مجلة الصوت الاخر العدد 311 الصادر بتاريخ 20102010
منذ انتهاء الانتخابات العراقية في اذار 2010 اي قبل مايقارب السبعة اشهر ومارافقها من ازمة سياسية افرزتها نتائج الانتخابات البرلمانية التي لم يخرج منها فائز واضح بل كتلتين متقاربتين في النتائج بفارق مقعدين بينهما(القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء العراقي الاسبق الدكتور اياد علاوي 91 مقعد، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي 89 مقعد)، والمشهد السياسي يمر بتوترات وتقلبات في المواقف وتحالفات متغيرة غير ثابتة.
ولايزال شكل التحالف النهائي الذي سيكلف بتشكيل الحكومة غير واضح المعالم والاطراف، على الرغم من المدة التي استغرقتها الكتل السياسية في الحوار.
من خلال مجريات الاحداث الانية يبدو لنا بان المالكي هو الاوفر حظا خاصة بعد ترشيحه من قبل اطراف في التحالف الوطني، سبق وان كانت تضع خطوطا حمر على ترشيحه كالتيار الصدري، الذي فاجئ انصاره ومؤيديه بالتغير المفاجئ في الموقف نتيجة ضغوط دولية وسياسية بحسب ماصرح به مقتدى الصدر، اي كما وصفه الباحث "مايكل نايتس" في تقرير لـ "معهد واشنطن" بأنه "زواج مصلحة" قامت إيران "بترتيبه".
ومازاد من حظوظ المالكي الدعم الاميركي غير المباشر له، لانها ترغب بالانسحاب الهادئ من العراق دون مشاكل وبقاء المالكي في مكانه سوف يضمن لها ذلك، وان كان بقاءه فيه اساءة لامريكا، لانها تعتبره بمثابة انتصار للوجود الايراني.
واضافةً الى مايحظى به المالكي من دعم ايراني مباشر وصريح، حسب العديد من الاطراف السياسية، لحقه دعم سوري بوساطة ايرانية، مهدت الطريق لزيارات لمالكي الى دمشق بعد قطيعة دامت مايقارب العام، التي تكللت باتفاقيات اقتصادية وسياسية وامنية كهدايا ترضية للنظام السوري الغاضب عليه.
لكن مايزال طريق تشكيل الحكومة غيرمعبد كفاية امام المالكي فهو يواجه معوقات عليه تجاوزها، منها انسحاب المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، وحزب الفضيلة من جلسة التحالف الوطني اعتراضا على الآلية التي اختار بها التحالف المالكي كمرشح لرئاسة الوزراء، مما يقلص عدد مقاعد التحالف الوطني الى 143 مقعداً لذا مازال على المالكي جمع 163 مقعدا (النصف زائدا واحد كما تنص المادة 72 من الدستور العراقي) لكي يتمكن من تشكيل الحكومة.
كما يواجه ضغوط اميركية للتحالف مع علاوي وتقاسم السلطة معه، بحسب ما بلغه عن رغبة ادارة اوباما من خلال وليم بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، وكذلك تحفظ واشنطن عن اعطاء مناصب امنية الى تيار الصدر لأنه لم يحسم موقفه من انه كتلة سياسية وما زال يشكل تهديداً امنياً كمجموعة مسلحة بحسب ما عبر عنه صراحة السفير الاميركي لدى بغداد جيمس جفري.
ولكي يحقق المالكي الاغلبية الساحقة عليه التحالف مع ائتلاف الكتل الكوردستانية التي تعتبر بمثابة قوة حسم للنزاع على منصب رئاسة الوزراء، والائتلاف الكوردستاني واضح في حواراته التي ترتكز على مبادرة رئيس اقليم كوردستان مسعود البارزاني التي أطلقها بشأن مسألة المفاوضات بين الكتل وتشكيل الحكومة الجديدة، والتي يركز فيها على ثلاثة مبادئ أساسية وهي التوافق، التوازن، الشراكة الحقيقية في تشكيل الحكومة، التأكيد على ضرورة مساواة كافة المكونات الرئيسية العراقية في اتخاذ القرارات.
