مواضيع اليوم

العراق بين الطموح الديمقراطي والممارسة الدكتاتورية

ياسر العزاوي

2010-06-12 16:43:22

0

لا شك أن ما قدمته أحزاب المعارضة العراقية باتجاه مرحلة سقوط النظام كبير جدا سواء على الصعيد البشري إذ قدمت قوافل كبيرة من الشهداء أو على الصعيد المادي الذي كلفها مليارات من الدولارات على مدى سنوات المواجهة مع الدكتاتورية والتي زادت على الثلاثة عقود.
وطبيعي أن يشوب هكذا تضحيات شيء من الأمل والطموح المشروع نحو تسلم السلطة لإقامة ما كانوا يحلمون به من عدل ومساواة وحرية وكل ما حرمت منه هذه الأحزاب إبان حكم النظام المقبور، وجاء تاريخ التاسع من نيسان حدثا مفاجأ وغير متوقع للكثير من هذه الأحزاب وكأنهم كانوا (في غفلة من هذا) وسبب المفاجأة واضح في أنهم استبطأوا ما كانوا ينتظرونه من تغيير بل لم يتصوروا أنهم سيكونون خارج دائرة القرار المصيري الذي أودى بحياة النظام السابق، فجاءت أحلامهم مبعثرة وطموحاتهم غير منتظمة ودون أدنى تنسيق لذا نجدهم قد اختلفوا في بديهيات إدارة البلاد على أسس جديدة ظاهرها التوافق (الديمقراطية) وباطنها الاختلاف الذي أفضى إلى المحاصصة التي وأدت المشروع الديمقراطي في مهده وأدخلت البلاد في دوامة التوافقات والقفز على الدستور الذي يتخذه البعض حجة ودليلا مؤيدا لمواقفه، فيما يدين آخرون بعض فقراته التي تخالف توجهاتهم وأهوائهم، وبين هذا وذاك وجدت المجاميع الضالة والمرتبطة بأجهزة المخابرات السابقة والمدعومة من قبل أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية وجدت لنفسها مكانا للتحرك لتقويض ما سمي فيما بعد بالوفاق الوطني أو الانجاز الديمقراطي (العملية السياسية)، ومن بين ركام الانفجارات والقتل والتشريد استطاعت أحزاب السلطة أن تخطوا خطوة بالاتجاه الصحيح في كتابتها للدستور وطرحه للمصادقة عليه من قبل الشعب ويعتبر بحق انجازا وطنيا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، إلا إننا نقف في بعض المواطن مستغربين من اعتراض البعض على الدستور والذين كانوا هم من المشاركين في كتابته يقفون اليوم للاعتراض على بعض الفقرات والتي اتضح فيما بعد أنها تخالف إستراتيجية الحزب أو الكتلة التي ينتمون إليها، هنا يتضح حجم التضارب بين المصلحة الوطنية التي شارك فيها الجميع حين كتابتهم للدستور وبين المصلحة الخاصة أو الضيقة التي ينطلق منها هذا البعض في اعتراضاته، وهذا يبين حجم التضارب بين الطموحات الديمقراطية التي انطلقت منها الأحزاب في تشكيل الحكومة بمساعدة أمريكا وبين المصلحة الضيقة التي هي لازمة من لوازم الدكتاتورية أو قل هي الممارسة الدكتاتورية بعينها.
وما أن دخلت هذه الأحزاب ساحة الامتحان الحقيقي في إدارة الدولة ومواجهتها لأزمات ومطبات خطيرة حتى برزت إلى العيان ممارسات وقرارات لا تنم إلا عن نزعة انفرادية ورغبة سلطوية في الإدارة مستغلين خطورة الموقف وتسارع الحدث وخوف الآخرين على المشروع من الضياع في حال الاعتراض على هكذا ممارسات مما ساعد على تكريس حالة الانفراد بحجة الوضع الاستثنائي والموقف الذي يحتاج إلى إدارة حازمة وصلبة.
لقد حفظ لنا التاريخ الكثير من قصص التداول السلمي أو الدموي للسلطة التي هي اعز من المال والعيال في كثير من الأحيان ولكن يبقى الدواء رغم المطيبات التي تدعمه مرا لمن كان يعاني من مرضٍ عضال، والدكتاتورية على مر التاريخ السياسي تعتبر من اشد الإمراض فتكا في جسد الشعوب، لذا نراها دوما في موضع النقيض من الديمقراطية التي تعتبر من أنجع المضادات للدكتاتورية.
الشيء الغريب والمذهل إننا في العراق وبعد كل هذا الشد والجذب لابد لنا أن نخرج بحكومة وبرلمان ورئيس للوزراء ورئيس للجمهورية سواء كان هذا باتفاق الأطراف السياسية داخليا أو عن طريق الأوامر التي ستصدر عما قريب من الأطراف الدولية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي في حال عدم التوصل داخليا إلى اتفاق لتشكيل الحكومة، وأيضا سنمر في نفس المراحل التي مرت بها الحكومات السابقة كون المعارضين في البرلمان ليسوا مراقبين ومقومين لأداء الحكومة وإنما هم مترقبين أو متتبعين لعثراتها أملا في إسقاطها دون الانتباه إلى أنهم لو كانوا هم في موقع القرار والتنفيذ لكان الآخرون في موقع المراقب أو المترقب والمتتبع لعثراتهم، وبالمحصلة أن الذين يتنافسون اليوم على السلطة اغلبهم مروا بتجربة الإدارة في الدولة سواء من موقع أعلى أم من موقع أدنى ولا يوجد فيهم من هو معصوم أو قريب إلى العصمة لذا علينا القبول بالواقع بما فيه وهذا قانون المحاصصة الإلهية العادل إذ يأخذ كل حسب ما قدمه لمنصبه ومكانته فمن تمتع بالأمس بحلاوة الفوز بالسلطة والقرار والاستئثار بالمواقع والأموال على حساب الشعب عليه أن يقبل عاجلا أم آجلا أن يكون في موقع تذوق مرارة التراجع وان يمارس دوره الوطني المدعى من أي موقع كان وإلا فان العراق لا يحتمل التناقض حد الإزهاق.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !