفتح فرص جيّدة للاستثمار البريطاني وآمل في أن نستفيد منها.
ولأول مرة في الذاكرة الحيّة، يستطيع الشعب العراقي أن يبدأ بالاستفادة من ثروة بلده وموارده عوضا عن رؤية نظام فاسد يسلبها منه ويفرّط بها. فإن لم يكن ذلك إنجازا فأنا لا أعرف ما هو بالتحديد.
جون هاتون الحياة - 08/01/09//
وزير الدفاع البريطاني
التعليقات (0)