وينطلق الائتلاف الكوردستاني في حواراته مع باقي الكتل السياسية من ورقة عمل واضحة المطالب ولايتم التفاوض بشانها فاما تتم الموافقة عليها كاملة، او لايتم الاتفاق، وتتالف هذه الورقة من 19 نقطة من ضمنها أخذ ضمانات مكتوبة من الأطراف التي سيدخل معها في تحالفات بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها ومن ضمنها مدينة كركوك، ومنح منصب رئاسة الجمهورية للكورد، إضافة الى إيجاد حلول مع بغداد بشأن العقود النفطية، ومسألة ميزانية قوات الاقليم "البيشمركة"، وإجراء التعداد السكاني العام، والإلتزام بالدستور والنظام الفيدرالي الى جانب إدخال تعديلات على آلية اقرار القوانين في مجلس الوزراء، ويشترط الكورد ان تكون الردود موقعة من الكتل السياسية تجاه ماورد من نقاط في الورقة التفاوضية، ليتم إدراج هذه الردود في البرنامج الحكومي للكتلة التي تعتزم تشكيل الحكومة.
وعلى الرغم من موافقة المالكي المبدئية على بنود الورقة الكوردية الا انها غير كافية ولا بد من موافقة جميع اعضاء دولة القانون بصورة تحريرية وموثقة، خاصة موافقة الصدريين وتيار حسين الشهرستاني لانهم ابلغوا المالكي بأنه يتحمل شخصيا مسؤولية القبول بها لوحده.
بينما اعلن المجلس الاعلى الاسلامي بزعامة عمار الحكيم موفقته الكاملة على كافة بنود الورقة الكوردية بدون تحفظات على اي بند من بنودها.
وكذلك الامر بالنسبة للقائمة العراقية التي اكدت على أنها تنظر بإيجابية في المطالب التي تتضمنها الورقة الكردية، الا انها لم توثق موافقتها بعد وبحسب ما نقلته صحيفة الشرق الاوسط في عددها الصادر الجمعة 1510، عن المتحدث باسم ائتلاف العراقية قوله إن معظم بنود الورقة الكردية التفاوضية تتناغم من رؤى العراقية.
في وقت يعتزم فيه إياد علاوي القيام بزيارة إلى اربيل للقاء رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني، للتباحث في شأن تشكيل الحكومة، وبحث الورقة التفاوضية الكردية التي تتضمن 19 نقطة، بحسب ماذكرت الصحيفة طبقا لمصادر رسمية.
وتاتي تحركات علاوي الذي ينال تايد المملكة العربية السعودية وسورية ومصر في اطار الضغط على ايران التي تتدخل بحسب قوله بشكل سافر في الشأن الداخلي وتحديدا في عملية تشكيل الحكومة، من خلال دعمها المطلق للمالكي.
وهو يسعى الى تشكيل تحالف اقرب ما يكون الى تحالف الاضداد مع المجلس الاعلى الاسلامي، وحزب الفضيلة، وائتلاف الكتل الكوردستانية على الرغم من وجود الكثير من حلفاء علاوي في اطار القائمة العراقية مناوئين للحقوق القومية للشعب الكوردي الا انهم دخلو في مرحلة التنازل عن هذه الهواجس في سبيل جمع عدد مقاعد تؤهلهم لمنافسة تحالف نوري المالكي.
وكنتيجة حتمية لما الت اليه اللقاءات والتحالفات الغير مستقرة على الساحة العراقية فان هناك "سيناريوهَين محتملين" لما ستؤول إليه الأمور في العراق، السيناريوالأول وسمي "عربة المالكي" كما وصفها الباحث "مايكل نايتس" في تقرير لـ "معهد واشنطن" وسيركز على ما بين 190 إلى 200 مقعداً يشغلها ائتلاف دولة القانون والتيار الصدري وإئتلاف الكتل الكوردستانية، وستقفز الأحزاب الأخرى بسرعة إلى عربة المالكي، إذا جاز التعبير، لكي تحاول إيجاد مكان لها داخل الحكومة الجديدة، وربما يتم منح دور رمزي إلى العناصر المرتدة عن القائمة العراقية في مثل هذه الحكومة، وهي المجموعات التي تمثل الغالبية الساحقة من الناخبين العرب السنة والشيعة العلمانيين.
أما السيناريو الثاني، فهو ما قد يسمى "أي شخص إلا المالكي"، وهو السيناريو الأقل ترجيحاً، وفيه سيضع الكورد وائتلاف العراقية هواجسهم جانباً من أجل منع إعادة انتخاب المالكي، وستنضم إليهما الكتل المنسحبة من التحالف الوطني العراقي التي عبرت عن معارضتها لترشيح التحالف للمالكي، أي المجلس الأعلى الإسلامي وحزب الفضيلة.
dostocan@gmail.com
التعليقات (0)